المحتوى الرئيسى

أميركا بلا هدف

03/27 14:52

إن تردد وتناقض وتقلب الرئيس الأميركي باراك أوباما وألاعيبه السياسية مع الكونغرس فيما يتعلق بمعاقبة سوريا على استخدامها للأسلحة الكيميائية قد حققت بالتأكيد أمرين، فرفعت من مكانة روسيا الدبلوماسية لأول مرة منذ سنوات عديدة وأقلقت حلفاء واشنطن من السعودية وإسرائيل إلى اليابان وكوريا الجنوبية.. وهي دول تعتمد بشكل كبير على الوعود الأميركية.

ومن أجل تقليل أثر تلك العواقب فإنه يتوجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تعمل على تطبيق الاتفاق مع روسيا والمتعلق بإزالة أسلحة سوريا الكيميائية بتصميم كبير، ولكن هل ستقوم بعمل ذلك؟

إن تعليقات وزير الخارجية الأميركي جون كيري اللحظية عن إمكانية تجنب الضربة العسكرية على سوريا، لو تم تسليم جميع الأسلحة الكيميائية، كانت بمثابة هدية دبلوماسية لروسيا حيث ردت الأخيرة بسرعة وابتهاج.

إن الكرملين، والذي لا يعرف عادة بمهارته الدبلوماسية، سارع إلى اقتراح إجبار نظام رئيس سوريا بشار الأسد على الانضمام لمعاهدة الأسلحة الكيميائية ووضع مخزونها من تلك الأسلحة تحت رقابة الأمم المتحدة.

لقد تبين أن مبادرة بوتين أصبحت طوق نجاة دبلوماسي حيث إن مناورة أوباما للسعي للحصول على موافقة الكونغرس على الهجوم على سوريا كان من شبه المؤكد أنها ستفشل، وكان ذلك سيؤثر سلبا على سلطته كقائد للقوات الأميركية.

وبالرغم من أن الاتفاقية قد تحرم نظام الأسد من بعض من أكثر أسلحته خطورة، فإن العملية، إذا كان يمكن أن تسمى كذلك، والتي جاءت بتلك الاتفاقية، قد عززت الاعتقاد العالمي بأن السياسة الخارجية في فترة أوباما الثانية إما سياسة بدون هدف أو أنها تتجه نحو الانعزالية.

إن الرد الأميركي على ما يطلق عليه اسم "الربيع العربي" على سبيل المثال افتقد للقناعة السياسية والتوجه الإستراتيجي.

إن حكام مصر العسكريين القدامى الجدد، على سبيل المثال، قد خلصوا إلى قناعة مفادها أنه بالإمكان تجاهل أميركا التي لا تستطيع قطع مساعداتها عن القاهرة لأسباب جيوسياسية.

عندما التقيت وزير الخارجية المصري نبيل فهمي في أغسطس/آب الماضي لمح بعدم رضا النظام الجديد عن محاولات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التأثير على الشؤون المحلية لبلده، وقال إن مصر تفهم أهمية الديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن تجنب الاضطرابات يجب أن يكون على قمة أولويات الحكومة.

بالطبع، التركيز على "الاستقرار" لا يعتبر شيئا جديدا من الحكومات السلطوية. وكما قال لي برويز مشرف عندما كان رئيسا لباكستان، وذلك خلال زيارتي لها كوزيرة دفاع اليابان "الديمقراطية؟ أنا أعرف كل شيء عنها".

إن الولايات المتحدة بالطبع تدعي أنها هي أيضا تعرف كل شيء عن الديمقراطية، ولكن تناقضاتها الدبلوماسية، انتقاد النظام المصري مع الاستمرار بتزويده بالمعدات العسكرية، يمكن أن تؤدي فقط لتقويض العلاقات الثنائية، وهي نفس المقاربة الأميركية مع نظام مشرف والتي أدت لتراجع كبير في العلاقات الأميركية الباكستانية.

إن عواقب هذه المراوغة في السياسة الخارجية تنطبق على ما هو أبعد من الشرق الأوسط، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2009 عندما زار أوباما اليابان أول مرة كرئيس، أكد أنه من هاواي وأنه فخور بكونه أول رئيس أميركي باسفيكي، وبعد سنتين أشارت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك (هيلاري كيلنتون) إلى "القرن الباسفيكي لأميركا" ملمحة لتحول في الإستراتيجية الدولية لأميركا.

إن إعلان "العودة لآسيا" شهد بداية "المحور" الشهير بالتركيز على الباسفيك في السياسة الخارجية الأميركية، أي التحول من الشرق الأوسط حيث كان الهدف من ذلك هو التعامل مع التحديات التي تفرضها الطموحات الجيوسياسية الصينية المتعاظمة. إن جميع الدول الديمقراطية في آسيا (وبعض دولها السلطوية القليلة وخاصة فيتنام) رحبت بذلك.

لكن بالرغم من أن الخطاب السياسي مهم في الدبلوماسية، فإن هذا المحور سوف يتم تقويضه بشكل كبير لو أدرك الآسيويون أن هناك نفس الفجوة بين كلمات أميركا وأفعالها، والتي بدت واضحة في سياستها الشرق أوسطية بالرغم من جهود كيري الحثيثة لإعادة إحياء محادثات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وأشير هنا على وجه الخصوص إلى مخاوف متزايدة من أن تتبنى الولايات المتحدة الأميركية خيار "الدولتين العظميين" أي صفقة ضخمة مع الصين من أجل أن تقوم الدولتان بتحديد مصير آسيا من فوق رؤوسنا.

إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم ونفوذ دول مثل الهند واليابان وإندونيسيا وكوريا الجنوبية، فإن من المؤكد أن مثل هذه السيادة المشتركة سوف يكون مصيرها الفشل، مما يعني أنه بالرغم من إغراءات تبني مثل تلك العلاقة فإنه يتوجب على أميركا مقاومتها.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل