المحتوى الرئيسى

الملحدون العرب يهربون من مجتمعاتهم ويخافون على حياتهم

04/08 10:32

من يتابع المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، سيلاحظ وجود مئات المنابر التي تتبنى الفكر الإلحادي وتروّج له، وسيعرف أن الآلاف يتابعونها.

فقد أشارت دراسة أجرتها مؤسسة "وين غالوب الدولية للأبحاث" إلى أن 5% من السعوديين قالوا إنهم ملحدون. بينما قالت دار الإفتاء المصرية في يناير 2014، إن هناك نحو 866 ملحداً في مصر، ما أثار السخرية آنذاك، لأنه لا يمكن إحصاء الأشخاص بحسب أفكار في رؤوسهم، خصوصاً إذا كانوا لا يعبّرون عنها، عدا أن في مصر عشرات آلاف الملحدين.

وفي الآونة الأخيرة، راح البعض يتحدّث عن تنامي نزوع الشباب العرب نحو الإلحاد كردّة فعل على تنامي الخطاب الديني المتشدد، الذي يغيّب العقل. لكن يبقى أن خيار الإلحاد هو خيار معرفي وفلسفي بالدرجة الأولى.

كان التدوين عن بعض القناعات والأفكار التي خالجت الشاب المغربي قاسم الغزالي، قبل سنوات، سبباً لتعرّضه للكثير من المضايقات. فكان يكتب عبر مدونته "بهموت"، آراءه في الدين، وعبرها أعلن إلحاده.

تسبّب ذلك بطرده من المدرسة التي كان يدّرس فيها، في إحدى القرى المغربية، بعد أن قاد أحد زملائه حملة ضده. كما طُرد من منزل أهله، وصار شخصاً غير مرغوب فيه ببلده.

شارك غرد3 شباب من العالم العربي يروون قصة إلحادهم وما يواجهونه بسبب أفكارهم

قال قاسم لرصيف22: "غادرت المغرب سنة 2011، بعد أن تعرّضت للمضايقات والتهديدات بالقتل والطرد من الثانوية بسبب مدوّنتي، أو لنقل بسبب المواضيع التي كنت أكتب عنها. والجميع يعرف جيداً واقع حرية الفكر والتعبير في مجتمعاتنا. ففي الغالب يتعرض النشطاء للمضايقات إذا عبروا عن أرائهم السياسية التي لا ترضي السلطة. ولنا أن نتخيل طبيعة المخاطر التي تقف أمام مَن يعلنون رفضهم للمقدسات الدينية، أو يعلنون كفرهم بها".

لم يختلف مصير الشاب المغربي أمين بوخليق، حين بدأت تراوده بعض الأفكار الإلحادية غير المحببة اجتماعياً. وقال الشاب، المقيم حالياً في فرنسا لرصيف22: "نشأت في أسرة شبه محافظة، لأب مناضل شيوعي سابق. كنت مرغماً على الذهاب إلى أمكنة تحفّظ القرآن في سنوات عمري الأولى كي أستعد للمدرسة، وكانت جدتي هي مَن قرر إرسالي إلى المسجد أول مرة بحكم أنني ترعرعت في بيتها، قبل أن أنتقل إلى بيت أبي".

وأضاف: "تمكّنت خلال سنة أن أحفظ نحو أربعة أجزاء من القرآن، واستمررت مسلماً ورث إسلامه لسنين طويلة حتى بدايات عام 2010. ففي ذاك العام، كنت في الثانوية وتعرّفت إلى الفلسفة والأسئلة الجريئة التي طرحها بعض كبار المفكرين".

كان أول ما جذب أمين مقولة "مات الله" للفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه. ثم أثار انتباهه المذهب الديكارتي، الذي يدعو إلى الشك في كل شيء. وقال: "اقتنعت نوعاً ما بكلامهما وقرّرت البحث في عمق الدين واللاهوت، وكان أقرب دين إليّ هو الإسلام".

قرّر أمين أن يطّلع على أمهات كتب التفسيرات، كالطبري وابن كثير، وكتب الفقه والحديث التي وجدها في منزل أحد الأصدقاء، كالرحيق المختوم وصحيح البخاري. وأوضح: "مع تقدّمي في البحث عن معاني ما حفظته من القرآن، أصبحت أشك في أن يكون كتاب كهذا من عند الله. فلا يمكن لإله أن يسب شخصاً كما يفعل البشر بينهم، كما جاء في سورة المسد، إذ نلاحظ أن أبا لهب تعرض لسب وتجريح عنيفين. وهناك أمثلة كثيرة لأشياء لمّا فهمتها جيداً لم استسغها لعدم انسجامها مع المنطق والعلم".

لم يقف أمين عند هذا الحد، بل قرّر أن يناقش أصدقاءه، وصار يدعوهم للبحث والاطلاع على الكتب التي قرأها. وقال: "الكثيرون منهم كانوا يتجنّبون الحديث معي خوفاً على إيمانهم، لذلك توجّهت نحو فيسبوك، وذُهلت حين وجدت أن هناك أشخاصاً فعلوا مثلما فعلت، وهم الآن يكتبون ما يخطر في بالهم حول الله والنبي والإسلام".

ولفت إلى أن قاسم الغزالي كان من بين هؤلاء، وأنه كان من المتتبعين لمدونته "بهموت". وبعد ذلك التقى ملحدين في الواقع، وتناقش معهم في ما يمكن فعله "حتى تُسمع أصواتنا خصوصاً أننا نعي أن ما يحكمنا في المغرب هو شريعة مخففة، أو شريعة مع وقف التنفيذ تحوي مجموعة قوانين بدائية تحد من الحرية الشخصية للأفراد".

وتابع أمين: "بعد لقاءاتنا، قرّرنا تأسيس مجلس المسلمين السابقين في المغرب، ومن مطالبنا الجوهرية علمنة الدولة وضمان حقوق الأقليات بالمغرب".

وروى أنهم شاركوا مرّات عدّة في برامج تلفزيونية على قنوات عالمية، وتعرضوا لمجموعة من المشاكل في الشارع، حين كان يجري التعرّف إليهم، "من قبل ناس عاديين يظنّون أنهم يغيّرون المنكر حين يعمدون إلى محاولة ضربنا ونعتنا بالشاذين وعبدة الشيطان"، بحسب تعبيره.

بسبب كل ما واجهه، قرّر أمين أنه يصعب عليه أن يتعايش مع "هذا الكم من الجهل والتعصب". فقدّم طلباً للسفر كطالب، عام 2014، إلى فرنسا حيث يعيش الآن.

تختلف قصة المدوّن العراقي أثير العاني، الذي غادر العراق وهو مسلم لديه بعض التساؤلات حول الدين، وبقي عاماً على هذا الحال في ألمانيا. وقال لرصيف22: "كانت عندي شكوك منذ عمر 13 سنة، لكنني لم أكن أعرف أين المشكلة، في الدين أو في التفاسير أو في الشيوخ أو في محمد أو في الله حتى".

بعد سنوات من شكوكه، حاول أثير إعادة تفسير الإسلام، لكنه قال: "اصطدمت بمشكلة أن القرآن نفسه لا يخلو من مشاكل، وأنني سأُعتبر مرتداً حسب معايير الإسلام التقليدي إذا آمنت بأي إصلاح حقيقي".

وبحسب نقاشات خاضها، استنتج أن مجرد ردّ الأحاديث المتواترة يؤدي إلى اعتباره كافراً عند جمهور العلماء المسلمين، وأن رفضه أحاديث الآحاد كان يصطدم باعتراضات من التقليديين.

بعد سنة تقريباً من وصوله إلى ألمانيا، تعرّف إلى موقع منتدى اللادينيين العرب. ويقول: "أدمنت القراءة فيه لأشهر ووجدت كثيراً من الأجوبة على أسئلتي".

يعتقد أثير أنه لو لم يخرج من بلده، لكان من ضمن سيناريوهات حياته الموت مقتولاً. ورداً على سؤال: لو بقيت في العراق وتوصلت لقناعتك الحالية هل ستعلنها، وما هو السيناريو المتوقع في تلك الحالة؟"، أجاب: "سؤال صعب، لكن أنا لا أطيق إخفاء رأيي، أتوقع أنني لن أخفي آرائي والسيناريو المتوقع يبدأ من المضايقات الشديدة وقد يصل إلى القتل".

رغم خروجهم من بلدانهم، ما زال الخوف عند الملحدين قائماً. يقول قاسم الغزالي: "الهجرة ليست في جميع الحالات فكرة ناجحة، خصوصاً مع تنامي تيارات السلفية في أوروبا، واستغلالها للقوانين العلمانية التي تضمن لها حق التنظيم والوجود، وسذاجة بعض الأوروبيين المحسوبين على الحركات اليسارية، الذين يعتقدون أنه في انتقاد ممارسات وأفكار هؤلاء المتطرفين عنصرية أو عداء للمسلمين". ويضيف: "هنا نكون أمام حركة إسلامية متطرفة قوية تنشط من الغرب. لذلك رغم أنك كملحد فار من جحيم التشدد والتطرف، تجد نفسك مهدداً من قِبل الفكر والإيديولوجية نفسيهما".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل