المحتوى الرئيسى

ترسيم الحدود المصرية ـ السعودية: حل رسمي.. وغضب شعبي!

04/11 00:45

بعيداً عن الصخب الاحتفالي المتنقل بين قصر الرئاسة ومقر البرلمان في مصر، والنشوة الرسمية بالاتفاقيات الثنائية، ولا سيما الاقتصادية منها، تمثل الجانب المظلم في زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في انضمام 11 ناشطاً الى قائمة المسجونين السياسيين، بعدما تم إلقاء القبض عليهم، يوم أمس، خلال محاولتهم الاحتجاج على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتي شملت «تنازل» الجانب المصري عن جزيرتي تيران وصنافير، في قضية أثارت الرأي العام، وتحوّلت الى مادة للجدل الحاد عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

الزيارة التي بدأها ملك السعودية يوم الخميس الماضي، وتستمر حتى اليوم، انعقدت حولها آمال عريضة. وبالرغم من الإعلان المتكرر للمملكة السعودية بأنّ التعاون الاقتصادي مع مصر لن يستمر في شكل منح ومساعدات، وأنه سيتخذ شكل استثمارات وشراكة، إلا أن توقعات الجانب المصري تجاه نتائج الزيارة الملكية بدت مرتفعة.

وفي وقت تتراجع فيه تدفقات الاستثمارات الأجنبية لمصر، حصلت القاهرة، خلال زيارة الملك سلمان على تعهدات سعودية برفع الاستثمارات إلى 30 مليار ريال.

القيمة السياسية للزيارة الملكية لم تكن أقل من القيمة الاقتصادية، خصوصاً أنها جاءت لتدحض كل المزاعم بشأن توتر العلاقات بين القاهرة والرياض، وتقلل من تأثير الخلافات حول القضايا الإقليمية على التحالف بين البلدين.

وكان لافتاً للانتباه أنه لم يظهر الكثير من نتائج الزيارة الملكية على صعيد الوضع الإقليمي، ما عدا التصريحات المعتادة عن تعاون البلدين. وفي المقابل، ظلت العلاقات الثنائية، ولا سيما في الجانب الاقتصادي، هي المهيمنة على الزيارة، التي ضمت عدداً كبيراً من الوزراء والأمراء ورجال الأعمال السعوديين.

الزيارة التاريخية شهدت توقيع 17 اتفاقية للتعاون بين البلدين في مجالات عدة، أبرزها بناء جسر يربط البلدين فوق خليج العقبة، ومشاريع لتنمية جنوب سيناء، ومن ضمنها إنشاء جامعة ومجمعات سكنية، واتفاقيات لتطوير مستشفى القصر العيني التابع لجامعة القاهرة، التي منحت الملك الدكتوراه الفخرية في الطب لخدماته للقطاع الصحي في مصر، بالإضافة الى اتفاقية بناء محطة طاقة كهربية.

كل ذلك كان كافياً لأن يُستقبل سلمان بحفاوة استثنائية، كان من أبرز تجلياتها، يوم امس، الحفاوة البالغة التي حظي بها الملك السعودي في البرلمان المصري.

وقال الملك السعودي، في كلمة قصيرة ألقاها في قاعة البرلمان التي امتلأت بالنواب المصريين وأعضاء الوفد السعودي المرافق له، إن «المهمة التي ينبغي أن نعمل عليها سوياً تتمثل في مكافحة الطاغوت ومحاربة الإرهاب الذي تؤكد الشواهد أن العالم العربي والإسلامي هو أكبر المتضررين منه. وقد أدركت السعودية ضرورة توحيد الروئ والمواقف لإيجاد حلول عملية لهذه الظاهرة وتم تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب وتنسيق الجهود بما يكفل معالجة شاملة لهذه الآفة فكرياً وإعلامياً مالياً وعسكرياً، وإننا نعمل سوياً لنمضي قدماً في إنشاء القوة العربية المشتركة».

وشدد الملك سلمان على أن لدى السعودية ومصر «فرصة تاريخية لتحقيق قفزات اقتصادية هائلة من خلال التعاون بينهما».

وبرغم الحفاوة الرسمية بنتائج الزيارة الملكية، فإن اتفاقية واحدة كانت كافية لإثارة جدل حاد حولها، خصوصاً أنها تتعلق بالسيادة الإقليمية لمصر، وهي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والتي أعلنت الحكومة المصرية بموجبها أن جزيرتي تيران وصنافير تتبعان للسعودية، في خطوة أثارت موجة من الاستياء الشعبي.

حسن نافعة أستاذ السياسة في جامعة القاهرة يقول في حديثه الى «السفير» إنه «من المبكر إصدار حكم على النتائج النهائية للزيارة. وما يمكن تأكيده أن هناك إدراكاً متبادلاً لأهمية العلاقات بين البلدين. وإن كنت لست متأكداً من تطابق وجهات النظر تجاه القضايا الإقليمية».

ويضيف نافعة «من الواضح أن الضعف الذي يعتري النظام المصري يدفعه الى تقديم تنازلات أمام الخارج، وهو ما يضيّق عليه الخناق. ومن جهة أخرى فالسعودية تواجه تحديات داخلية إلى جانب التحديات الإقليمية، وهناك استحقاقات إصلاح في داخل المملكة. وأعتقد أن العلاقات بين البلدين تتوقف على حل معضلات الداخل لكل منهما».

ويوضح نافعة أن «السعودية أقرب للطرح الإسلامي من الطرح العروبي، وصراعها مع إيران هو في الأساس صراع على من يقود العالم الإسلامي. أما النظام المصري فحتى وإن لم يكن عروبياً، فإنه أقرب للعروبة من توجهات الإسلام السياسي».

ويعلق نافعة على تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير قائلا «كل الخبراء يؤكدون أنهما جزيرتان مصريتان، ولكن القيود التي فُرضت عليهما بعد اتفاقية كامب ديفيد قللت من أهميتهما، ولا أستبعد أن يكون النظام المصري قد تنازل عنهما مقابل جوائز أخرى. وفي مطلق الأحوال، لا يمكن لاتفاقية تتعلق بالحدود أن تمر إلا عبر البرلمان».

الأجواء الاحتفالية التي أحاطت بزيارة ملك السعودية، باستقباله في الأزهر ولقائه البابا تواضروس، ومنحه الدكتوراه الفخرية وإلقائه كلمة في البرلمان، في سابقة هي الأولى لملك سعودي، لم تتمكن من إخفاء صدمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.

وبمجرد إعلان الحكومة المصرية أن الجزيرتين تتبعان للسعودية، انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بالاحتجاج، ونشر المغردون خرائط الكتب المدرسية التي تؤكد مصرية الجزيرتين، والأفلام الوثائقية والقرارات الرسمية التي تعلن الجزيرتين محميتين طبيعيتين مصريتين، وقرارات إنشاء مراكز شرطية بهما، إلى آخر الوثائق التي تؤكد اعتبار الجزيرتين مصريتين.

وتصدّر وسم أطلق احتجاجاً على تنازل مصر عن الجزيرتين، بعنوان «عواد باع أرضه»، مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت. وظهرت سريعا دعوات لرفع دعاوى قضائية ضد الاتفاقية. فضلا عن محاولة تنظيم احتجاج في محيط ميدان التحرير اعتقل على إثره أحد عشر شابا.

خالد علي المحامي والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية يقول في حديثه الى «السفير» إنه «إذا كانت الجزيرتان فعلا سعوديتين كما قالت الحكومة المصرية، فلماذا تمسكت بهما مصر طوال تلك السنوات برغم مطالبة السعودية».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل