المحتوى الرئيسى

تقاليد الاستبداد المصري

03/30 18:26

تمكن الفكر الإنسانى على مر العصور من وضع قواعد وقوانين وخصائص شبه ثابتة لنظم الحكم، سواء كانت تلك القواعد نابعة من منظور أخلاقى أو غير أخلاقى، فطرح أفلاطون آليات وقواعد للوصول إلى مجتمع العدل والخير والجمال "المطلق" حيث وضع أفلاطون نماذج للدول القمعية التى تقضى على العدل والخير ومنها الدولة التيموقراطية (التى يسود فيها الظلم والعنف)، الدولة الأوليغارخية (حيث الطمع الدائم واشتهاء الثروات المادية)، ودولة الاستبداد، حيث يكون الطاغية بنفسه عبدًا لغرائزه، وبالتالى غير عادل.

وبأسلوب مغاير وضع ميكافيلى قواعد فى كتابة الشهير (الأمير) لتطبيق مبدأ ميكافيلى الأول "الغاية تبرر الوسيلة"، وهو أشهر مبدأ عُرف به ميكافيلى، فـهو يرى أن الهدف النبيل السامى يضفى صفة المشروعية لجميع السبل والوسائل التى تؤهل للوصول إلى هذا الهدف مهما كانت قاسية أو ظالمة، فهو لا ينظر لمدى أخلاقية الوسيلة المتبعة لتحقيق الهدف، وإنما إلى مدى ملاءمة هذه الوسيلة لتحقيق هذا الهدف (فقرة مقتبسة).

ومع سقوط مفاهيم الشرعية الملكية والدينية كأساس للحكم فى أوروبا بعد الثورة الفرنسية أصبح من الضرورى البحث عن شرعية بديلة، حيث سعى بعض المفكرين أمثال توماس هوبز وجون لوك لوضع بعض المفاهيم التى يقوم عليها الحُكم السياسى وتتحدد على أساسها مسئوليات الحاكم والمحكوم، وجاء كتاب العقد الاجتماعى أو مبادئ الحق السياسى لجان جاك روسو، كمصدر إلهام لبعض الإصلاحات السياسية فى العديد من دول العالم لإقامة نظام ديمقراطى.

ووفق تلك القواعد وغيرها فقد شكلت معايير وخصائص أنظمة الحكم المختلفة عبر العصور، فالنظم الديمقراطية لديها قواعدها التى تعمل وفق آلياتها المختلفة، وأيضا النظم الاستبدادية لديها قواعدها المتعارف عليها فى شكل الحكم، وفى مصر قبل ثورة 25 يناير 2011 كان نظام مبارك يسير وفق قواعد الاستبداد المصرى التقليدى المتعارف علية والذى يتسم بمجموعة من السمات، منها تضيق المجال العام مع ترك هامش من الحرية "الشكلية" لقوى المعارضة، وتطبيق أحكام الطوارئ مع جعل سلالم نقابة الصحفيين مفتوحة لتظاهر قوى المعارضة، واعتقال الشباب وقوى المعارضة مع الإفراج عنهم بعد 45 يوما من الاعتقال، وإصدار أحكام بحبس الصحفيين وبعدها إصدار عفو رئاسى عنهم، واحتقار مفهوم الديمقراطية ورفض تداول السلطة مع إتاحة المجال "البسيط" لمنافسة بعض رموز المعارضة فى الانتخابات البرلمانية فنجد أصواتا معارضة داخل مجلس الشعب، وفرض الحراسة على العديد من النقابات المهنية مع إتاحة المجال لتشكيل نقابات مستقلة مع عدم الاعتراف بها، والتضييق على منظمات المجتمع المدنى ومداهمات لبعض المنظمات ولكن ليس إغلاق كل المنظمات وتهديد القائمين عليها بالحبس، وخصخصة شركات القطاع العام مع الاحتفاظ بالدعم، إلخ.... تلك هى القواعد التى كان يسير عليها نظام مبارك قبل ثورة 25 يناير والتى تعرف بقواعد الاستبداد المصرى التقليدى والتى توارثتها نظم الحكم المختلفة.

ومع خروج الشعب المصرى فى ثورة 25 يناير رفضًا لتلك القواعد المستبدة الراسخة فى بنية النظام والمطالبة بالقضاء عليها وبرحيل رموزها، وبتطبيق قواعد الديمقراطية، تأتى نظم الحكم المتعاقبة بعد الثورة برفض شعارات الثوار بتطبيق قواعد الديمقراطية، بل وصل الأمر إلى رفضهم قواعد الاستبداد المصرى التى كانت سائدة قبل ثورة 25 يناير والتى يرى فريق من القائمين على حكم البلاد أنها كانت سبب سقوط مبارك.

وتأتى حجج هذا الفريق بأن هامش الحرية (الشكلية) التى كانت قائمة خلال العقد الأخير من حكم مبارك هو السبب فى حدوث تراكم سياسى وشعبى أسقط نظام مبارك، وهو ما دفع منظّرى ومستشارى نظام الحكم إلى رفض قواعد الاستبداد المصرى التقليدى والمطالبة بوضع قواعد جديدة للاستبداد تقضى على ثغرات الاستبداد التقليدى تحت مسمى تأميم المجال العام، وفرض الصوت الواحد على المجتمع ككل. 

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل