المحتوى الرئيسى

قرية «دادي»!

04/02 13:42

الأسبوع الماضي نشرت شقيقتي صورة لقرية أبي وأضافت إليها كلمات رثاء رقيقة لتنعيه! بصراحة، لم أعلق على الصورة حتى لا أفسد عليها تلك اللحظات وآثرت أن أصمت لأن ليس كل ما يُشعر به، فى بعض الأحيان، يجب أن يقال، وإن كانت الحقيقة! لا أريد أن أعترف لها بأن هذه الصورة لا تمس عن قريب أو بعيد البلدة التى عاش بها أبونا قبل أن يلتحق بالكلية الحربية، ولا هى القرية التى كنا نذهب إليها فى الأعياد والمواسم فى الصغر.

وبناءً عليه، أصبحت أرفض بشدة الذهاب إلى بلدة أبي عندما يطلب مني عمي أن أذهب معه. قلت له مؤخرًا، يا عمي العزيز، شعور الحنين إلى الماضى وشعور الشجن عند زيارة أماكن وأمسيات الماضى شيء جميل وعظيم بلا شك ولكني لا أشعر بشيء ولا ينتابني غير الإحساس بالغربة!

لم يعد أهل القرية هم أهل الماضى على الإطلاق، كأن الشعب تغير بكامله. فى الماضى، كانت تخرج سيدة كل بيت لتنظف أمامه. ثم بعد أذان المغرب، تفرش السيدات "الحصر" أمام المنزل حتى يجلس أزواجهن أمام المنازل وتبدأ الزيارات المتواصلة من الأهل والأصدقاء الذين يتصارعون على دعوة بعضهم البعض. وفى خلفية هذا المشهد، كانت الصبية تلعب وتمرح حتى تأتى "عربية الجيلاتى" التى تكون مصدر فرح مضاعف للصبية وسببا للهرولة مسرعين الى آبائهم للحصول على أموال. أما أنا شخصيا، فكنت أذهب الى أمي مباشرةً التى تعطيني ما أطلب، ولكن بعد أن تحاول جاهدةً أن تقنعنى بأن الجيلاتى ليس نظيفا وفى الأخير تقول لى "خد ولكن إياك أن تقول لى بعد أن نرجع القاهرة أنك بتقرف من حاجة"!

أما الآن، فيحدث العكس تماماً، تخرج ابنة نفس السيدة، التى كانت تسكن بجوار منزل جدى والتى كانت تنظف أمام بيتها، لترمي القمامة أمام بيتها وفى نفس المكان التى كان يجلس به أبوها وأجدادها. قد يبدو المشهد لا يستدعى الوقوف عنده كثيرُا، ولكن أستطيع أن أعتبره مشهدا دالا على الكثير مما وصلنا إليه من تغيير جذرى فى الثقافة المصرية. فالسيدة الأم تربت على تنظيف الشارع بما أنه يعتبر جزءا أصيلا من البيت، أما ابنتها فلم تعتبر أن الشارع جزء من المنزل يجب الاهتمام به ومراعاته! هل يستطيع أحد الآن أن يصف لى ما تشعر به هذه البنت تجاه الوطن إن لم تشعر بالانتماء إلى شارعها؟

أما على الصعيد الشخصى، فلن أتحدث كثيرا ما تغير فيَّ، فأصبحت "باقرف" أن أمر بجانب محل الجيلاتى الفخم فى مول القرية الذى تم إنشاؤه فى مدخل القرية! عن أى قرية تتحدثون معى يا عمى ويا أختاه! لن أذهب معك يا عمي وهذه ليست صورة القرية التى ترعرع بها "دادى".

شعور الغربة والحنين إلى الوطن يزداد يوما بعد يوم، ولكنه ليس شعورا فرديا إنه شعور جماعى، وبالذات لمن يعيشون داخل أرض الوطن، ولكن الكثير يخجل من أن يعترف به!

فى الختام، لن أجد أفضل من أغنية منير "إيه يا بلاد يا غريبة"، كلمات سيد حجاب حتى تلخص لنا الكثير عن معنى الغربة داخل الوطن!

إيه يا بلاد يا غريبة، عدوة ولا حبيبة، فى الليل تصحى عيونك، ونجومك مش قريبة،

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل