المحتوى الرئيسى

لقاء الرئاسة والمثقفين: المثقف (العضوي).. والمثقف (الكوبري) !

03/25 16:15

اقرأ أيضا: د. كريمة ... من نصبه فقيها للمرحلة ؟ وجبة الجمبري و السجادة الحمراء ... فجور السلطة بلا رتوش ! زمن ( تل أبيب ) ...وعاصفة التطبيع القادمة ! لقاء السفير الإسرائيلي ..نظرية ( التغابي المدروس ) ! منى مينا ...النبيلة في زمن الانحناء !

تم إذن إعداد اللقاء النمطي المعتاد بين الرئاسة و ( المثقفين ) _ وفق مفهوم السلطة وحدها لدلالة كلمة  ( المثقفين ) _  و أمكن إخراج اللقطة  التاريخية السرمدية المألوفة ,  منذ عقود ,  لتجميل وجه الأنظمة  ب ( الماكياج ) النخبوي ذي الألوان المبهرة , لكن ألوان الماكياج لم تبد هذه المرة مبهرة , كما أن الملامح التي أريد تجميلها لم تستجب فيما يبدو هذه المرة لمحاولات التجميل و إزاحة الغضون و التجاعيد بعد أن حاصرت العروس دوائر الاستياء في الداخل و الخارج بصورة غير مسبوقة  , و بعد أن أجهزت قضية الإيطالي ( ريجيني ) دوليا على أي معنى لكلمة ( ثقافة ) أو ( فكر مؤسسات ) في مصر ! و ظهر حملة الأقلام , هم هم , لم يتغيروا في المكون الأساسي العام , اللهم إلا إدخال بعض الوجوه الجديدة , ذرا للرماد في العيون , نعم أبطال اللقاءات الرئاسية هم هم , لم يتغير هذه المرة سوى تجاعيد الشيخوخة الفاضحة التي زحفت إلى وجوه الجميع , و لم يستجد هذه المرة سوى معنى العبثية و سخافة المحاولة برمتها بدرجة حملت الروائي  ( بهاء طاهر ) على الاعتذار عن  عدم الحضور بعد أن بدت  المحاولة أكثر سخافة مما ينبغي  ! اصطف ( شيوخ ) الثقافة لالتقاط الصورة المعتادة من عقود فيما بدت الابتسامات  هذه المرة مرتعشة هاربة , و النظرات ساهمة واجمة تحدق في المجهول ! كانت اللقطة دالة نفسيا لوطن انفتح على سيناريوهات المجهول , و نخبة جعلت من (الثقافة ) و( اليسار ) أضحوكة و سلطة حاصرها الفشل و انحشرت في الزاوية و اختنقت ب ( عزلة ) غير مسبوقة في الداخل و الخارج !

 تأكد , مجددا , دور نخبة (  اليسار الثقافي ) التي تطبق على خناق مصر منذ عقود , و بدا هذا الدور , بلا رتوش , متمثلا في تمرير نزق السلطة و رغباتها المنفلتة مهما كانت هذه الرغبات جامحة أو غير منطقية أو حتى ( سادية ) ! و توفير غطاء ( الشرعنة ) و المقبولية على أي تصرف أو ممارسة سلطوية , مهما بدت معادية للمنطق أو العصرأو الأساس الأخلاقي ! و المدهش أن هذه النخبة حرصت عقودا ممتدة على إلصاق نفسها بعربة ( اليسار ) فيما بدا بوضوح منذ ما يزيد على أربعة عقود أن التوجه الرسمي للسلطة _ بمشروعاتها المتبناة _ من شأنه طحن ( الفقراء ) و عجنهم بقسوة في خلاط ( البيزنس ) بحيث تكون عظام الطبقتين : الوسطى و الدنيا وقودا لإنضاج قطعة اللحم الكبيرة , التي احتكرها رأس المال السياسي ( المتأمرك ) , الذي دشنته ( واشنطن ) حاكما فعليا لمصر من وراء الأستار منذ عام 1974 , نعم ظهر بوضوح كامل , أن أمريكا نجحت منذ اتفاقية فض الاشتباك الأول , التي تلت حرب 1973 , في خلق طبقة متأمركة من رجال الأعمال , قبلتهم الوحيدة هي واشنطن , لتشكل هذه الطبقة النسيج الأساسي للأنظمة المصرية المتلاحقة , و أدت هذه الطبقة الفاجرة دورها بمهارة وولاء تام , من حيث الدفاع عن السياسات الأمريكية و الإسرائيلية , و تم تصنيع هذه الطبقة _ كما لا يخفى على أي اقتصادي _ بأموال المعونة الأمريكية فكان رجال الأعمال القابضون على رقبة مصر _ حتى الآن ! _ هم صنيعة ( هيئة المعونة الأمريكية ) ! و هي الهيئة التي كانت تضخ في مصر سنويا _ منذ عام 1975 _ ما يقرب من ثمانمائة مليون دولار , و كانت تقرض أبناءها البررة من رجال الأعمال ( المتأمركين ) قروضا بفوائد مؤجلة بلغت واحدا و نصفا في المائة , بأقل عشر مرات عن الفائدة السائدة آنذاك في البنوك المصرية ! و نجحت هذه الطبقة المهيمنة ( على السلطة نفسها ! )  , في تقييد مصر بالأغلال عن طريق التوكيلات و التجارة و البيزنس , و نجحت هذه الطبقة العجيبة _ بالقدر نفسه _ في توريط مصر في عقود البترول و الغاز و الكويز و السياحة مع إسرائيل , بما في ذلك نجاحها في صفقة إدخال الشتلات  الزراعية الإسرائيلية إلى مصر , و تصدير الأسمنت المصري لبناء الجدار العازل في إسرائيل , و هي الطبقة نفسها التي نجحت في إدخال عملة ( الشيكل ) الإسرائيلي هذه الأيام ليتم التعامل بها رسميا داخل البنوك المصرية للمرة الأولى في تاريخ مصر ! و قنع اليسار المصري / الأكذوبة بكعكة وزارة الثقافة , بلجانها و مؤسساتها , و وضع على لسانه عشرات الأحجار حتى لا يواجه رأس المال السياسي ( المتأمرك )_ الحاكم الفعلي لمصر _ بترسانته الهائلة التي تضمنت صحفا و فضائيات و جمعيات أهلية ! و انحشرت مصر النبيلة بين رأسمال سياسي فاجر يبتلع مصر و يمضغها لآخر عظمة باقية , و يسار / أكذوبة يمنح الغطاء الديكوري للأنظمة بإظهارها بمظهر الحكومات حاضنة التمدين و الثقافة , و يقدم لها ورقة ( الشرعنة ) و التأييد  على طول الخط , دون أن يتفوه بنصف كلمة عن الحريات الذبيحة أو  ( العدالة الاجتماعية ) أو الفقراء الذين يبيعون هيكلهم العظمي , عظمة عظمة , ليبقوا على قيد الحياة ! و لم يقل الرفاق الماركسيون , الذين دأبوا على حضور اللقاءات الرئاسية , كلمة واحدة ترضي ( ماركس ) في ضريحه ! ! لأن أي كلمة كان من شأنها تهديد ممالكهم المالية المتضخمة الجديدة  و أرصدتهم المتنامية في المصارف بعد أن قذف لهم رجال المعونة الأمريكية ببعض الشطائر المغذية !

 صدق اليسار المصري المزور اللابد دائما في عباءة الأنظمة  أنه وريث الثقافة المصرية و المحتكر لمنجزاتها و لم يجد رجاله  من يواجههم بحقيقة كتبهم الضحلة  و نصوصهم الساذجة المحشوة بالتسطيح و العقم و الخطابية و الأخطاء اللغوية  المضحكة و المعزولة عن الإبداع العالمي الجديد المبهر في آسيا و أمريكا اللاتينية  , و تكرس المشهد الثقافي المصري في صورة ( مجذوب ) السينما المصرية الشهير الذي يمسك العصا و يطوف القرية ببلاهة , و قهقه العالم حتى كاد يستلقي على ظهره من الضحك على حفريات اليسار التي ما زالت موجودة في مصر , في وقت تعاقبت فيه موجات النزوح عن اليسار منذ أكثر من خمسة عقود  منذ أعلن المفكرون الكبار:  ( ريتشارد رايت ) و ( أندريه جيد ) و ( ستيفن سبندر ) و ( لويس فيشر ) و ( آرثر كستلر ) و ( أكناز سيلوني ) و سواهم توبتهم النهائية من الأفق اليساري العقيم ! و تكاملت سخافة اليسار المصري و عزلته مع تفكك الاتحاد السوفيتي و تبخر حلف وارسو و سقوط سور برلين ! و بدا اليساري المصري بدائيا ساذجا في مدينة أو حاضرة صناعية عملاقة !

 تفرغ اليسار المصري لمعركته المجانية الوحيدة , غير المكلفة , ممثلة في شن الحملات المتعاقبة على الفكرة الإسلامية ( الدينية عموما )  , بإلحاح ساذج , ليتجنب مواجهة ديناصورين لا قبل له بهما : السلطة المسلحة حتى الأسنان بأذرعها الأمنية , و رأس المال السياسي بأذرعه المالية المتغلغلة المخيفة و من ورائه سند أمريكي / إسرائيلي غير محدود . و كرر اليسارالمصري  بذات الغطرسة و السذاجة مقولته الشهيرة : ( الثقافة تعني اليسار و المثقف الحقيقي لا يكون إلا يساريا ! ) و ظل اليسار يتعاطى هذا الترامادول عن تفوقه الوهمي و احتكاره المطلق للثقافة المصرية , بحلفه الإعلامي غير المقدس مع الميديا المصرية لتمرير كتبه و نصوصه و مقالاته وحدها , و شن الحملات الخسيسة على الإبداع الجديد حين يخرج من غير معسكرهم  الضحل ( الهش ) !

 تحدث الفيلسوف و المفكر المعروف  الذي يولع به اليسار المصري : ( أنطونيو جرامشي ) ( 1891 _ 1937 ) عن ( المثقف العضوي ) , أي المثقف الذي يلتزم دورا شجاعا في مواجهة الفسدة و الأنظمة الشمولية , و نسي اليسار المصري أن جرامشي دفع من حياته ثمنا لمناهضته لموسوليني , حيث اعتقله الفاشست عشر سنوات و مات من أثر التعذيب , و سجل شهادته في رائعته : ( دفاتر السجن ) , فيما تفرغ اليسار المصري للعق فتات المائدة و اقتسام الأسلاب و الغنائم و قرقرة النارجيلة في مقاهي وسط البلد ! وحده الصديق الروائي ( إبراهيم عبد المجيد )  ,  الذي قرر القفز بعيدا عن لوحة العار فجرؤ عن الحديث عن فتى التيشرت القابع في السجون بلا ذنب , و لأني أعرف ( إبراهيم عبد المجيد ) منذ مدة طويلة و ناقشت له نقديا أكثر من عمل قصصي , فقد كنت متأكدا أنه سيتسق مع نفسه و سينسلخ من لوحة العار ! لم تجرؤ ( إقبال بركة )  أن تفاتح الرئاسة بهزيمة سد النهضة المؤلمة , و لم يجرؤ ( محمد سلماوي ) أن يتحدث عن الفشل الاقتصادي و الديون التريليونية الرهيبة , و لم يجرؤ ( القعيد ) أو ( يوسف زيدان ) أو ( المنسي قنديل ) على مفاتحة الرئاسة بالرفض الدولي لسجلنا في مجال الحريات و الحقوق , و لم يتسائل أحد لماذا أصرت السلطة أن تكون قماشة الاختيار من ذوي الستين وحدهم فصاعدا و لماذا استبعد الشباب من اللوحة ؟ ! و لم يجرؤ أحد أن يسأل الرئاسة : لماذا استبعد من اللقاء نقيب الصحفيين و رئيس اتحاد الكتاب ؟!

 إنها النخبة ذاتها التي ظهرت في لقاءات مبارك و محمد مرسي و السيسي , على ما بين هذه العهود من تناقض في الرؤية ! و لكم كان المفكر الكبير ( رتشارد كروسمان ) ملهما و حكيما حين وصف _ في مقدمته لكتاب : ( الصنم الذي هوى ) _  بقايا النخبة اليسارية المتهاوية بأنها : ( تتذبذب مع البندول ) !

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل