المحتوى الرئيسى

محمد ممدوح يكتب: ويليام ديمنج وأوبر والتاكسي الأبيض

04/07 10:48

بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزراها وكنتيجة لفشله في تسويق فكره بالولايات المُتحدة الأمريكية، سافر ويليام ديمنج مؤسس علم مُراقبة الجودة إلى اليابان، وهُناك بدأ يُحاضر عن العلم الذي ساهم كثيراً في تطوير الحياة الصناعية ورفع من جودة المُنتجات بشكل كبير، وأيضاً ساهم في خفض التكلفة الاقتصادية، وحينما سأله اليابانيون لماذا تقدمت الصناعة بهذا الشكل الكبير في إنجلترا والولايات المُتحدة، فأجاب “إن الإنجليز أعتبروا العميل هو سيد السوق وتعاملوا معه على هذا الأساس، بينما الأمريكان فقد جعلوه الملك وتعاملوا معه على هذا الأساس”، حينها أجابه الحاضرون بعد أن تفهموا مغزى عبارته: “أما نحنُ فالعميل سيكون إله السوق” أي أنهم سيبذلون كُل ما في وسعهم لإرضائه.

تعتمد فلسفة ديمنج على أربع كلمات “خطط – نفذ – دقق – اتخذ إجراء”، أو بالتفصيل قُم بالتخطيط للعمل جيداً، ثُم قُم بتنفيذ المُخطط، ثُم قُم بعملية مُراجعة وتدقيق قوية لما نفذته، واكتشف الأخطاء، وقُم بمعالجتها مرة أُخرى بصورة جذرية لتبدأ خُطة جديدة.

هذا الأمر هو ما يضمن لك وجود آلية التطوير المُستمر في عملك، وتذكر أنه من لا يتطور ينقرض.. هكذا كان الأمر في الطبيعة وهو بالمثل في الشركات الصناعية.. إن لم تتطور وتتوسع فأنت مصيرك هو الانقراض من السوق.

هل تُدرك أن الكلمة العامية لكلمة عميل “زبون” هي سُبة في قاموس المصريين -أو على الأقل- هي تعني أنه شخص يجب أن نستغل سذاجته واحتياجه للنصب عليه، وهو الأمر الذي لا يختلف كثيرا عن نظرة مُقدم الخدمة أياً كانت إلى العميل (الحلقة الأهم في حلقات السوق) هُنا في مصر فبينما يبحث الجميع في الخارج عن رضا العميل وراحته، يُبدع مُقدم الخدمة في مصر في ابتكار وسائل تعذيب وإذلال للعميل، واستغلال احتياجه للخدمة, لتسويق خدماته، ولا مانع من استغلال وسائل الترغيب والترهيب المُتعارف عليها.

وحتى مع انفتاح السوق والبُعد –صوريا- عن سياسة الاحتكار، إلا أن الحقيقة تؤكد أن هُناك إحتكارا مُستترا، فلا يوجد تنافس فعلي بين الشركات المُختلفة والكيانات الاستثمارية المُتعددة من أجل إرضاء العميل، بالعكس فيبدو أن هُناك اتفاقا مُستترا ضمنيا بينهم حول استغلال العميل واستزافه بكُل الوسائل المُتاحة, مثال على ذلك حاول أن توجد أية اختلافات جوهرية بين مُقدمة خدمات التليفون المحمول والإنترنت في مصر.

لا تبحث عزيزي، فصدقاً لن تجد أية فروق على الإطلاق.. كُلهم بنفس العروض.. بنفس تعريفة الأسعار.. بنفس سوء الخدمة، حتى إن ردود خدمة العُملاء لا تختلف كثيراً.

لذا لم اتعجب على الإطلاق من المواجهة الدامية بين أوبر وكريم من جهة، والتاكسي الأبيض من جهة أُخرى، فقواعد اللُعبة الآن تغيرت، الأمر الذي شكل خطرا كبيرا للغاية لمُقدمي خدمة التاكسي الأبيض، فعلى الجهة الأُخرى هُناك شركة مُحترفة تُدرك أهمية إرضاء العميل، وجاءت إلى المكان الأمثل لتحقيق هذا، فمُتابعة بسيطة لقصص أوبر مع العُملاء، والتي أغرقت مواقع التواصل الاجتماعي، تجعلك تُدرك -يقيناً- تعطُش العميل المصري لقليل من الاحترام والمُعاملة الجميلة.. من الأمانة، والأهم من شعوره بأنه لم يتم خِداعه.

صدقاً اقول لكُم إنه شعور سيء للغاية.. اتذكر أنني كُنت في رحلة عمل في إحدى البُلدان الأوربية، وكان رفيقي في السفر هو المُدير العام للشركة، لم يكُن مصري الجنسية، وكان ثريا بكُل ما تحمل الكلمة من معان، إلا أنه بينما نتسوق رفض أن اقوم بشراء سلعة بسعر اعتقد كان 20 يورو، قائلاً إن هُناك من يبيع نفس السلعة بنفس المواصفات بسعر أقل وهو 18 يورو، الأمر لا علاقة له بالقُدرة المالية.. هو شعور إنساني بحت.. مادامت نفس الخدمة ونفس السلعة.. لماذا ادفع أكثر؟

أوبر أصبح يتطور ومُنافسه الآخر أيضاً أصبح يتطور، ولكن على الجهة الأُخرى كان هُناك مُنافس لا يدري أصلا ما هو معنى كلمة التطور.. لا يدري أصلا أن هناك شيئا أسمه عميل وله حقوق يجب أن يحصل عليها.. هو يرى كُل راكب معه على أنه مُجرد حفنة من الجُنيهات رزقه بها الله دون أن يتعب أو يجتهد أو يسعى من أجلها.. هو يرى أنه حق أصيل له أن يذهب إلى الأماكن التي يُريدها هو، لا تلك التي يُريدها العميل.. هو يعتقد أن سيارته ملكه، وأنها تُماثل غُرفة نومه، فمن حقه مُمارسة ما شاء من أشياء قد تؤذي العميل أو “الزبون”، كما يقولون! لذا تحول الصراع بينه وبين المُنافسين إلى مرحلة الضرب تحت الحزام، أو إذن فهي الحرب نخوضها من أجل استعادة زبوننا، ولكن دعنا نجلس قليلاً وننتظر انتهاء المعركة بهدوء، وتذكر عزيزي التاكسي الأبيض.. ستنقرض لأنك لم تتطور.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل