المحتوى الرئيسى

تعرف على طرق عمل الملاذات الضريبية

04/05 18:04

مناطق ومقاطعات وجُذر تَفرِض بعض الضرائب أو لا تفرض أي ضرائب على الإطلاق، أو هي دول تتمتع أنظمتها المصرفية بقوانين صارمة لتحافظ على سرية حسابات عملائها الأجانب فتساعدهم على التهرب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية، وتُنشط عمليات غسيل الأموال، وإخفاء الثروات والمستفيدين منها.

هكذا تسير الأمور في «الملاذات الضريبية» أو «السياحة الضريبية» أو يطلق عليها «الأوف شور - Offshore»، وقد استخدمها المنتفعين من هذا النظام كممر آمن للتستر على الأموال، بهدف حمايتها من الضرائب أو أية مستحقات أخرى، نظرًا لضمان سرية المودِعين، ولا تُخضع أموالهم لضرائب تُذكَر.

ويكون من السهل فيها إنشاء شركات وحسابات بنكية وهمية تساعد في التهرُّب من الضرائب والرقابة على التربُّح من الوظائف الرسمية أو العلاقات بالسياسيين والشخصيات الدولية، وتتواجد هذه الملاذات في أكثر من 80 بلد على مستوى العالمة.

كل هذه إغراءات تجعل الأفراد أو الشركات تحت ضغط الإغراء للانتقال إلى هذه المناطق التي تنخفض فيها معدلات الضرائب، بل أن الحكومات أنفسها تميل إلى أن تكون ملاذًا لأنواع مختلفة من الضرائب، كي يكون لها تنافسية ضرائبية.

وكلمة «off-shore» تُترجم في القواميس العربية «بَعِيدًا عنِ الشَّاطِئ»؛ وفي الترجمة الاقتصادية «مؤسّسة مالية خارجية»، واصطلاحًا يشير إلى «جزر قريبة من النفوذ الأوروبي»، مثل: جزر البهاما، وجرسي، والكايمان، التي كانت جزءًا من مستعمرات سابقة.

ورغم أنها تتمتع في غالبيتها باستقلال ظاهري عن البلد الأم؛ فإنها مرتبطة عن كثب بالعواصم المالية والسياسية الكبرى، والواقع يؤكد أن الملاذات ليست مقصورة على تلك الجزر، بل هي موجودة في قلب العواصم الكبرى، ولذلك يُستخدم تعبير «الأوف شور» للدلالة على تلك الملاذات الآمنة للأموال.

خلال العصور الوسطى، كانت بعض الجزر اليونانية تستخدم كمستودعات بحرية من قبل تجار لتجنب 2% من الضرائب التي تفرضها «أثينا» على السلع المستوردة، وفي عام 1721 كان تُجار في المستعمرات الأمريكية يحركون تجارتهم من أمريكا اللاتينية لتجنب الضرائب.

ومعظم الخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن أول ملاذ ضريبي حقيقي هو «سويسرا»، وتليها مباشرة «ليختنشتاين»، وخلال الجزء المبكر من القرن الـ20، كانت البنوك السويسرية منذ فترة طويلة ملاذا لرؤوس الأموال الهاربة من الاضطرابات الاجتماعية في روسيا، وألمانيا، وأمريكا الجنوبية ومناطق أخرى.

لكن في السنوات التي أعقبت مباشرة الحرب العالمية الأولى، فرضت العديد من الحكومات الأوروبية الضرائب للمساعدة في دفع الجهود المبذولة لإعادة الإعمار بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى، إلا أن سويسرا بعد أن بقيت على الحياد خلال الحرب العظمى، تجنبت هذه التكاليف الإضافية الخاصة بإصلاح البنية التحتية، بالإضافة إلى أنها سَنَّت عام 1934 قانون السرية الشهير، الذي جعل من انتهاك السرية المصرفية جريمة جنائية، وبالتالي كانت قادرة على الحفاظ على مستوى منخفض من الضرائب؛ ونتيجة لذلك كان هناك قدر كبير من تدفق الرساميل إلى البلاد لأسباب تتعلق الضرائب.

هناك ملاذات ضريبية كانت تشتهر بالازدهار، إلا أنها باءت بالشل بعد ذلك، حيث كانت تمتعت بيروت سابقًا بسمعة الملاذ الضريبي الوحيد في الشرق الأوسط، ومن ثم تعرضت هذه السمعة لضرب حادة بعد انهيار بنك «إنترا» 1966، وما تبع ذلك من تدهور سياسي وعسكري في لبنان، ودمر الاستقرار اللازم لنجاح الملاذ الضريبي.

«ليبيريا» أيضًا تمتعت بصناعة مزدهرة لتسجيل السفن، ويمثل هذا شهادة على نجاح أعمالها، لكن سلسلة من العنف الدموي والحروب الأهلية في عامي 1990 و2000 ألحقت أضرارًا بالغة فيها.

استخدمت مناطق الملاذ الضريبي أساليب عديدة للتحايل على القانون من أجل الحفاظ على مصالح عملائها من جميع دول العالم واستطاعوا من خلالها التلاعب الزائف بمسار التعاملات الورقية للأموال عبر الحدود، وتتراوح الخدمات بين ما هو مشروع قانونيًّا وما هو محظور، مثل: «تجنب الضرائب، والإيداعات الزائفة، والتلاعبات غير القانونية في الفواتير»، وكل هذا تحت مسميات خادعة مثل «الحلول الضريبية، وحماية الأصول، وهيكلة الشركات».

ويُشير إلى المسار المحاسبي الأكثر التفافًا، حيث «الموز» يُزرع في «هندوراس» التي تضم أشهر مزارع الموز، لحساب شركات متعددة الجنسيات بالولايات المتحدة الأمريكية، ويباع أغلب إنتاجها في بريطانيا، وهذا هو المسار الطبيعي.

أما باستخدام أسلوب الملاذات الضريبية، فإن إدارة «شركة الموز» ستكون في جزر «الكايمان»، وتقدم الخدمات المالية للشركة من «لوكسمبورج»، بينما الاسم التجاري للشركة يتم تغييره بسجل تجاري في «أيرلندا»، بينما فرع الشحن للشركة في جزر «الآيل أوف مان»، ويكون الخبراء الإداريون في ولاية «جيرسي» الأمريكية، والذراع التأميني في جزر «برمودا».

وبهذا المسار الأكثر التفافًا تُصبح الالتزامات المالية بالغة الانخفاض، وتختفي فاتورة ضرائب ضخمة، ويُنقل رأس المال إلى «الأوف شور».

ويسمى أيضًا الأسلوب «السري الدائري»، ويُشير هذا الأسلوب إلى عملية التقطيع إلى شرائح، ما يزيد السرية والتعقيد في نقل واستثمار الأموال، ويوفر بالتالي أكبر حماية لها، ومثال على ذلك: تاجر ممنوعات لديه 10 ملايين دولار في حساب مصرفي في «بنما»، لكن الحساب ليس باسمه بل هو مودع باسم شركة ائتمانية أُنشئت في «جزر الباهاما»، أما الوكلاء فقد يكونون من سكان «جزر جويرنزي»، ويكون المستفيد من الائتمان في ولاية «يومينج» الأمريكية.

يصعب أمام هذه الخريطة المعقدة تحديد رأس المال الحقيقي، ولا ما يترتب عليه من التزامات، سواء ضريبية أو غيرها، وذلك بعد تغليف الأموال الحقيقية بغلاف قانوني ومحاسبي جديد، بل يمتد أيضًا إلى التلاعب في الأسعار والحصول على قروض وهمية.

بحسب المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، فإن شبكة العدالة الضريبية قدرت حجم الثروات النازحة إلى المناطق الـ80 بنحو 32 تريليون دولار، وبالتالي فالأموال المستحقة ضريبيًّا على تلك الثروة تُشكل ضعف المبلغ المطلوب للقضاء نهائيًّا على الفقر.

وأضاف المركز أن تقرير التجارة والتنمية لعام 2014، قدر إجمالي خسائر الدول النامية بسبب التهرب الضريبي والتدفقات المالية غير المشروعة خارج تلك البلدان، يتراوح بين 66 مليار دولار و84 مليار دولار سنويًّا، وذكر التقرير أن ما بين 8% و15% من صافي الثروة المالية للدول النامية يتم الاحتفاظ به في دول الملاذ الضريبي.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل