المحتوى الرئيسى

محمود منصور يكتب: الهيمنة الرأسمالية من نظرية الفوضى إلى إدارة الفوضى | ساسة بوست

04/06 11:23

منذ 1 دقيقة، 6 أبريل,2016

لقد كانت الدول الرأسمالية تنعم بنظرة تملأها التفاؤل بالمستقبل وأصبحت تتغنى بمصطلحات اقتصاد الهيمنة والسيطرة وعن هندسة الطقس والتخطيط المركزي، لقد كانت الدول الرأسمالية تتحدث عن الكون بمنظور نيوتيني أو ميكانيكي وأن العالم يستطاع التوقع وبالتالي التحكم فيه، وهذا ما عبر عنه تلاميذ نيوتن العالم الرياضي الفرنسي بيير سيمون لابلاس أن العالم أصبح «سلسلة معتقدات عن كل شيء معتقد شبه ديني أنه من الممكن فهم العالم كآلة»، هذا الذي عاشت عليه الدول الرأسمالية لفترات طويلة لتكتشف بعدها أن العالم يصعب توقعه وأن النظريات الاقتصادية كانت ضربًا من الخيال وخاصة بعد كم الأزمات الاقتصادية التي حدثت في القرن العشرين وكذلك الكوراث الطبيعية، عندها أيقنت الدول الرأسمالية تخليها عن النظرة النيوتنية ليحل مكانها مصطلح الفوضى وعدم الاستقرار نقاط التحول وتأثير الفراشة.

أما على الجانب العسكري فقد تمتع هذا المصطلح (نظرية الفوضى) بالسيطرة في ساحات المعارك على مستوى العالم بعد انتشار مفاهيم أساليب حرب العصابات التي تعتبر «فوضوية» مقارنة بأساليب الحرب «النظامية» التقليدية، وأثبتت تلك الأساليب قدرتها على الاستمرار والصمود أمام أعتى الآلات العسكرية الحديثة، قال جيمس غليك في كتاب نظرية الفوضى عن مصطلح (تأثير جناح الفراشة): «الذي راج أولاً في أوساط خبراء الطقس عبر جملة – طارت شهرتاها لاحقًا – إن رفة جناح فراشة فوق بيجينغ تستطيع أن تغير نظام العواصف فوق نيويورك»(1).

إلى هذا الحد وصلت نظرة الدول الرأسمالية من النقيض إلى النقيض فهل تكتفي الهيمنة عند هذا لحد؟ لقد ظلت الدول الرأسمالية تبحث عن سبل السيطرة على العالم من خلال نظريات جديدة تضمن هيمنتها على العالم وخاصة الدول النامية، وكان من أشكال هذه الهيمنة ظهور مصطلح ندرة الموارد أو قابليتها للنضوب، واقترن المصطلح بأدبيات التنمية المستدامة وبعض التصورات التي أكدها مالتوس في كتابه مقال عند مبدأ السكان.

إن مصطلح الندرة ما هو إلا صورة من صور الهيمنة الرأسمالية أو إن شئت فقل هو صناعة الجوع وتصديره إلى دول العالم الثالث.

يقول فرنسيس مور لابيه في كتاب صناعة الجوع وخرافة الندرة، عن المجاعات التي تحدث في التاريخ:

«يسوق الكثيرون الحجة القائلة أنه كانت هناك مجاعات دورية ترتبط بكوارث الطقس التي لا تستطيع التحكم فيها بالتأكيد، لكن المجاعات تحدث لتصرفات البشر كما قال مؤرخ فرنسي فإن المجاعات وفترات شح الغذاء الفرنسية الكبرى في العصور الوسطى خلال فترات لم تكن فيها المواد الغذائية شحيحة بل كانت في الحقيقة تنتج بكميات كبيرة وتصدر، وكان النظام والبنية الاجتماعيَين مسؤولين بدرجة كبيرة عن هذا النقص»(2).

فلجوء الدول الرأسمالية إلى مصطلح الندرة هو صورة من صور السيطرة، فعندما نرى موقف الولايات المتحدة الأمريكية من البترول في الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثانية ازدادت المخاوف الأمريكية من نضوب الاحتياطي القومي الأمريكي وذلك بسبب الزيادة المستمرة من الإنتاج والاستهلاك، وعلى الجانب الآخر كانت التقديرات الأمريكية تشير إلى أن احتياطي النفط بمنطقة الخليج يزيد على أكثر من نصف الثروة البترولية في العالم، الأمر الذي يهدد الهيمنة الرأسمالية، لقد أكدت أحد تقارير الميزانية الأمريكية بالكونجرس عام 1962 والذي جاء فيه «إن حرمان الولايات المتحدة الأمريكية من بترول السعودية وحدها لمدة عام سيترتب عليه انخفاض إجمالي بالناتج القومي الأمريكي بمقدار 272 مليون دولار وارتفاع نسبة البطالة الأمريكية بنسبة 2% فضلاً عن ارتفاع التضخم»(3)،.

ويعكس هذا مدى أهمية السعودية لأمريكا وغيرها من أقطار الخليج.

لقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الرأسمالية استنزاف ثروات الخليج والاحتفاظ بالاحتياطات الخاصة بها في صناعة البترول حتى قامت تلك الاقتصاديات على ثروات العرب سواء من النهب الاستعماري أو الاستنزاف الاقتصادي، وهذا أيضًا ما أكد ذهاب تلك الخرافة التي صدعت بها رؤوس الدول النامية ألا وهي الندرة فدول الخليج من عشرات السنين مازالت تنتج البترول وتبحث عن مناطق جديدة لإخراجه، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تنضب تلك الموارد؟

لقد اتخذت الدول الرأسمالية مناحٍ أخرى من أجل الهيمنة وهو التحول من نظرية الفوضى ومشتقاتها إلى إدارة الفوضى.

قبل الحديث عن إدارة الفوضى نلقي الضوء على تلك الاتفاقيات التي كان من شأنها تقليص القوة النسبية لدول الخليج في إنتاج البترول، اتفاقية باريس التي تم الاتفاق عليها بشأن التغيرات المناخية، فلم يكن الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند مبالغا عندما وصف اتفاقية باريس حول التغيرات المناخية التي تم التوصل إليها في 13 ديسمبر الماضي بأنها اتفاقية تاريخية، والفكرة الأساسية من اتفاقية باريس التي تعد الأولى من نوعها هي تحويل استخدام الطاقات اللازمة للصناعات ولحياة الإنسان اليومية من الطاقات المسماه بالأحفورية وتتكون أساسًا من البترول والفحم والغاز إلى طاقات طبيعية متجددة أهمها الشمس والماء والهواء، حيث إن الطاقات الأحفورية تؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون المتسبب في الاحتباس الحراري وبالتالي إلى سخونة كوكب الأرض. وتشكل الطاقات الأحفورية 80% من استخدامات الطاقة في عالمنا اليوم.

ولعل أهم نتائج اتفاقية باريس حول التغييرات المناخية هي أنها فتحت الباب على مصراعيه لعالم ما بعد البترول.

ثم كان التحول إلى إدارة الفوضى، لقد نشأ هذا المصطلح عام 2007 عندما خرج كتاب على الساحة قد اتخذ مؤلفه اسمًا مستعارًا بدأ يتكلم عن إدارة الفوضى أو إدارة التوحش تلك النظرية التي أسست للدول الرأسمالية هدفها المنشود في البلاد العربية حتى تثبت القواعد الجديدة لتلك الهيمنة.

فإدارة الفوضى أو إدارة التوحش أو إدارة الفوضى المتوحشة هي:

عبارة عن إدارة تمر بمراحل مختلفة: مرحلة النكاية والإنهاك ثم مرحلة إدارة الفوضى ثم مرحلة التمكن أو إقامة الدولة، يعني إذا حدث اضطراب في مجموعة من الدول واختلت كل الموازين المنوطة في الدولة من أمن ونظم وغيرها تأتي مرحلة إدارة الفوضى حتى تستفيد من هذا الاضطراب وتستطيع إدارته ثم تأتي مرحلة التمكين وإقامة الدولة (4).

هذا بالضبط ما يحدث في البلاد العربية من جراء المكائد والإنهاكات التي أحدثتها الدول الرأسمالية في العراق وما حولها حتى تحققت النظرية من إقامة الإرهاب في المنطقة ثم حث الدول العربية على محاربته ثم بعد ذلك فرض مزيد من الهيمنة.

وها هي السعودية التي أوضح التقرير المذكور آنفا بأنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة تدخل حرب الحوثيين مع حرب العصابات وذلك من أجل تأمين حدودها مع اليمن خوفًا من إحكام السيطرة الشيعية على المنطقة وبالتالي صرفت المملكة مليارات من الدولارات وتتوقع الحكومة السعودية أن تبلغ الإيرادات 513.8 مليار ريال (حوالي 137 مليار دولار)، مقابل نفقات تصل إلى 840 مليار ريال (حوالي 224 مليار دولار)، مما يعني عجزًا مقداره 326.2 مليار ريال.

Comments

عاجل