المحتوى الرئيسى

ثعالب فى البلاط

03/28 22:46

ذهب الأسد والحمار والثعلب يوما للصيد فى الغابة، وبعد مجهود كبير تمكن الثلاثى من الإيقاع بغزال سمين، أسال لعاب الثعلب، وحرض ملك الغابة على استعجال الوجبة الشهية التى باتت فى متناول أسنانه، وتكريما للحمار كلفه الأسد بقسمة الطعام على الرفقاء، بعد أن هدهم التعب، وأنهكهم الجرى وراء الرزق من بواكير الصباح وحتى استقرت الشمس فى كبد السماء.

شمر الحمار عن أرجله وراح ينتزع لحم الغزال من عظامه ليصنع منه ثلاثة أكوام بالعدل والقسطاس، وبعد أن انتهى من مهمته أطلق نهيقه فى الفضاء صائحا: تفضل يا مولاى، فتساءل الأسد مندهشا ومستنكرا فى الوقت ذاته: ما هذا؟.. رد الحمار: هذه ثلاثة أكوام متساوية، الأول لمولاى الأسد، والثانى لسيدى الثعلب، والثالث لى.

انتابت ملك الغابة حالة من الغضب والاستياء الشديد من الحمار قبل أن ينظر إلى الثعلب نظرة موحية وهو يقول: يا وزيرى وساعدى الأيمن أر الحمار كيف تكون القسمة عادلة، وعلمه جانبا من خبرتك فى الحياة، فقد خبرت الأيام، وأصبحت واحدا من الحكماء الذين نستعين بهم فى تدبير أمور الغابة المعقدة.

هنا نحى الثعلب الحمار جانبا، وأعاد لحم الغزال إلى سيرته الأولى قبل القسمة التى لم تعجب الأسد، ليصنع بعدها كومتين فقط، واحدة كبيرة، وأخرى صغيرة للغاية، وما إن أنجز مهمته حتى صاح فى سعادة: تفضل يا مولاى، هذا الكومة الكبيرة لك، والصغيرة لى، أما الحمار فليس له من الطيب نصيب، وتلك هى قسمتى.

نظر ملك الغابة إلى كومته الكبيرة من لحم الغزال الشهى، وقد تملكته حالة من النشوة والرضا مما فعله الثعلب، قبل أن يزمجر مداعبا الحمار: هل رأيت يا «جحش» كيف تكون القسمة العادلة؟!

استحوذ الحزن على الحمار، وشعر بالغم والأسى، وراح عقله «يودى ويجيب» خشية أن يتطور الأمر، وينتهى به الحال هو نفسه إلى كومة كبيرة من اللحم فى عرين الأسد، بمساعدة الثعلب المستعد أن يخدم فى البلاط بكل جوارحه، مقابل الفتات، مفضلا إرضاء الأسد فى كل الأوقات، حتى لو أثار حفيظة باقى حيوانات الغابة.

هذه القصة التى قرأتها منذ سنوات بعيدة، ولا أذكر كاتبها، تطرأ على مخيلتى كلما صادفت فى الحياة بعض النماذج التى تزين للأقوياء الظلم باعتباره العدل المطلق، حتى ولو كان على حساب المنطق والفطرة السليمة، ويرونه شطارة منهم، وضعف عقل، وقلة حيلة من الآخرين الذين تلمح القصة إلى كونهم ينتمون إلى عالم الحمير، أو الحمقى ممن لا يدركون التوازن بين القوى فى الغابة الفسيحة، فيعتقدون أن الكل سواء أمام الحقوق والواجبات.

فقد بات، فى نظر البعض، العادل فى قسمته حمارا، ومن يرضى بالفتات، على حساب حق وجهد الأخرين، عاقلا وداهية، كما الثعلب الذى أرضى الأسد، ولم يكن مثل الحمار فى قسمته التى لم تعجب ملك الغابة، وكانت سببا فى غضبه، وحنقه، قبل أن يعيد الثعلب بـ«قسمته العادلة!!»، الفرح والحبور، واعتدال المزاج إلى الأسد الهصور.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل