المحتوى الرئيسى

وجهة نظر | رحل .. وظلت الفكرة - Goal.com

03/29 01:53

بقلم معاذ الهراس  تابعه على تويتر بقلم معاذ الهراس  تابعه على تويتر بقلم معاذ الهراس  تابعه على تويتر بقلم معاذ الهراستابعه على تويتريموت الإنسان، وتظل الفكرة. فالخلود، أن ترحل عن الحياة ويظل اسمك على ترداد الألسن. والقوة، أن تؤمن بالفكرة وتسعى لنشرها حتى تنجح في النهاية.

من شاهد "بريفهارت" سيتأثر بمشهد صرخة الحرية في نهاية الفيلم، ومن سمع عن "تشيغيفارا" سيكبر في الرجل دفاعه عن الفقراء والفلاحين، ومن قرأ عن عمر المختار فسيجل إيمانه بقضيته وثورته ضد مستعمري بلده، أما المحب لكرة القدم، فحسبه "يوهان كرويف"، حيث الكرة في زمن الثورة، والفلسفة في عهد الظلم، والإبداع في حقبة القمع، فلا شيء أصعب من السباحة ضد التيار، والخروج عن العادة، لكن الجمال يكمن في النهاية السعيدة، ووقوف العالم بأسره للإقرار بصواب القرار والإحساس بحلاوة الانتصار.

يوهان كرويف للجميع، وليس لانتماء دون الآخر. أنجبته هولندا، احتضنته أياكس، ترعرع في البارسا. لكن كرته هي للجميع دون استثناء. من أحبها فله العمل بها، ومن لم يفعل فحسبه الإجلال والإكبار لعظمة الهولندي الطائر. يوهان كان أكثر مجرد لاعب كرة قدم، أو مدربا في ذات اللعبة، بل كان شخصا يعشق التحدي، ويرفض الذل والهوان. لم يلعب دور الضعيف يوما أو الضحية، ويفضل أخذ حقه بنفسه، وفي وقت كان الجميع يرى في نادي ريال مدريد جنة كرة القدم وارتداء قميصه حلم كل لاعب هاو أو محترف. فضل كرويف أن يذهب للطرف الآخر، حيث المعارضة والثورة مع الفريق الأزرق والأحمر.

سنة 1974، رزق يوهان بإبنه الثالث وأراد أن يسميه "يوردي" تيمنا بأحد القديسين ببرشلونة، لكن تم إخباره أن الحكومة الإسبانية ترفض كل اسم يحمل معاني الهوية الكتالونية. يوهان لم يقف مكتوف الأيدي ويختار اسما آخر بدله، بل ذهب به إلى هولندا حيث أسماه بالإسم الذي يريد ثم يعود ليستأنف مشوار الثورة مع البـارسا. وفي آخر سنواته مدربا للبـارسا، توترت علاقة يوهان مع رئيس النادي نونييز، الذي بدأ يقتحم غرفة ملابس الفريق. أمر كان خطا أحمرا ليوهان فصرخ في وجه رئيسه: "إن أردت الحديث معي فسآتي لمكتبك، لا أن تأتي لغرفة ملابسي".

يوهان رفض الرتابة والملل في كرة القدم، عشق الانتحارية واللعب إلى الأمام. بالنسبة له، "الفوز بنتيجة 5-4، أفضل من الفوز بنتيجة 1-0". كان يريد حربا في المستطيل الأخضر لا مباراة كرة القدم، ولهذا كان يعشق المهاجمين "المجانين" أمثال روماريو وستويشخوف، اثنين من أفضل مهاجمي البارسا في التاريخ، جمعهما اللعب تحت إمرة يوهان كرويف. يتحدث جوان لابورتا رئيس البارسا السابق عن كرويف، فيقول: "كلاعب، يوهان حول كرة القدم إلى فن، لقد أتى من بعيد ليثور على كل شيء. أسلوب البارسا الحالي بدأ معه، إنه ممثل هويتنا، فقد أحضر لنا أسلوب لعب نحبه".

يوهان امتلك رسالة استلهمها من معلمه ومدربه رينوس ميتشيل مع هولندا السبعينيات، فأصر على إيصالها للعالم من أجل تغيير خارطة كرة القدم، ونجح في ذلك.

هولندا السبعينات، دريم تيم التسعينات، وبارسا العصر الحالي، في الأولى كان لاعبا يدير فلسفة التيكي تاكا من داخل المستطيل، وفي الثانية كان على الدكة يبعث بتعليماته للاعبيه، وفي الثالثة كان عراب الفريق وموجهه من خلف الكواليس بتمثيل من تلميذه النجيب بيب. كان يردد دائما: "في فريقي، الحارس هو المهاجم الأول، والمهاجم هو المدافع الأول". لقد آمن بمفهوم الاتحاد والتكتل. الفرد للجماعة، واللاعب للفريق، ونبذ المال، وجعْلِ كرة القدم مصدر ربح وتجارة لرجال الأعمال، فقد سأله أحد الصحافيين يوما، "لماذا لم تلعب يوما لفريق يمنحك أموالا أكثر؟"، فأجاب بكل عفوية: "لم يسبق لي أن رأيت يوما كيس أموال يسجل هدفا". بالنسبة له كرة القدم هي لعبة مجردة من كل علم أو حقائق رياضية أو قواعد هندسية. تحدث قائلا: "أشعر بالسوء لأن بعض المواهب ترفض لمجرد عدم تجاوبها مع بعض الإحصائيات الرقمية. بهذا الشكل، فقد كان سيتم رفضي في أياكس. حينما كنت أبلغ من العمر 15 سنة، لم أستطع أن أركل الكرة لأكثر من 15 متر بقدمي اليسرى، وربما لعشرين متر بقدمي اليمنى. قدراتي الفنية ورؤيتي للمباراة، لا يمكن كشفها بواسطة حاسوب". كذلك في سنة 2008، وبعد سنتين عجاف للبارسا دون ألقاب. حان وقت التغيير. الكل قال مورينهو، وكرويف قال بيب غوارديولا، مجددا سبح ضد التيار وكالعادة انتصر، فقد كانت رسالته واضحة، النجاح في البارسا لا يأتي إلا بتطبيق "التيكي تاكا".

ولكل بطل آفة، ونقطة سوداء تجعل الكمال ناقصـا. وكانت آفة يوهان، لفافة سيجارة. كرويف كان مدخنا شرها، لدرجة كان يدخن ما بين أشواط المباراة وهو لاعب، وكم كانت الفاجعة حينما انهار بسبب التدخين وهو في ذروة المجد مع البارسا مدربا، ويجري عملية جراحية على القلب سنة 1991. صارت صحته إلى تدني حتى أصيب بمرض في القلب فاضطر معه لترك التدريب. ورغم ذلك، كان الأوان قد فات وظل المرض ملازما ليوهان حتى يعلن عن إصابته بمرض سرطان الرئة قبل سنة، لكن يوهان لم يتغير، ورفض الاستسلام. علق على عملية علاجه من المرض: "أنا أشعر أني في مباراة ضد السرطان، وأنا الآن متقدم بنتيجة 2-0 في الشوط الأول".وعلى غير العادة استطاع الخصم أن يقلب الكفة. إنهزم يوهان، وانتصر المرض الخبيث، فودع الحياة يوم الخميس 24 مارس 2016 ببرشلونة. المدينة التي عشقها وأمضى فيها سنوات العز والمجد.

يموت الجسد، وتظل الفلسفة حية. تمضي الحياة، وتُحفظ الذكريات. وأما يوهان، فاسمه سيكتبه العاشقون بأحرف من ذهب، قائدا لثورة كرة القدم، وعرابا للساحرة المستديرة في حلتها العصرية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل