المحتوى الرئيسى

عبد الرحمن أوبيلاني يكتب: العلاقات البينية العربية وإشكالات التوافق | ساسة بوست

04/04 13:20

منذ 4 دقائق، 4 أبريل,2016

العالم العربي الضعيف والمغلوب على أمره، ليس مرده نقص في الموارد الطبيعية أو البشرية. بل، إلى ضعف التنسيق بين الدول المكونة له، حيث أدى عمل كل دولة في معزل عن الدول الأخرى بدعوى الانفتاح على الغرب إلى خلق اقتصادات متنافسة تسعى إلى إرضاء الغرب لاستقطاب ما يسمى «بالاستثمارات الخارجية» عوض أن تكون متكاملة فيما بينها وتستغل الفرص الاقتصادية المتبادلة. فدول الخليج تتوفر على المليارات من الدولارات، جزء منها تبخر خلال الأزمة الاقتصادية، الجزء الآخر ينتظر استعماله لتعويض العجز في الميزانيات العامة بسب ضعف إيرادات بيع النفط، لشراء السلم الاجتماعي وتمويل صفقات الأسلحة. لكن المؤسف أن بعض الدول أضحت لا تتوانى في استعمال ما لديها من مدخرات مالية لزعزعة استقرار دول شقيقة أخرى أو دعم جماعة أو طائفة على أخرى، إذكاءً للصراع الطائفي وسفكًا لدماء الأبرياء. بدل توجيهها إلى ما فيه نفع لشعوبها وللأمة جمعاء. وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي مؤخرًا في إحدى تصريحاته المثيرة للجدل حول التوازنات الجيوستراتيجية بالعالم.

فعلى سبيل المثال لا الحصر: اقتصاديًّا، المغرب العربي أو الكبير مثلًا، والذي ولد ميتًا، تتوفر فيه ليبيا التي يمكن أن تتحول إلى دولة فاشلة في حال فشل المصالحة، على البترول، الجزائر على الغاز، المغرب على الفلاحة والصيد البحري، موريتانيا على الحديد. تلك الثروات يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي وتكامل اقتصادي في مجموعة من القطاعات، للدول المعنية. كما أن السودان قبل انفصال الجنوب، كان يمكن أن يحقق الاكتفاء الذاتي للعالم العربي من القمح واللحوم. لكن، رغم توقيع العديد من الاتفاقيات لتسهيل التبادلات التجارية البينية، ومن أبرزها «اتفاقية المنطقة الكبرى للتبادل الحر». إلا أنه كما يقال: الواقع لا يرتفع. فحسب الأمين العام لمنظمة التعاون الخليجي فإن نسبة المبادلات البنية العربية لا تتجاوز 10%. أما الموارد البشرية فدول شمال إفريقيا من مصر وحتى موريتانيا بالإضافة إلى الأردن وبلاد الشام، تتوفر على خزان مهم من الموارد البشرية المؤهلة التي يمكن أن تغطي عجز اليد العاملة في منطقة الخليج. إلا أن سمعة هذه المنطقة في هذا المجال لا تبعث على الارتياح، خاصة في ما يتعلق «بنظام الكفيل». لدرجة أن الكثير من الشباب يفضلون المغامرة بركوب البحر للوصول إلى نعيم أوروبا على التوجه نحو الجزيرة العربية.

في الآونة الأخيرة استفاق الحكام العرب ليس لنصرة الأمة والبحث عن حلول ناجعة لمشاكلها المتجذرة التي أصبحت تزكم النفوس، بل، وتهدد استقرار المنطقة ككل: كالبطالة وضعف هامش المناورة لدى الشباب لتحسين ظروف عيشهم. ولكن، لإنشاء تحالف إسلامي لمساعدة الدول الأعضاء، بطلب منها في محاربة ما يسمى بالإرهاب، دون أن يتفقوا حتى على تحديد تعريف محدد له.

فحسب مركز الجزيرة للدراسات فإن التحالف سيضم 39 دولة إسلامية، ويتجاوز عديد جيوش تلك الدول أربعة ملايين جندي، وهدفه الأساس هو محاربة الإرهاب، وعلى غالبية هذه الدول المشاركة بقدرات عسكرية مختصة في مكافحة الإرهاب. لكن الواضح أن تأثير هذه القوات على الأرض جد محدود، خاصةً وأنهم لم يتمكنوا من حسم الصراع في اليمن عسكريًّا لصالحهم، فأمن السعوديين ما زال مهددًا بالصواريخ الباليستية للحوثيين وأتباع الرئيس المخلوع. ما ينذر بالدخول في حرب استنزاف ستؤثر مستقبلًا في تماسك التحالف، خاصةً إذا فتحت الجبهة السورية هي أيضًا، حيت توجد بوادر التدخل بعد الأخبار التي راجت حول إرسال السعودية للعديد من طائراتها إلى إحدى القواعد التركية القريبة من سوريا. مما سيرجح كافة البحث عن الحلول الدبلوماسية البديلة مستقبلًا بسبب التكلفة الضخمة وانخفاض أسعار النفط، رغم غياب أرقام دقيقة عن التكلفة الحقيقة لهذه الحرب، التي تتحمل السعودية الجزء الأكبر منها على اعتبار أنها قائدة التحالف.

سياسيًّا، نظرًا لضعف الثقافة السياسية لدى مواطني الكثير من البلدان العربية بسب القمع والترهيب من كل ما هو سياسي طوال سنوات، أدت الثورات إلى ظهور مجتمع مدني فاقد للبوصلة، وزعامات كرتونية بعضها ظهر فجأة من الداخل، والبعض الآخر، جاء من الخارج بعد معارضة صورية لعقود، من نعيم الغرب. فأصبحوا كلهم يبحثون عن أعلى المناصب حتى لو كانت على حساب أرواح الأبرياء، دون التنازل قيد أنملة عن الرئاسة وإخضاع الخصوم، مكرسين بذلك سياسة التشرذم والصراع.

كما أن الناظر للعالم العربي والصراعات البينية الموجودة بين دوله سيصل إلى نتيجة مفادها أن أغلبها لا علاقة بينها وبين التوجهات الإستراتيجية للدول، وإنما تصفيات حسابات بين العائلات الحاكمة لا أكثر ولا أقل. إذ يمكن أن يدفع شعب بأكمله ثمن خلاف عائلي بسيط بين عائلتين حاكمتين، وكأننا لسنا في دول تحكمها قوانين تعلو ولا يعلى عليها. مما يضع علامة استفهام حول جدوى تنصيب الحكام من عدمه في هذه المنطقة من العالم.

أمام هذا الغموض الذي يدبر به الشأن العام في العالم العربي، ذهبت ريح شعوبه فأصبح المواطنون غرباء في بلدانهم وقتلة وإرهابين، متهمين حتى تثبت براءتهم في باقي ربوع العالم، حتى وإن تعلق الأمر باللجوء الإنساني. مما يستدعي حشد الهمام ورص الصفوف لرد الاعتبار للأمة والدفاع عن مصالحها في إطار التوافق والوحدة، كباقي التكتلات الأخرى حول العالم.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل