المحتوى الرئيسى

محمد نصر ...العملية الفاشلة لتصنيع داعية !

04/08 16:26

اقرأ أيضا: السلطة في مرمى السخرية المصرية المرة ...مجددا ! لقاء الرئاسة والمثقفين: المثقف (العضوي).. والمثقف (الكوبري) ! د. كريمة ... من نصبه فقيها للمرحلة ؟ وجبة الجمبري و السجادة الحمراء ... فجور السلطة بلا رتوش ! زمن ( تل أبيب ) ...وعاصفة التطبيع القادمة !

كان الداعية النزيه الجسور دائما _ عبر التاريخ الإسلامي الممتد _ ثمرة بهيجة لعملية تاريخية / حضارية معقدة , تداخل في صياغة معادلتها التأهيل الشرعي الجيد و الفطرة الإنسانية المجبولة و الذكاء الاجتماعي و دماثة الخلق و الاحتفاظ الواجب بمسافة أمان  بعيدا عن أبواب الحاكم و قلاعه  ( و منحه و هباته بطبيعة الحال ! ) , و لباقة الخطاب و ترفقه و تأدبه و تحري الوسطية و التيسير و تجنب التزمت و الإلجاء و القهر أو التسفيه و التطاول  و الجسارة الواجبة في مواجهة الجميع  ( خصوصا الحكام ) بالعوار و الأخطاء دون خضوع لموازين أو حسابات الريع و المكسب العاجل  بما يقتضيه ذلك من الحفاظ المستمر على مظهر الهيبة و مسالك الاستقامة التي لا تخدش الرمز , و قبل هذا كله توافر الرصيد الكبير من المؤلفات و الكتب و التلاميذ , و لعل هذا كله أو بعضه هو ما صاغ ( الخلطة الشعبية ) لنجاح الدعاة و تربعهم في القلوب عبر قرون . إن تخلق الداعية عملية عفوية في حياة الأمم يصنعها الجهد المبذول و الاحتياج الحضاري و الاستعداد الفطري و درجة التأهل الضروري  و قدرة الداعية نفسه على المواكبة و الاستمرار بثقافة عصرية لا غنى عنها , و حين يقيض لداعية هذا الفضاء الملائم المواتي , تتوطد مكانته بدرجة من الترسخ  القوي تستعصي على الحلحلة أو الاهتزاز أو التلاعب , و يتألف بينه و بين الجماهير شكل من أشكال  التناغم الهارموني الإنساني النادر , على نحو ما وجدنا من تفاعل عجيب بين ( الشعراوي ) _ رحمه الله _ و الجماهير الغفيرة من البسطاء الذين تحلقوا حول درسه في المسجد , و أنصتوا لكلماته الرفافة و حضوره الإيماني / الإنساني المثير , فتوطدت مكانته بوصفه ( مايسترو ) ماهرا موثوقا به في معزوفة شعبية متناغمة تصنع الفضيلة و المنجزات و تغري بالتطورالشامل , وعيا و خلقا , نحو الأفضل .

 غير أن ما ذكرناه _ فيما سلف _ يختلف جذريا عن عملية متكلفة مفتعلة ل ( تصنيع داعية ) في الغرف  السرية المثيرة للريبة و الشك , و خصوصا حين تجري هذه العملية  بالقسر و الإكراه  و الأصباغ و المساحيق الإعلامية شديدة التكلف ,لينتج عن ذلك  تمرير ظاهرة ( ضحلة ) شديدة التسطيح لتصبح _ بأصابع الميديا المدربة القادرة على التضخيم الزائد ! _ ظاهرة كبيرة جادة تفرض حضورها على الوعي الجماهيري , و لو كان ذلك بالسماجة الزائدة و الإلحاح المستفز ! و قد نجح الإعلام المصري بترسانة هائلة من الفضائيات في فرض ( وجوه استفزازية ) من هذا القبيل لم تكف عن قذف آذاننا المسكينة بخطابها الضحل التافه آناء الليل و أطراف النهار ! و كان ( محمد عبد الله نصر ) _ الملقب في الصحافة ب ( ميزو ) _ في تقديري واحدا من ثمار هذا الحنظل المر الذي كتب علينا ابتلاعه و تجرعه بإلحاح إعلامي صفيق متبلد لا يقيم للمشاعر الشعبية وزنا و لا لرأي الناس حسابا و لا لكلمة العلم الصارمة اعتبارا ! و قد تجنبت تماما ذكر كلمة ( ميزو ) في عنوان المقال تلافيا ل ( التنابز بالألقاب ) أو الانزلاق إلى ما يجافي عفة اللسان . و أصارحكم بأنني كدت أتجنب الخوض تماما في أمر هذا ( الوجه المصنوع ) في غرف اليسار المصري , لكن ما حفزني على التطرق لهذا الوجه المفروض علينا _ بما يجاوز الإلحاح _ أن الكلام عن ( محمد نصر ) ذي الزي الأزهري , و الذي لم يكف يوما عن إهانة الأزهر بتوقح , سيكون مناسبة لاختبار قدرة ( الغرف اليسارية المصرية )  الآن على تصنيع الوجوه التنويرية  / الدعوية الجديدة التي دأبت عبر عقود على تصنيعها لتغتال الفكرة الإسلامية المعتدلة أساسا ! و هو في الوقت نفسه مناسبة لاختبار قدرة ( الإعلام المصري الموجه )  في مرحلته الراهنة المسفة على صناعة الوعي الزائف  و تمرير ( النجوم المصنوعة) بالماكياج مجددا ! و قد رسب الطرفان معا رسوبا مريرا في إطار حالة الانكشاف الشامل و غير المسبوق للمشهد المصري بكل أطيافه و مكوناته , إذ رسبت غرف اليسار و أروقة حزب التجمع في تصنيع وجه دعوي / تنويري مقبول ذي هيبة , و فشلت جوقة مدينة الإنتاج الإعلامي في صناعة نجم جماهيري جديد للمنابر يماليء السلطة و يسرب مشروعاتها ( مهما كانت كارثية ) , و تمخض الحشد الهستيري الموتور عن ( قنبلة صوت ) كبيرة مضحكة لا تغري بالاحترام فضلا عن المحاكاة و الاحتذاء .

 حاولت غرف اليسار الماركسي المصري _ منذ عشرينيات القرن الماضي _ تصنيع ( داعية تنويري ) ( بالمواصفات الماركسية ) لتمرير مشروعها الفكري , المتنكب لفكرة التسامح و الحريات , و نشطت هذه الغرف السرية بقوة منذ عام 1920 , بمشورة رموز الفترة من الوجوه الماركسية البارزة : ( حسني العربي ) و ( أنطون مارون ) و الروسي المتمصر ( أفيجدور ) , وكان ينضم إليهم ( روزنتال ) و ( سلامة موسى ) و الموفد السوفيتي لمتابعة النشاط الماركسي في مصر ( ترويانوفسكي ) , و استمرت المحاولات في الستينيات و السبعينيات و ما تلاها , و كان الشيخ اليساري ( خليل عبد الكريم ) ( 1930 _ 2002 ) منتجا بارزا من منتجات هذه الغرف اليسارية المحمومة , و هو أساسا محام , وبوضوح تام فقد  كانت غرف اليسار المصري قادرة على صناعة الإبهار اللوني البراق الذي يغري العين لكن هذا الجهد لم يصنع يوما عمقا و لا إخلاصا و لا أيه مهارات للاختراق الجماهيري الكبير و ظلت غرف اليسار و غرف السلطة معا  تطرح السؤال نفسه : لماذا لم تصنع غرفنا برغم آلة القمع و الدعم المالي غير المحدود , رجلا بحجم ( محمد الغزالي ) ؟!

 تأكدت السلطة في مصر حاليا _ مع اهتزاز المكان و المكانة بصورة خطيرة ! _ بأن الأمر بات بحاجة إلى ( داعية ) جديد من خارج الصندوق من طراز الدعاة / الدمى الذين أفرزتهم غرف اليسار المصري , يمكن أن يسهم بنصيب كبير في ( تكسير ) الأمواج الشعبية للفكرة الإسلامية فكريا , جنبا إلى جنب مع شكيمة العصا الأمنية التي ارتفع سقف قمعها إلى حدود غير مسبوقة _ رأسيا و أفقيا _ و يمكن لهذا الداعية المصنع تصنيعا في الغرف , مع حقنه بالتضخيم الإعلامي المطلوب , أن يسهم بنصيب مماثل في امتصاص حالة الاهتمام الجماهيري و ابتلاعها بعيدا عن منطقة النظر المنذرة بالخطر  أو الجالبة للصداع مثل موضوع السدود الإثيوبية أو( هشام جنينة ) أو تداعيات قضية الإيطالي ( ريجيني ) , و لا بأس هنا من الدق إلى جوار الآذان بموضوع إنكار  ( عذاب القبر ) أو تعريف الزنا بصورة مبتكرة جديدة أو حتى التطرق العلني الإعلامي إلى فكرة حذف آيات من القرآن في السابق في إطار عرض موضوع ( النسخ ) في القرآن ما دام ذلك يجري في إطار خطة ( الإلهاء الاستراتيجي ) ! و تلاقت هنا غرف السلطة و اليسار على الهدف نفسه ! و لأن غرف السلطة و اليسار معا تعاني من شيخوخة كاملة طالت المرافق و الخلايا و الأطراف , فقد وقع الاختيار على شاب من مواليد سبتمبر 1977 ( شبرا الخيمة ) , و هو من أسرة ريفية من ( الباجور ) بمحافظة المنوفية , تخرج في كلية أصول الدين ( قسم الدعوة و الثقافة الإسلامية ) بتقدير : ( جيد ) عام 2003 . و كان يعمل قبل ثورة 25 يناير في مجال تحفيظ القرآن , و المدهش أن هذا الشاب ( المختار ) , رسب في مسابقة اختيار الأئمة بوزارة الأوقاف فلم يتم اختياره كإمام معتمد لضعف المستوى ! كان هذا الشاب هو ( محمد عبد الله نصر ) , الذي تم ضمه إلى ما يسمى ب ( أمانة الدعوة ) بحزب التجمع , و وقع اختياره عضوا باللجنة الإعلامية بالحزب نفسه , و هو الذي شارك مع رموز اليسار المصري في تدشين ما سمي ب ( الحملة الشعبية للتنوير ) . و توالت الفقاقيع الهوائية الكبيرة ل ( محمد نصر ) و تعاقبت فتاواه ( الكاريكاتيرية ) بدءا من إنكار أن يكون التلاقي الجسدي الجنسي بين غير المتزوجين هو من قبيل ( الزنا ) المنكور و أنه مجرد ( بغاء ) ! ( ياللفصاحة و القياس الفقهي النابه ! ) وصولا للهجوم المسف على ( البخاري ) بسب مبتذل يليق بمصاطب ! و انفتحت فجأة الأبواب الأمامية و الخلفية في كل الفضائيات ل ( محمد نصر ) صاحب ( كبسولة التنوير ) , فمضى يفح بغمزه المبتذل للإسلام , قرآنا و سنة و رموزا , و حاول ( الإبراشي ) بالخصوص أن يعيد تسويق الصورة المتوهجة للشاب متواضع الإمكانات كلما تعالى الضحك أو تعاظم الاستياء و الإنكار الشعبي !

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل