المحتوى الرئيسى

القصور المهجورة لأصحاب المليارات في الهند

04/02 19:21

بينما تداعت غالبية القصور الموجودة في منطقة شيكاواتي الهندية، وبقيت خاوية على عروشها، تتواصل الجهود للإبقاء على كوة صغيرة، يمكن للمرء الإطلال من خلالها، على العالم الخاص بهذه القصور المزدانة بالألوان والرسوم.

في يوم ما؛ كانت منطقة شيكاواتي، تلك البقعة المنسية الواقعة في صحراء ثار القاحلة بولاية راجاستان الهندية، تشكل معقلا للترف السافر لمليارديرات هذا البلد. أما اليوم، فتتداعى الكثير من القصور الضخمة التي تخص هؤلاء، لتصبح جدارياتها الملونة التي تذوي شيئا فشيئا، بمثابة الآثار الوحيدة المتبقية، لمجد هذه المنطقة الآخذ في التلاشي.

وبفضل اللوحات التي تكسو كل بوصة تقريبا من هذه القصور المهيبة، أصبحت بلدات وقرى شيكاواتي موطنا لأكبر مجموعة من الرسوم الجدارية الرائعة، التي تحتشد في بقعة واحدة من العالم.

وقد قررت مقاطعتان في هذه المنطقة منع بيع تلك القصور، التي كانت يوما ما صروحا ضخمة، إلى أي شخص قد يلحق الضرر بمظهرها التاريخي والأثري، وذلك بهدف الحيلولة دون تداعيها بشكل أكبر. ويستهدف ذلك الحفاظ على هذه المباني التاريخية، وتحويل شيكاواتي إلى مقصد سياحي.

وقد نشأت شيكاواتي في أواخر القرن الخامس عشر على يد شيخ قبيلة ينتمي إلى طبقة من العسكريين الهندوس، ممن كانت لهم السطوة والسيطرة حينذاك في شمال الهند.

وكان هذا الرجل يُدعى راو شيكا، وقد سميت تلك المنطقة على اسمه، ونعمت بازدهار كبير في مطلع القرن التاسع عشر، وقلص المسؤولون عنها الضرائب، بهدف جذب التجار، وحولوا مسار تجارة القوافل بالكامل إليها، بدلا من أن تمر بالمراكز التجارية القريبة منها مثل مدينتيّ جايبور وبيكانير.

وهكذا انتقل التجار المنحدرون من عرقيتيّ مورواري وبانيا الشهيرتين بالعمل في التجارة في الهند، إلى شيكاواتي من البلدات المجاورة لها، وراكموا ثروات هائلة بفضل العمل في التجارة المزدهرة في الأفيون والقطن والتوابل.

وبحلول أواخر القرن التاسع عشر، بدأت المنازل المتواضعة للتجار تفسح المجال للقصور الكبيرة الضخمة.

البقعة التي امتزجت فيها الثروة بالتعبير الفني

وقد شهدت المراكز التجارية في راجاستان اضمحلالا مطردا في عشرينيات القرن التاسع عشر، عندما تحولت حركة التجارة من طرق القوافل، لتمضي عبر المسارات البحرية وفوق خطوط السكك الحديدية.

ومع ذلك، اقتفى التجار المغامرون من أبناء شيكاواتي أثر المال والثروة، لينتقلوا للعمل في مومباي وكالكوتا؛ وهما ميناءان ناشئان وقتذاك يقعان على الساحل الهندي. ومن هناك، أرسل هؤلاء التجار أموالا طائلة إلى ديارهم في شيكاواتي، ما مثّل بشارة ببدء حقبة فريدة من نوعها لتشييد قصور مزدانة بالرسوم والجداريات، شكلت استعراضا باذخا للثروة.

وتشابهت الطرز المعمارية، التي شُيدت غالبية قصور المنطقة على أساسها، إذ تألف كل منها عادة من مبانٍ من طابقين، واحتوى على ما بين باحتين إلى أربع باحات مفتوحة، تتراص على شكل كتلة مستطيلة. وكانت كل باحة والغرف المماثلة لها، تُخصص لغرض بعينه. فالباحة الأولى التي تقابل المرء فور دخوله من الباب، تُخصص للرجال ومعاملاتهم التجارية، بينما تكون الباحة الثانية من نصيب النساء.

أما الباحتان الآخريان؛ فإحداهما للطهي والأخرى عبارة عن حظيرة للحيوانات. ولم يدخر التجار من أصحاب تلك الصروح جهدا في منح قصورهم مظهرا مميزا، من خلال المداخل الخشبية المزدانة بالنقوش وأعمال النحت، بجانب الاستعانة بالمرايا الفخمة التي تُوضع هنا وهناك. أما الملمح الفارق أكثر من غيره، فقد تمثل في تلك اللوحات المبهرجة والمفعمة بروح المباهاة، التي تُصور مشاهد الحياة اليومية والأساطير المتداولة في المنطقة.

وبوحي من الجداريات المصنوعة من أكسيد الرصاص، التي وُضعت في "قلعة أمر" بجايبور في القرن السابع عشر، بأمر من ملوك هذه المنطقة المنتمين لطبقة العسكريين المسيطرة في شمال الهند، أمر تجار شيكاواتي برسم لوحات معقدة في تصميماتها وحافلة بالتفاصيل، ووضعها على كل بوصة من جدران قصورهم؛ بما في ذلك الواجهات الخارجية والحوائط الداخلية والأسقف، وحتى على المساحات الواقعة تحت الأقواس والمزاريب.

ولفترة طويلة خلال القرن التاسع عشر؛ كانت الزخارف الأكثر شيوعا على تلك الجداريات، تتمثل في مشاهد من ملحمتيّ "مهاباراتا" و"رامايانا" الهندوسيتين القديمتين، بجانب التصميمات والأنماط الزخرفية الحافلة بالورود والأزهار.

وفي بادئ الأمر؛ كان الرسامون يُستقدمون من مدينة جايبور، ولكن بعد ملاحظة تنامي الاهتمام بتلك الجداريات، بدأ العاملون في صناعة الفخار بشيكاواتي تعلم هذه الحرفة، ما أدى إلى ابتكار أنماط متميزة ومستقلة تزايدت أعدادها وانتشرت في القرى المختلفة بالمنطقة. ولم يتضح بعد تماما، ما إذا كان هؤلاء الفنانون قد اختاروا تصميماتهم بكامل حريتهم، أو أنهم كانوا يتبعون توجيهات محددة فيما يتعلق باختيار هذه التصميمات أو المشاهد الأسطورية التي جسدوها في أعمالهم.

وقبل حلول منتصف القرن التاسع عشر، كانت الأصباغ التقليدية المُعدة باستخدام المعادن والخضروات، تهيمن على الألوان المستخدمة في الجداريات التي تكسو جدران قصور شيكاواتي، وهي أصباغ كانت تركز على ألوان مثل: الأحمر والكستنائي، والنيلي، وأزرق اللازورد والأزرق النحاسي بجانب الأصفر الفاقع الذي يُفترض أنه أُعِد من بول الأبقار.

واعتبارا من ستينيات القرن التاسع عشر، بدأ استخدام الأصباغ الاصطناعية، التي كانت أقل تكلفة، ووفرت لمستخدميها مجموعة واسعة من الألوان الجديدة.

المزج ما بين الأساطير والحياة المعاصرة

وبحلول أوائل القرن العشرين، بدأت التأثيرات الأوروبية والمكتشفات الحديثة تُصوّر على جداريات قصور شيكاواتي، وذلك استلهاما لذكريات التجار كثيري الأسفار بشأن ما رأوه في المدن الكبرى التي زاروها. وفي بعض الحالات النادرة، كان الرسامون يُوفدون للتجوال في البلدان الأخرى في العالم، لاستلهام ما سيرونه هناك في رسومهم.

ومن بين أنماط الرسم التي بات ظهورها أمرا معتادا في مثل هذه الجداريات، الملكة إليزابيث، ويسوع المسيح، و"الكاروبيم" وهي جوقة من الملائكة مذكورة في الكتاب المقدس. كما ضمت هذه الأنماط؛ القاطرات البخارية وأجهزة الحاكي (الفونوغراف)، بجانب أشكال وتصورات ذات طابع أحمق قليلا، مزجت ما بين الأساطير والمخترعات الحديثة، مثل التكوين الموجود أعلاه، والذي يُظهر إلهيّن هندوسييّن يستقلان سيارة يقودها سائق.

وظلت قصور شيكاواتي وجدارياتها في حالة ازدهار حتى أوائل القرن العشرين، إلى أن غادر كبار رجال الأعمال الأثرياء هذه المنطقة الصحراوية المقفرة بحثا عن فرص أفضل في المدن الكبيرة الغاصة بالسكان مثل مومباي وكالكوتا، بل وسافر هؤلاء إلى خارج الهند. وعندما انتقلت حركة التجارة من شيكاواتي إلى أماكن أخرى، تباطأت وتيرة التغيرات التي تشهدها أراضيها القاحلة، وهُجرت قصورها إلى الأبد.

وينحدر عدد من أبرز رجال الأعمال، الموجودين حاليا على الساحة الاقتصادية سواء في الهند أو العالم، من قرى شيكاواتي. ومن بين هؤلاء؛ قطب صناعة الصلب لاكشمي ميتال، وكومار بيرلا من مجموعة "أديتيا بيرلا"، وملياردير الصناعات الدوائية إيجي بيرامال، إلى جانب الملياردير الوحيد في نيبال بينود كى تشودري. وفي واقع الأمر، شكلت شيكاواتي مسقط رأسٍ لنحو 25 في المئة من بين أكثر مئة شخص ثراءً في الهند، وفقا لمجلة فوربس.

وبحلول خمسينيات القرن الماضي، أخذت المدن المزدهرة - التي خرج منها ونشأ فيها يوما ما هؤلاء المليارديرات – تتردي في هاوية اليأس والقنوط بشكل مطرد.

من جهة أخرى، ليس من اليسير بيع أو تجديد وترميم تلك المنازل الريفية الفسيحة، المؤلفة من طابق واحد أو طابقين والمعروفة باسم "بانغالو"، والتي كان بوسع البعض منها استيعاب ما يصل إلى 50 أسرة في وقت واحد.

وبجانب ارتفاع تكاليف صيانة هذه المباني، فإن العديد منها محل نزاعات قانونية، بالنظر إلى أنها تكون عادة مملوكة لورثة متعددين يتقاسمونها فيما بينهم. وفي ضوء كون هذه القصور ملكية خاصة، فإن ذلك يجعل يد الحكومة مغلولة بشكل كبير في التدخل للحفاظ عليها.

ولحسن الحظ، فإن الجمال والأهمية الثقافية اللتين تكتسي بهما هذه القصور المزدانة بالجداريات والألوان، لم تضع تماما. ففي عام 1999، اشترت رسامة فرنسية تُدعى نادين لو برينس قصرا شُيّد عام 1802 ويحمل اسم "ناند لال ديفرا"، لتحوله إلى ما بات يُعرف الآن بـ"مركز نادين لو برينس الثقافي".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل