المحتوى الرئيسى

«أخيولات روائية للقمع والطائفية» لنبيل سليمان.. كسر الحواجز

03/23 02:38

تحت عنوان (بمثابة المقدّمة) يذكّر نبيل سليمان في مستهلّ كتابه الصادر حديثاً (أخيولات روائية للقمع والطائفية) بما عرفه تاريخ هذه العلاقة «من أدواء وأفخاخ مثل الخطابية والفكرنة والشعاريّة... وبخاصّة في المنعطفات والزلازل السياسيّة». منطلقاً من روايتي (زوال الكولونيل) للكاتب الإيراني محمود دولت آبادي، و(الثلج) لأورهان باموق باعتبارهما روايتين سياسيتين لا تخلوان من جماليات الرواية، والألق الفنّيّ الذي يقول سليمان إنّ له تاريخاً مزدهياً قبل هاتين الروايتين من خلال روائع باسترناك وشولوخوف وهمنغواي ومالرو وإميل حبيبي ونجيب محفوظ وآخرين، «حيث حضرت السياسة وحضر الفنّ في تفاعل خصيب يتجاوز عورات هذا التفاعل لدى آخرين»، فيما يسمّيه بـ «الطَّفَح الروائي الذي دَلَقَتْه الحرب العراقية الإيرانية»، وهنا يقرّر سليمان أن يبتلع الكلام الكثير الذي تختزنه جعبته الزاخرة، معلّلاً أنّ الحديث «لا يطول فقط بل وتضطرم أشجانه»، لينتقل إلى الجديد الذي جدّ في العلاقة بين الإبداع الروائي العربيّ والسياسة، مركّزاً على «الأصوات الجديدة التي تميّزت في العقدين الأخيرين»، مفرداً المساحة الأكبر للأصوات التي ظهرت في سوريا وفي مقدّمتها روزا ياسين حسن في رواياتها جميعاً.

والنقطة المهمّة التي يلتقطها سليمان في تتبّعه للعلاقة بين الرواية السورية المعاصرة والسياسة تكمن في أنّ الأمر لا يتعلّق فقط «بما يشترك به الجميع من كسر حاجز الرقابة والخوف، بل بالمواجهة الجمالية للمحرّمات كالمؤسسة العسكرية والأمنية، وبالمساهمة الكبرى في المدوّنة الروائية العربية للديكتاتور والديكتاتورية والتي باتت تضاهي المدوّنة الأميركية اللاتينية» مشيراً إلى روايات منهل السرّاج وسمر يزبك ونهاد سيريس وفواز حداد وخالد خليفة وهاني الراهب وحيدر حيدر ونبيل سليمان نفسه.

يعمل الناقد سليمان على تقصّي الأعمال الروائية الصادرة خلال العقدين الأخيرين، وتحديداً الروايات السياسية التي تحقّق لها من الفنّي والجماليّ ما يؤهّلها لتكون محطّ دراسة وبحث، فيُدرج مادّته الاستقصائية التحليلية تحت فصول ثلاثة يقف في أوّلها عند (التعبير الروائي والقصصي عن القمع السياسي)، ليمرّ في عجالة على حضور هذا القمع في القصّة القصيرة، وينتقل بعدها إلى حضوره في الرواية حيث يتّضح للقارئ سرّ استخدامه مصطلح (أخيولات) في العنوان، من خلال استهلاله هذا المحور بالقول: «تبدو رسوم السجن السياسي في سوريا أخيولات بقدر ما هي واقعية، لكأنّها تؤكد أنّ الواقع أثرى من الخيال»، وهو بهذا الاستخدام ذهب إلى اجتراح مصطلح نقدي قائم على المجاز (أخيولات روائية)، بدلاً من أن يعنون الكتاب (واقع القمع والطائفية في الرواية)، وبالتالي جعل الضدّ يؤدّي المعنى نفسه الذي يؤدّيه ضدّه عبر تركيب ملطِّف لموضوع الكتاب، وبالتالي جاء أقلّ وطأة وأكثر استفزازاً.

ويتمّم الناقد سليمان هذا الفصل بوقوفه عند حضور الديكتاتورية في الرواية ليصل إلى نتيجة أنّ الديكتاتورية ليست فقط الديكتاتور «ولا هي فقط حاشيته أو أسرته أو حزبه أو أجهزته القمعية، بل هي إلى كل ذلك، نمط عيش وعلاقات ومصالح وتفاصيل وهواء يتنفّسه الفرد والمجتمع» إلى حدّ أنّه قد يصل إلى ما يسمّى بالاستحباس وهو «الاستسلام العميق للديكتاتورية» بمعنى أن يتقبّل المواطن سجنه الكبير «كقضاء وقدر... وكمعطى ثابت أو كعاهة» يعتاد عليها ويتعايش معها.

وبما أن السياسي يستدعي الطائفي حكماً ـ لا سيما في الوقت الراهن، جاء الفصل الثاني بعنوان (التعبير الروائي عن الطائفية)، وفيه يتساءل سليمان التساؤل المنطقي «عمّا إن كان عصر العولمة يعني الإفاقة الطائفية... في الوقت الذي يصخب فيه القول باندماج العالم وتوحيده في قرية صغيرة». ويصنّف مادّته البحثية في حضور طوائف أربع روائياً هي: الدرزية، واليهودية، والمسيحية، والعلوية، ويتناول في كلّ منها روايات حضرت فيها تلك الطائفة.

ثمّ يخلص إلى أنّ «الانشغال الروائي بالفسيفساء الاجتماعية أخذ يتضاعف في السنوات الأخيرة، وبجرأة أكبر»، مع إشارته المستمرّة سواء في تتبّعه للسياسي أو الطائفي إلى استخدام الكتّاب أحياناً أسلوب الالتفاف «بالأسماء الروائية على المسمّيات الاجتماعية تعالياً أو تنزّهاً أو تقية، ومن النادر أن بدا ذلك فسحة أكبر للتخييل».

ولتكتمل مدوّنة نبيل سليمان عن (الأخيولات - الوقائع) الروائية للقمع والطائفية، فلا بدّ له أن يخصّ إصدارات ما بعد 2011 بفسحة من مدوّنته، ويفرد فصلاً للتعبير الروائي عن الزلزال السوري كما يسمّيه، ليتصدّر سؤال التخمّر «الذي سبق لغادة السمّان أن أجابت عليه بصدد روايتها (كوابيس بيروت) التي كتبتها في لجّة الحرب اللبنانية، حيث نفت أن يكون الاختمار شرطاً للنضج، أو أن تكون الكتابة في معمعان المعركة غير مختمرة بالضرورة». وفي الوقت ذاته يحذّر سليمان من «اللهفة على فعل الكتابة» ما يوقع «في فخاخ الشعارية والتسطيح ومنافسة الإعلام الثوري».

وفي الواقع إنّ كلّ ما سبق وتمّ عرضه سابقاً هو مجرّد تقديم للعناوين العريضة لكتاب (أخيولات روائية للقمع والطائفية) الذي لا يعدّ بحثاً بقدر ما هو مدوّنة تجمع أهمّ الروايات التي تنبض بالمقولات السياسية والطائفية عالمياً وعربياً عموماً، وسورياً خصوصاً، ولا طائل لسطور مقتضبة كهذه أن تعرض لكمّ الروايات التي وردت في هذه المدوّنة، والتي تشكّل المادّة الأساس لها، والقراءات الممحّصة التي قدّمها سليمان لكلّ رواية منها بما في ذلك التحليل والربط والمقارنة واستدعاء الكثير من الأفكار التي تسلّط الضوء على واقع اجتماعي تعكسه تلك الأعمال الأدبية، وتساعد في فكّ شيفراته المعقّدة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل