المحتوى الرئيسى

بالفيديو| "النادي" و"السينما" VS "التنظيف" و"الغسيل".. لـ"الخادمات" وجوه كثيرة

03/21 16:07

لكل فعل شقاء ومكسب، رغم تحدي الجسد لكبر السن والتعب الذي يطل برأسه بين ثنايا الوجه، ويكتم الألم الذي تخفيه الأعضاء، بينما تتمرد اليدين على الكتمان بتشققات بارزة، لا تُحمد عليها في الغالب من أرباب العمل لأنها "خادمة"، ولا من ذويها لكونها "مُقصرة"، تختلس معظمهن أوقات فرحٍ من وجه الدنيا العابس، لتضفي على حياتها، ولو لدقائق محسوبة يوميا، راحة من الشقاء وقسطًا من حق الحياة.

ساعات طويلة تقضيها الخادمات في التنظيف لا تكل فيها أياديهن من العمل، ولا تمل من الإرهاق والتعب الذي يلاحق أجسادهن يوميًا رغمًا عنهن، ومن تأنيب صاحب العمل المستمر إلى عتاب الأهل لانشغالهن معظم أوقات اليوم، تظل الخادمات رهن "لقمة العيش"، يختلسن أوقات الفرح بـ"شقاء" إذا ما استطعن إلى ذلك سبيلاً، ولو لدقائق معدودة، تعينهن على مواصلة "رحلة الشقاء".

تشارك "الوطن" بعض الخادمات لحظات الشقاء والسعادة، وما تعلنه وتخفيه صدورهن عن عملهن وحياتهن الخاصة بعد الأوقات الرسمية."سعيدة".. لم تنل نصيبا من اسمها، ولم تحظى بالقدر الكافي من الراحة، فمع انتهاء أذان الفجر، تستيقظ مسرعة، لتحضير إفطار عائلتها ثم تهرول سريعا للحاق بالأتوبيس الأول الذي ينطلق من قرية مجاورة لطلخا بالدقهلية إلى القاهرة، لتستكمل فيه ساعتين أخرتين من النوم، بينما تجاورها عددا من أبناء قريتها اللاتي يمتهن نفس وظيفتها كـ"عاملات بالمنزل"، بعد حصولهن على الشهادة الإعدادية، لضعف إمكانيات أسرهن.

"أنا لسه فاكرة اليوم اللي أبويا قالي فيه كفاية تعليم ولازم تساعدينا بقى، وأخدني لمكتب تخديم ومكنتش فاهمة حاجة بس حسيت أن حياتي بتنتهي".. بأعين تملؤها الحزن تعود السيدة الثلاثينية لبداية عملها منذ ما يقرب من 15 عاما، في أحد المنازل بمدينة قريبة لصغر سنها، الذي تعرضت فيه لإهانة شديدة بسبب عدم قدرتها على تحمل أعباء المنزل كاملة من "تنضيف وغسيل ومسح وكنس وترويق المطبخ" وصلت إلى حد الضرب، ما جعل والدها ينقلها إلى أسرة أخرى في منطقة مجاورة الذي وجدت فيه اهتماما وتعاونا من قبل "المدام" واستمرت فيه لعاما كاملا حتى شب عودها وظهرت ملامحها الأنثوية، ما دفع أحد أبناء الأسرة إلى التحرش بها لتركض سريعا عائدة إلى منزلها ويلحقها الخوف والألم النفسي.

استمرت "سعيدة" فيما بعد العمل بشكل يومي غير منتظم حسب الحاجة والطلبات المتوافرة لدى مكتب التخديم، والتنقل من منزل إلى آخر، حتى حصلت على عملا بأحد المنازل في القاهرة "مع واحد ومراته كبار في السن وولادهم مسافرين بره من وبيجلهم على فترات وبقالي سنين لحد دلوقتي شغالة معاهم بمرتب 1800 جنيه ومرتاحة وبيعاملوني كويس وده اللي أنا محتجاه وبس".

رغم قواها المنهكة يوميا بسبب قضاء 8 ساعات في العمل لمدة 6 أيام في الأسبوع، إلا أن "سعيدة" تعي أن لبيتها عليها حق، فتقاوم رغبتها المُلحة من جسدها بالاسترخاء ولو لبرهة من الوقت، تسارع في إعداد الطعام وتنظيف البيت سريعًا، لتشارك أولادها وزوجها العشاء وقت مشاهدتهم لأحد البرامج المفضلة للأسرة الصغيرة، لتنحصر اختياراتهم بين "برنامج الأستاذة الجميلة منى الشاذلي أو الأستاذ وائل الإبراشي"، والذي سبقهم في قائمة المفضلات "برنامج توفيق عكاشة" قبل أن تشعر الأسرة أن "البرلمان خدوا مننا، بس ده بلدياتنا وبنحبه ومبسوطين أن في حد مننا دلوقتي بقى في المجلس".

"هالة محمد".. على خلاف سابقتها، تظهر عليها علامات البنيان القوي والشخصية الصارمة، وتعبر عنها من ملابسها السوداء ونظراتها الحاسمة، اكتسبتها عبر سنوات عملها الـ 22، الذين حافظت فيهم على نمطا محددا في العمل يبدأ من استيقاظها في السادسة صباحا للتوجه من مسكنها في منشية ناصر إلى المنزل الذي تعمل فيه الساعة الثامنة صباحا بمدينة نصر وينتهي في الثالثة عصرا لتهرول إلى أبنائها الثلاث سريعا لتحضير طعامهم ومراعاتهم.

ورغم ضغوط العمل وموازنته مع احتياجات المنزل، الأمر الذي بدأته بينما كان سنها في السابعة عشر، إلا أنها ترتبط به ارتباطا وثيقا "علشان لو محتاجة لحاجة أنا أو عيالي متذلش لحد"، ولكنها في نفس الوقت رفضت رغبة ابنتها الكبرى الانضمام لعمل الخدمة المنزلية لكونها تحتاج إلى شخصية حاسمة وناضجة وانتشار سمعة سيئة عنها بأنهم "بنات شمال"، على حد قولها."المعاملة الجافة".. أسلوبا واجهته السيدة التي اقتربت من عامها الأربعين، خلال عملها والذي يظهر في الصراخ الذي تتعرض له أحيانا من ربة الأسرة أو إجبارها على دفع قيمة ما تسببت في إتلافه، إلا أن أكثر ما يؤذيها نفسيا هو "إن الناس الأغنياء شايفين أننا زبالة مع أن كلنا بشر، وأنا عند ربنا حاجة كويسة وده شغلي بعرق جبيني".

تعاني هالة من كثرة الخصومات التي تتعرض لها في حالة غيابها لظروفا مرضية رغم قلة راتبها الذي لا يتجاوز الـ650 جنيها شهريا، واضطرارها لقضاء وقتا إضافيا عن عدد ساعات عملها، ما يمنعها عن رعاية أٍرتها بشكل جيد فيبعض الأحيان، إلا أنها قررت تجاهل هذا الأمر لاستيائها من التنقل بين المنازل والذي تحصل عليه من قبل المعارف والأقارب، والذي يوفر لها عنصر "الأمان"، وهو ما شعرته به بشدة بعد استخراجها لتصاريح قياس المهارة ومزاولة المعنة واسم الوظيفة في البطاقة الشخصية.

وترى أن العمل مع العرب والأجانب أفضل بكثير عن المصريين لكونهم محددين في مهام الوظيفة، بجانب كرمهم، تضيف "بيحب يراضونا يعني لو التلاجة مليانة وهما هيمشوا يقولك عبي عبي خدي لأولادك حتي لو عفش يدوني".

وهو الرأي الذي شاركتها فيه "سعدية" التي تتشح بالعبائة السوداء لتخفي قلة وزنها، وإصابات المهنة المنتشرة في يديها من الحروق والجروح، تجد أن العمل مع الأجانب أفضل بكثير من المصريين، الذين لا يحددون وظائف المهنة، وتضيف والابتسامة تعلو وجهها لتظهر مدى سعادتها بذلك العمل "الأجانب والعرب معاملتهم فيها احترام وذوق يعني ممكن تحطلي الفلوس على الترابيزة وتقولي عليهم بدل ما تديهملي في إيدي، وكمان عدد ساعات الشغل محددة، ده غير أنهم كرمه في كل حاجة عن المصريين"

أكثر من 20 عاما قضتهم السيدة الخمسينية في العمل داخل المنازل، إلا أنها فضلت فيهم عدم وجود مكان ثابت والتنقل فيما بينهم بمبلغ يتراوح بين 80 إلى 120 جنيه في الساعة، لرغبتها في الاهتمام بشكل أكبر بأسرتها، إلا أن عدم اعتراف الحكومة بها سبب لها أزمة نفسية بالغة لعدم قدرتها على الحصول على تأمينا صحيا، ما دفعها للانضمام إلى الجمعية المصرية للحقوق الإقتصادية والإجتماعية، التي وفرت لها البطاقة التأمينية والاعتراف بها كموظفة عاملة بالمنزل في البطاقة الشخصية لها.

"لأجل المال تروح العيال"، المقولة المنطبقة على "سعدية" التي أرهقتها الالتزمات التي تدفعها للعمل بالمنازل في أشهر حملها الأولى ما أدى إلى إجهاض جنينها مرتين رغمًا عنها، لعدم قدرتها على سد احتياجاتها في المنزل الذي تشارك فيه أسرة أختها ووالدتها والبالغ عددهم 10 أفراد.

"ربنا ما أرادش خلاص والحمدلله على كل حال"، على الرغم من استسلام كلماتها للقضاء والقدر إلا أن عينيها تبوح بما تكتمه فطريتها داخلها بالرغبة في الإنجاب، فهى لا تنعم بالهدوء والراحة التامة سوى بعد الساعة الثانية عشر ليلا، لكنها تملك الأمل في الحصول على "شقة من مشاريع الإسكان اللي السيسي عاملها، أنا واثقة فيه وفي ربنا وعلشان كده انتخبته وبنزل عند جيرانا أو عند المدام اتفرج عليه مخصوص لما يكون في مؤتمر أو هيقول خطاب، رؤيته بتديني أمل".

"حب السيسي، ومهنة الخادمة" جمعت بين "سعدية"، و"إيمان" التي بدأت عملها منذ 25 عاما، في العمل المتنقل بالمنازل، من بينهم منزل الشاعر شوقي حجاب، إلى أن استقرت في أحد المناطق بالدقي كجليسة لسيدة مسنة لحصولها على تدريبات من خلال قضائها لفترة صغيرة بمعهد التمريض، وبمجرد انتهاء عملها الذي يستمر لخمسة ساعات تنزل سريعا إلى مسكنها في نفس العقار الذي حصلت عليه مؤخرا، لتحضر الطعام لأبنائها ثم تنال قسطا من الراحة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل