المحتوى الرئيسى

حكايات من دفتر أحوال الفساد

04/07 14:31

وهؤلاء جميعاً كانوا وراء احتلال مصر المركز «94» فى منظمة الشفافية الدولية، وهؤلاء جميعا نجحوا فى نزع أنياب 36 جهازاً رقابيا بالدولة، بما يملكون من سطوة ونفوذ، ورجال داخل المؤسسات والأجهزة الإدارية المختلفة، لتتحول مصر إلى «بؤرة فساد».

واللغز فى قضايا الفساد، أنها تختفى وتموت بعد الإعلان عن كشفها، ليهرب الفاسد ويفر من العدالة وتبقى الجريمة مستمرة، ويرتفع حجم الفساد إلى أكثر من 200 مليار جنيه، ويضرب الفاسدون بكل قرارات الرئيس عرض الحائط، ويلقون بكل تقارير أجهزة مكافحة الفساد فى سلة المهملات.. ليصبح الفساد مقنناً وبأمر الحكومة.. ويكون السؤال هل أصبحت إمبراطورية الفساد أقوى من كل محاولات رئاسة الجمهورية للقضاء عليه؟ وهل الحكومة جادة بالفعل فى مكافحته، وإن كانت كذلك لماذا تجاهل بيان الحكومة آليات وبرامج هذه المكافحة؟ وهى تعلم أن لديها أكثر من 6 ملايين موظف لا يخلو الكثير منهم من قضية فساد.

منظمة الشفافية الدولية تؤكد فى تقاريرها أن مصر ما زالت تحتاج إلى شغل كثير وجاد لمكافحة الفساد، وأن التشريعات والقوانين المتعلقة بمكافحته مازالت أيضاً قاصرة وغير متوافقة دوليا، وتحتاج إلى تفعيل، وخاصة قانون الذمة المالية وقانون النيابة الإدارية.

وحسب ما نشرته مبادرة «ويكى فساد» هناك تنوع وتنقل بل وتنافس للفساد والفاسدين فى مصر.. فقد رصدت المبادرة التى يتبناها شباب مصريون خلال شهر يونية من العام الماضى 2015 «71» حالة فساد بإجمالى 3 مليارات و496 مليونا و823 ألفا و672 جنيها من أموال الدولة كان نصيب الاختلاس حوالى 816 ألفاً و264 جنيها فى الشهر العقارى كما بلغ الاستيلاء على المال العام نحو مليار و100 مليون جنيه منها 500 مليون فقط من تموين مدينة العياط وحوالى 2 مليار جنيه إهداراً للمال العام من وزارة التطوير الحضرى بالإضافة إلى 345 مليون جنيه من الجهاز التنفيذى للمنطقة الحرة.

واستمرارا لمسلسل الفساد تم ضبط «محروس» 49 عاماً رئيس قسم بإدارة شئون الطلبة والامتحانات بإدارة سوهاج التعليمية لتقاضيه مبالغ مالية من بعض الطلبة الوافدين لتحرير خطابات لهم لإلحاقهم بمدارس تابعة لإدارة المراغة التعليمية ودون الإجراءات القانونية فى هذا الشأن وكذلك تزوير مستخرجات رسمية تفيد بنجاح طلاب بمراحل التعليم المختلفة على خلاف الحقيقة وكذلك بيع المستخرجات للراغبين فى ذلك من المواطنين لتمكينهم من الحصول على تراخيص قيادة من وحدات المرور المختلفة والتقدم بها للعمل ببعض المعاهد الأزهرية بدون وجه حق مقابل مبالغ مالية وكذا الاستيلاء على المال العام عن طريق التزوير بدفاتر مديرية التربية والتعليم من خلال التلاعب فى بيانات أساسى مرتبه بالزيادة وكذلك بوضع اسمه بالكشوف الخاصة بصرف مكافآت لجان النظام والمراقبة لجميع المراحل التعليمية بالمديرية بدون وجه حق عن الأعوام 2013/2014/2015.

كما كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزى للمحاسبات حول نشاط وزارة الدولة للتطوير الحضرى والعشوائيات فى عام 2014 وجود عدد من المخالفات المالية التى تمثلت فى إهدار 887 مليون جنيه من الموازنة العامة للدولة فى قطاع العشوائيات.

وكشف تقرير صادر عن الجهاز المركزى للمحاسبات عن مخالفات وإهدار مال عام بملايين الجنيهات بشركة النيل العامة للطرق والكبارى التابعة لوزارة النقل وتحقيقها خسائر بلغت 157 مليون جنيه تمثلت فى 44 مليون جنيه خسائر لمشروعات نفذتها خلال العام المالى الماضى و113 مليون جنيه خسائر تراكمية لمشروعات نفذتها حتى 30 يونية 2014/2015.. كما شهدت محافظة أسوان العام الماضى قضية رشوة كانت حديث الشارع الأسوانى، وإلقاء القبض على مدير عام الإسكان و4 من مساعديه لاتهامهم بتقاضيهم مبلغا ماليا على سبيل الرشوة لتسهيل تنفيذ إنشاء وحدات سكنية بمحافظة أسوان لصالح أحد المقاولين.

ولفتت التقارير الرقابية إلى قيام مدير إدارة أملاك الدولة بمحافظة أسيوط بتلقى أموال مقابل تسهيل إجراءات غير قانونية للاستيلاء على الأراضى المملوكة للدولة وقد قبض عليه أثناء تقاضيه رشوة.

وكشفت تقارير مؤسسة «شركاء من أجل الشفافية» 138 واقعة فساد خلال شهر واحد فقط توزعت ما بين 23 فى وزارة الصحة و20 فى المحليات و18 فى التموين و6 فى الداخلية و5 فى المالية و5 فى الشباب والرياضة، و9 فى التربية والتعليم، و9 فى الزراعة، و4 فى الأوقاف، و4 فى الاستثمار، و5 فى النقل، و3 فى الآثار، و3 فى الرى، وواقعة واحدة فى البترول قبل الواقعة الأخيرة بمصر للبترول، و2 فى الثقافة، و2 فى الإسكان، و2 فى التضامن الاجتماعى، و14 فى باقى الأجهزة الحكومية.. وانتهى حصر المؤسسة بترتيب مصر فى مؤشر الفساد وفقاً لتقدير «مدركات الفساد» السنوى لمنظمة الشفافية الدولية كان 88 وهو مختلف عما سبق نشره بأن مصر فى الترتيب الـ94.

مما يعنى أن هناك تضارباً فى الأرقام وفى الترتيب.

وأياً كان الاختلاف حول مركز مصر فى مؤشر الشفافية.. فالحقيقة الواحدة والمؤكدة أن الفساد فى مصر «كارثى» ووصل إلى حد يستدعى التحرك السريع قبل فوات الأوان.

ولا يزال الفساد المالى والإدارى والبيروقراطى يشق كل قطاعات الجهاز الإدارى.. مما يستلزم من وجهة نظر الدكتور صفوت النحاس رئيس جهاز التنظيم والإدارة السابق ميكنة الأعمال الحكومية حتى الأساسية والخدمات المقدمة للقضاء على الفساد بنسبة كبيرة!

ومكافحة الفساد بشقيه المالى والإدارى بحسب الدكتور صلاح الدين الدسوقى رئيس المركز العربى للدراسات الإدارية والتنمية يتم من خلال محور تشريعى وآخر بشرى.

وبالنسبة للمحور التشريعى من خلال تغيير وتطوير الإطار التشريعى الحاكم للجهاز الإدارى للدولة باستحداث قوانين تقلل فعلياً من حجم المعاملات وصولاً إلى الإجراء النهائى مثل الشباك الواحد وقانون الاستثمار الموحد، مما يقلل من احتمالية الفساد ومستوى البيروقراطية الإدارية خصوصاً فى المحليات والجهات الخدمية وهى الأكثر فساداً على مستوى الجهاز الحكومى.. فالفساد وكما يصفه الدكتور صلاح الدسوقى أصبح فى مصر صنعة من المحامى المتلاعب بثغرات القانون للطبيب المهمل والمخطئ فى حق مرضاه وصولاً لنواب المصالح فى البرلمان والتى تتحدث بلغة «الحصانة»، فمن منا ينسى التاريخ الطويل جداً من الإدانة لنواب «سيد قراره» فى قضايا قتل وتزوير وإهدار واستيلاء على المال العام والمتاجرة بآلام وأرواح المصريين.. وفيما يخص العنصر أو المحور البشرى وكما يقول الدكتور صلاح يجب أن نبدأ بالتغيير للعقلية الإدارية للموظف والقائمة على الفساد والتى تتعايش معه ولا تنكره حتى أصبح جزءاً من طبيعة العمل نفسه كالنفاق والمجاملات والدرج المفتوح دائماً والخوف من التطوير، ولذلك فمحاربة الفساد تبدأ بالتحريض ضد العقلية الإدارية المتحجرة! وعندئذ لا نصبح وكما هو الحال النهاردة «كلنا فاسدون».

فى الجيزة -تحكى الأوراق الرسمية التى حصلنا عليها- واقعة مثيرة.. مدير عام مديرية الصحة بالجيزة، راتبه الأساسى لا يتجاوز 898 جنيهاً و96 قرشاً، ولكن ما يحصل عليه شهرياً يزيد على 40 ألف جنيه!

تقول الأوراق الرسمية إن الدكتور «عزمى» يحصل شهرياً على آلاف الجنيهات من 9 صناديق خاصة تابعة لمديرية الصحة فى الجيزة.. فيحصل على حوالى 8 آلاف جنيه من صندوق النفايات الخطرة، وحوالى 16 ألف جنيه من القومسيون الطبى الخاص بالكشف على السائقين، بخلاف أكثر من 1500 جنيه من صندوق الفلاريا والملاريا، ومثلها من صندوق الالتهاب السحائى، وحوالى 4 آلاف جنيه من عائدات فارق سعر بيع الدواء, وحوالى 2000 جنيه من إدارة التدريب بمديرية الصحة، وما يعادل 1500% من راتبه من بند حافز الوزير، وما قيمته 100% من راتبه مقابل الإشراف على القسم المميز بمستشفى صدر الجيزة بالمخالفة للائحة 239 لسنة 1997 والتى تقصر صرف  عوائد المستشفيات على أنشطة المستشفى وتحسين الخدمة الطبية به ومكافآت الأطباء العاملين فيه.

بخلاف 4 آلاف جنيه شهرياً من القوافل الطبية بوزارة الصحة رغم عدم حضوره أية قافلة منها، علاوة على حوالى 15 ألف جنيه سنوياً مقابل إشراف على امتحانات مدارس التمريض.

ويحصل أيضاً على بدل حضور اجتماعات مجلس أمناء جهازى 6 أكتوبر والشيخ زايد، وبدل حضور اجتماعات المجلس التنفيذى لمحافظة الجيزة.

وما يثير الدهشة، أنه عندما قال مفتش مالى وإدارى بمديرية الصحة بالجيزة، واسمه إسماعيل أحمد عبدالرحمن، إن ما يحصل عليه مدير عام الصحة يخالف القانون واللوائح وقرارات وزير الصحة، كان الرد هو نقله من التفتيش المالى والإدارى إلى وحدة المخزون السلعى!

وتزداد الدهشة لما حدث بعد ذلك.. فعندما شكا «إسماعيل» إلى محافظ الجيزة كمال الدالى، تم تحويل الشكوى إلى الشئون القانونية بالمحافظة، التى أجرت تحقيقاً موسعاً وفى النهاية أصدرت قرارها بإعادة «إسماعيل» إلى عمله الأول بإدارة التفتيش المالى والإدارى، وبالفعل أصدر محافظ الجيزة قراراً بهذا المعنى فى 21 مارس الجارى.. القرار يحمل رقم 3669 لسنة 2016.. والمفاجأة أن قرار المحافظ نفسه تم تجميده فى مديرية الصحة بالجيزة!.. وتم نقل «إسماعيل» إلى التموين الطبى.

ومن الجيزة إلى جاردن سيتى أشهر أحياء القاهرة حيث مقر الشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق، الشهيرة باسم «إيجوث».. الشركة خسرت فى الميزانية الأخيرة 150 مليون جنيه، وباعت للشركة القابضة للسياحة جزءاً من أراضيها لكى تغطى هذه الخسائر.

هذه الشركة تستعين بـ10 مستشارين فى مجالات غريبة، ويحصلون على رواتب شهريه تزيد على 100 ألف جنيه.. أغرب ما فى حكاية مستشارى الشركة، هو ما يتعلق بالمستشارين القانونيين.. فالشركة التى يوجد بها قطاع قانونى يضم 120 محامياً تستعين بـ3 مستشارين قانونيين منهم نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، الذى يحصل فى مقابل ذلك على 22 ألف جنيه شهرياً، وتستعين الشركة أيضاً بمستشار قانونى آخر وهو المحامى يحيى الدميرى الذى يحصل على 5 آلاف جنيه شهرياً خالصة الضرائب، بخلاف المكافآت والحوافز والبدلات التى يحددها له رئيس مجلس الإدارة.

والطريف أن قرار الاستعانة بـ«الدميرى» مستشاراً بالشركة برر التعاقد معه بتكليفه بمتابعة قضية قصر جليم التابع للشركة بالإسكندرية، ومبعث الطرافة أن الشركة خسرت تلك القضية رغم الاستعانة بمستشار خاص لهذه القضية!

قائمة مستشارى الشركة تضم أيضاً مستشارين مخازن ومستشار ترجمة..فتستعين بـ«محمود رشوان» (بكالوريوس تجارة 1979) كمستشار مخازن مقابل 5 آلاف جنيه شهرياً، وأيضاً رمضان مبروك (بكالوريوس تعاون 1986) مستشار مخازن، ويحصل على 6 آلاف جنيه شهرياً خالصة الضرائب.

رئيس مجلس إدارة إيجوث يستعين أيضاً بـ«أمانى فخرى» كمترجمة مقابل 7 آلاف جنيه شهرياً، و«ماجدة على حسين» كمستشارة تطوير التعليم بالمعاهد التعليمية التابعة للشركة مقابل 3500 جنيه شهرياً بخلاف المنح والحوافز والمكافآت والبدلات، والمهندس محمد على صقر (بكالوريوس هندسة 1978) كمستشار للأعمال الهندسية لفندق الفانتين بأسوان مقابل 6 آلاف جنيه شهرياً بخلاف مكافآت خاصة يحددها رئيس مجلس الإدارة، والمهندس محمد حجاج كمستشار لتطوير المطعم العائم أوبال والمرسى النهرى التابع له مقابل 3500 جنيه شهرياً بخلاف الحوافز والمكافآت والبدلات، والمحاسب محمود محمد رشوان (بكالوريوس تجارة 1979) مستشار ومشرف على أعمال «تلطيط» وتسعير المهمات بمشروعات الشركة، مقابل 5 آلاف جنيه شهرياً خالصة الضرائب،

كما تعاقد رئيس إيجوث أيضاً مع الدكتور محمد على الشوكى (بكالوريوس طب وجراحة 1961) للكشف الطبى على العاملين بالشركة فى القاهرة مقابل 2750 جنيهاً شهرياً خالصة الضرائب، والدكتور ناصر إسماعيل حمودة (بكالوريوس طب عام 1969) للإشراف الطبى على العاملين التابعين للشركة وطلاب المعهد الفندقى فى الإسكندرية مقابل 1500 جنيه شهرياً والدكتور محمد حسن عمر (بكالوريوس طب 1983) للكشف على العاملين بالمعهد الفندقى بالأقصر مقابل 800 جنيه شهرياً!

لم تتوقف غرائب «إيجوث» عند قائمة المستشارين فقط، حيث رصد الجهاز المركزى للمحاسبات العديد من المخالفات المالية والإدارية من بينها إنفاق 26 مليون جنيه دون مستندات على تطوير فندق شبرد، والغريب أن الشركة لم تكن قد بدأت بالفعل تطوير فندق شبرد عندما رصد جهاز المحاسبات هذه المخالفة!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل