المحتوى الرئيسى

لبنان أجمل بلاد العرب وملاذ اللاجئين .. فلماذا يهرب منها أهلها ؟

04/07 02:35

ربما يلجأ السوريون إلى هذه الدولة الصغيرة التي يعتبرها الكثيرون أجمل بلاد العرب، ولكن الفساد والبطالة والفقر يدفع شبابها ذاته للفرار منها.

نظر محمد صفوان من نافذة المنزل الذي ترعرع به في الضواحي الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت إلى البحر المتوسط، الذي لقي به والده ووالدته وشقيقاته الثلاثة وشقيقة زوجته حتفهم منذ أسبوعين، حيث تجمدت الأخيرة حتى الموت في البحر قبل أن تضع مولودها بشهر واحد.

وتساءل صفوان قائلاً "هذه مشيئة الله. ماذا سنكسب إذا ظللنا نبكي؟ ولكني أكره البحر الآن".

ومع ذلك، لا يشاركه الجميع كراهية البحر. ففي طرابلس، العاصمة الشمالية للبنان، ابتسم مطرب محلي بحي المينا بينما كان يستمع إلى رسالة صوتية على تطبيق "الواتس آب" من حفيدته البالغة من العمر أربع سنوات، والتي وصلت صباحاً إلى إحدى الجزر اليونانية.

وكانت الطفلة تقول بكل سعادة "أفتقدك يا جدي! لقد غمرتني المياه وتقيأت! دخلت المياه إلى القارب". ويمكن سماع صوت والدها في الخلفية وهو يقول "ودعي جدك يا حبيبتي".

هذه عائلات لبنانية وليست سورية، ولكنها تواجه أعالي البحار حالياً بالآلاف في ظل ظاهرة يتوقع المسؤولون المحليون أنها ستتزايد خلال هذا العام، وفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الأربعاء 6 أبريل/نيسان 2016.

وبعد 15 عاماً من انقضاء الحرب الأهلية في لبنان والهجرة الجماعية التي نجمت عنها إلى الغرب وأميركا اللاتينية وأفريقيا، يعاود الشباب اللبناني الفرار مرة أخرى. وتتصاعد حدة هذه الحركة جراء الفساد المتفشي والضعف السياسي وتزايد معدلات البطالة وانعدام المساواة والفقر.

أدى الاستقرار الزائف إلى تجنب هذه الدولة الصغيرة ذات الـ18 طائفة ثورات دمرت بلداناً أخرى في الشرق الأوسط وأعادت ترسيم حدود المنطقة.

وقال سائق من طرابلس، سافر ابنه إلى اليونان بحراً ووصل في النهاية إلى السويد بعد رحلة استغرقت أسبوعين "يسرني للغاية وجود ابني بأوروبا. ربما يستطيع استقدامنا إذا حصل على الجنسية. ما الذي نبقى عليه هنا؟ وهناك الكثير من الروايات المماثلة. لا أحد يريد البقاء في لبنان. الحياة تعيسة هنا".

وحددت المقابلات مع الأقارب ووكلاء السفريات والمسؤولين المحليين المسارات التي يسلكها المهاجرون اللبنانيون للوصول إلى أوروبا – وأسباب قيامهم بتلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر في المقام الأول.

وليس واضحاً ما إذا كانوا سيتأثرون بالاتفاق الأخير الموقع بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشأن إعادة اللاجئين الذين فروا من الحرب في سوريا.

وكان قد تم إجراء تلك المقابلات قبيل توقيع الاتفاق.

ويميل معظم اللبنانيين إلى السفر إلى تركيا بحراً أو جواً بالطرق القانونية عن طريق طرابلس أو بيروت، حيث لا يتطلب الأمر الحصول على أي تأشيرة. ويتفق هؤلاء بعد ذلك مع المهربين المحليين في موانئ مثل إزمير، ويسددون في بعض الأحيان ثمن الحصول على جواز سفر سوري، ثم يدفعون 1000-2000 دولار لركوب قوارب صغيرة تقلهم إلى أقرب الجزر اليونانية، ثم يقفزون في المياه على مقربة من الجزيرة ويسبحون إلى الشاطئ.

ويشق المهاجرون بعد ذلك طريقهم إلى أثينا ثم ألمانيا أو السويد على امتداد مسارات ثابتة للاجئين، غالباً ما تكون على متن القطارات أو سيراً على الأقدام. وكثيراً ما يحاول الفلسطينيون من كل من سوريا ولبنان سلوك طريق مباشر من طرابلس إلى أوروبا، نظراً لأنهم يواجهون متاعب أكبر في الحصول على تأشيرات دخول تركيا، وغالباً ما تعتقلهم السلطات المحلية، رغم أن المسؤولين الفلسطينيين هنا يذكرون أن هناك آلاف قد لقوا حتفهم بالبحر.

وتعد حقيقة فرار العديدين من دولة تجنبت إلى حد كبير التفكك المؤلم الذي أصاب بعض بلدان الإقليم بمثابة إدانة للنخبة السياسية في لبنان التي ارتكبت معدلات مأساوية في الإخفاق.

تعاني الدولة عدم وجود رئيس منذ شهر مايو/آيار من عام ٢٠١٤، حيث أخفقت الفصائل المتنافسة الموالية للقوى الإقليمية لإيران والمملكة العربية السعودية في الاتفاق على مرشح يحظى بالإجماع، وهو أحد أعراض ما يعتبره البعض حرباً باردة إقليمية.

وقد قام البرلمان بتمديد فترة بقائه مرتين، حيث امتنع عن إجراء انتخابات وسط الفراغ السياسي خلال اختبار فعلي لمزاعم الديمقراطية في لبنان.

كان قائد تيار المستقبل السني الموالية للسعودية يخضع للمنفى الاختياري لأسباب أمنية إلا أنه عاد للبلاد مطلع عام ٢٠١٦ تزامنا مع وقف السعوديةً لمساعداتها للجيش اللبناني وتفاقم الأزمة بين الخليج وحزب الله وتدهور وضع مؤسسات الحريري المالية في السعودية .

بينما يتولى حزب الله الموالي إيران وضع سياسة الدفاع والسياسة الخارجية للبنان، بعد التدخل في المستنقع السوري إلى جانب الرئيس بشار الأسد وإنقاذ نظامه من الانهيار وتمديد فترة الحرب الباردة.

ووسط هذا الفراغ، أخفقت الحكومة في التعامل مع القضايا الرئيسية، مثل أزمة اللاجئين السوريين ، إذ لا يوجد مخيمات للسوريين النازحين وهم يمثلون حالياً خمس تعداد سكان لبنان، بما يؤدي إلى وصول تعداد سكان الدولة إلى المعدلات المتوقعة لها سابقاً بحلول عام 2050. وقد أخفقت السلطات أيضاً على مدار شهور في جمع القمامة وسط نزاع بشأن مقالب القمامة والنفايات الجديدة.

وقال عبد الله البكا، المختار أو العمدة المحلي في طرابلس، "الأسباب واضحة، وهي البطالة والفقر اللذين شجعا الناس على الهجرة عبر طريق الموت.

ولكن من سألناهم يقولون لنا أنهم قد يموتون هناك أيضاً"، مشيرا إلى أن ألفي شخص في منطقته وحدها قد رحلوا فيما بين شهري أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول 2015 .

وأضاف قائلاً "إنه تقصير في أداء الواجب من قبل الدولة والقادة السياسيون لا يوفرون للناس ما يكفيهم لأنهم يريدونهم أن يظلوا خدما يتسولون على أعتاب ديارهم. هذه هي لبنان. لن يخدم السياسيون مطلقا هؤلاء الذين من المفترض أنهم يمثلونهم".

وتعتبر طرابلس التي توصف بعاصمة الشمال اللبناني الأكثر تضرراً – حيث أهملتها الدولة لفترة طويلة حتى أصبحت المناطق الواقعة شمالي لبنان تعاني من الفقر المدقع، إضافة إلى انهيار البنية التحتية وموجات العنف المرتبطة بالحرب السورية.

ورغم المآسي الناجمة عن حالات الوفاة بالبحر، وخاصة أنباء وفاة عائلة صفوان، لا يزال هناك العديدون يسعون وراء القيام بتلك الرحلة.

وقال مدير أحد شركات السياحة المحلية في طرابلس "لدينا الكثير من المطالبات. إنهم يقدمون لنا أي مبالغ لديهم ويطلبون منا السماح لهم بمغادرة البلاد فقط".

وذكر وكيل السفريات أنه في أواخر الصيف وأوئل الخريف كانت القوارب تحمل 400 مسافر من السوريين واللبنانيين على مدار ستة أيام أسبوعياً من ميناء طرابلس. وقد انخفضت تلك الأعداد إلى ثلاثة أيام أسبوعياً مع بدء فصل الشتاء، ولكنه يتوقع تزايدها مرة أخرى خلال الربيع، قائلا "لا أحد يعود".

البكا، العمدة المحلي الذي يرى أن معدل البطالة بين شباب طرابلس يصل إلى 50%، قال"بحلول الربيع، سوف تتزايد الهجرة إلى حد كبير. ومع ذلك، فأنا نفسي أريد أن ألحق بهم في صحبة أسرتي، فالأمر أصبح لا يحتمل".

ومع ذلك، كان صفوان هو الوحيد الذي قرر عدم مواجهة البحر؛ وقال أثناء جلوسه بجوار النافذة المطلة على المياه "ما هو رد فعلك حينما تخسر عائلتك بالكامل خلال لحظة واحدة؟ لقد وُلدنا وترعرعنا هنا ولكنهم رحلوا وماتوا بالبحر. فالمنزل أصبح خاوياً".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل