المحتوى الرئيسى

شباب «ميت الكرماء»: البحر أمامكم.. والفقر وراءكم

03/31 12:07

فرضت قرية «ميت الكرماء» مركز طلخا بالدقهلية نفسها على مر السنين لتجذب أنظار المصريين إليها، بحوادث جسام تجعلها حديث القريب والبعيد لسنوات، تغير اسمها إلى «ميت الغرقا» بعد أن تجمعت جثث الفرنسيين فى نهر النيل أمام القرية لأنه الأوسع والأعمق فى المنطقة التى تقع أمام القرية، بعد أن طارد أهالى المنصورة الجنود الفرنسيين فى حملة لويس التاسع سنة 1250 وغرق منهم الكثيرون وكانت جثثهم تتجمع فى هذه المنطقة لوجود «دوامات» بها فأطلقوا عليها «ميت الغرقا» وحفر اسمها فى التاريخ.

مرت السنوات، ولم يجد الزعيم والمجاهد عبدالله مصباح إبراهيم، الشهير بعبدالله النديم، الكاتب والخطيب والشاعر والصحفى، الذى شارك فى الثورة العرابية، وقاد حملات التمرد ضد الإنجليز، سوى قرية «ميت الغرقا» ليختبئ بها فى منزل الشيخ «القصبى» من علماء الأزهر الشريف، ومنها كان يكتب البيانات التى توزع بمعرفة شباب القرية والقرى الأخرى يلهب بها مشاعر المصريين، وظل «النديم» آمناً مطمئناً على نفسه وسط أهالى القرية حتى توفى الشيخ القصبى فانتقل «النديم» إلى محافظة الغربية، وهناك تم القبض عليه ونفيه خارج مصر.

الأهالى: عيالنا سافروا إسرائيل فى التسعينات.. ودلوقت بيهاجروا لإيطاليا

استقبلت القرية المهجرين من مدن القناة بعد حرب 1956 ثم نكسة 1967، ووجد المهجرون ترحيباً شديداً من أهلها، وعملوا بها واستقر بعضهم بها ولم يعودوا إلى ديارهم مرة أخرى، ووصل كرم وحفاوة أهالى القرية بإخوانهم المهجرين إلى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وصدر قرار جمهورى برقم 1547 لسنة 1970 بتغيير اسم القرية إلى «ميت الكرماء» إكراماً لأهلها.

حفرت القرية اسمها بين القرى الأكثر شهرة فى مصر بتاريخها الكبير، حتى جاءت فترة التسعينات من القرن الماضى، وبالتحديد سنة 1994 عندما فتحت إسرائيل حدودها مع مصر لجذب العمالة المصرية، فكانت أول مجموعة تصل إلى إسرائيل من قرية «ميت الكرماء» ووصل نحو 300 شاب، وتعاملت إسرائيل مع المصريين بشكل مميز، فى الأجر والترحيب، لتجذب أكبر عدد إليها ويحدث توافق شعبى، إلا أن السلطات الأمنية المصرية تعقبت المسافرين بالتحقيقات فتوقف السفر إليها، وبعضهم هاجر إلى إيطاليا ولم يستمر فى إسرائيل، «الوطن» تواصلت مع أحد الشباب الذين سافروا إلى تل أبيب فى فترة التسعينات، إلا أنه رفض الحديث عن تلك الفترة وأكد الأهالى أنه تعرض لضغوط أمنية شديدة بعد عودته من إسرائيل.

وقال أحمد عابد، أحد أهالى القرية، إن القرية تختلف عن أى قرية فى السفر خارج مصر، فأهلها منتشرون فى دول كثيرة، وتم تقسيمها إلى أحياء أو مناطق فهذه «منشية السعودية»، نسبة إلى الذين سافروا السعودية فترة الثمانينات وعمروا هذا المكان، ومنطقة أخرى على الطراز الإيطالى، مشيراً إلى أن شباب وأهالى القرية من محترفى السفر إلى هناك. وأضاف أن مدرسة «عبدالله النديم الابتدائية» لا تزال موجودة بالقرية، وتم تجديدها حديثاً وتحمل اسمه إلى اليوم، لافتاً إلى أن حكايات أهالى القرية لا تتوقف عن السفر وطرق التهريب، والهجرة غير الشرعية، حتى وصلت أعداد شباب القرية فى إيطاليا وحدها إلى 7 آلاف شاب، بحسب أهالى القرية.

خالد محيى وفا، من أبناء القرية، أكد أنه من أوائل من سافروا إلى إيطاليا، مشيراً إلى أنه سافر فى عام 1991، والأمور هناك تغيرت كثيراً عن ذى قبل حيث لم تعد فرص العمل متوافرة بسبب الصعوبات التى يواجهها الاقتصاد، وأضاف أن الشباب الصغير لا يبوح بحقيقة جنسيته إلا عندما يبدأ فى إجراءات «الإقامة»، ويظل مع الصليب الأحمر حتى عمر 18 سنة، وهناك ينتزع منهم هويتهم الثقافية والدينية، وشباب كثير غيّر ديانته، بالإضافة إلى الجمعيات التى توفر فرص عمل تحاول إقناع المقيمين بتغيير ديانتهم، مؤكداً أن الشباب تنقطع صلته بمصر، ولا يؤدون الخدمة العسكرية، لأنه لا يعود إلى مصر إلا بعد انقضاء فترة التجنيد.

وتابع: «عدت إلى مصر بعد أن مرضت، وأولادى جميعهم هناك لديهم إقامة دائمة، وأى شاب عليه أن يفكر ألف مرة قبل هذه الرحلة، هى رحلة موت، وربنا لم يأمرنا أن نلقى بأنفسنا للتهلكة، وللأسف الشاب عندما يصل إلى هناك يأخذ صوراً مع البوليس وصوراً مع البنات، ويلبس لبس كويس، وعندما يرفع هذه الصور على الفيس بوك يجعل شباب القرية يتجنن وعاوزين يقلدوه، خاصة من هم أقل من 18 سنة». وأشار إلى أن الحكومة الإيطالية تراعى حقوق الإنسان على أعلى مستوى، وحقوق الطفل، خاصة لمن هم أقل من 18 عاماً، والشاب الذى يسافر لا تستفيد منه مصر نهائياً، تتغير ثقافته وتعليمه، ويفقد الحماسة لبلده، ولذلك عندما تخرج مظاهرة للإخوان هناك يشاركون فيها، لأن صلتهم بوطنهم تنقطع نهائياً، وذكر أنه لا يخلو بيت فى قرية ميت الكرماء، إلا وأحد أفراده فى إيطاليا، معتقداً أن السفر إلى إيطاليا أصبح عملية ممنهجة لتفريغ مصر من شبابها الصغير حتى لا تستفيد منهم، مؤكداً وجود تمويل لعمليات الهجرة غير الشرعية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل