المحتوى الرئيسى

"سماسرة الحرب".. كيف يوصلون الغذاء للسوريين في المناطق المتصارعة؟

03/20 20:51

أعاقت ظروف الحرب الحرب السورية وصراع التشكيلات العسكرية المختلفة وصول البضائع والمواد الغذائية بين المدن.

لكن هل تساءلت يوماً: كيف يحصل المحاصرون في المناطق المختلفة على الطعام والمواد الأساسية ؟

الاجابة ظهرت مع ما سمّاه الأهالي "سماسرة الحرب"، الذين باتوا يتحكمون في أسعار المواد الغذائية الداخلة لمناطق الاشتباكات.

منطقة الجزيرة أو "روج آفا"، كما يطلق عليها الأكراد في سوريا، والتابعة لـ"الإدارة الذاتية الديمقراطية"، يراها البعض من المناطق شبه المستقرة في سوريا، مع ذلك تشهد بين الفترة والأخرى أزمات اقتصادية، يتخللها انعدام المواد الأولية والأساسية. فمنذ شهر تقريباً انعدمت مادة السكر التي تعتبر أساسية للأهالي، وشكل ذلك موجة تخوّف للأهالي.

يقول "نيجرفان علي"، أحد أهالي منطقة القامشلي: "طالما هناك صراع عسكري لن يتواجد الاستقرار، نحن في منطقة يحدّها من الشمال تركيا، التي تغلق حدودها مع المنطقة، ومن الجنوب إقليم كردستان، ويفصل المنطقة عن الداخل السوري الرقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويمنع في الكثير من الأحيان وصول المواد لروج آفا (تسمية تُطلق على منطقة الجزيرة السورية)".

أحد المسؤولين التابعين للإدارة الذاتية الديمقراطية الكردية على معبر "سيمالكا"، وهو معبر يفصل بين سوريا والعراق، يعيد سبب فقدان المواد الأساسية لعدم وجود منفذ تجاري مستمر ودائم مع المنطقة لاستيراد المواد.

خليل أحد العاملين في مجال بيع الخضار والفواكه بالجملة في مدينة رأس العين، يقول إن الواقع غير مستقر، أحياناً تأتي المواد بشكل يومي، وأحياناً تتوقف لأيام، ما يشكل أزمة بعدم الاستقرار للأهالي.

كان الكيلوغرام من السكر يقدر بـ250 ليرة سورية (ما يعادل أقل من دولار)، "اليوم بسبب احتكار التجار أصبح سعر الكيلوغرام 750 ليرة سورية، هذا في حال الحصول على المادة"، بهذه الكلمات يتحدث "أبومحمد"، ربّ منزل من مدينة عامودا، عن مأساة الأهالي، ويضيف: "لا ندرك من المتحكّم بلقمة عيشنا، الإدارة تقول إن المواد تنعدم بسبب إغلاق الحدود والطرقات، في المقابل أحياناً تتواجد المواد، لكن يقوم التجار بإخفائها لزيادة الأسعار والتحكم بالمواطنين".

جمال حمو، نائب رئيس هيئة الاقتصاد التابعة لحكومة "الإدارة الذاتية الديمقراطية"، يذكر لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن المعبر الوحيد الذي يتم التعامل معه هو المعبر مع إقليم كردستان العراق، لكن إدخال المواد عبره يتطلب موافقة حكومتي دمشق وبغداد المركزيتين.

شاحنات محملة بالبضائع تصل لمنطقة الجزيرة

في قرية "المبروكة" التي تقع على بعد 30 كيلومتراً غربي مدينة "رأس العين - سري كانيه" التابعة لمحافظة الحسكة السورية، تقف شاحنات كبيرة بأرتال تحمل البضائع والمواد الأساسية التي يحتاجها الأهالي، بعضها قادم من مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري أو مناطق المعارضة السورية المسلحة، كدمشق وحلب والساحل، ولتصل إلى الجزيرة تحتاج العبور من محافظة الرقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

عدم مرور الشاحنات إلى عمق منطقة الجزيرة ووقوفها في "المبروكة"، جاء كما يقول القائمون لأسباب أمنية وخشية خروقات أمنية وتفجيرات قد تحصل في المنطقة.

تعتبر "المبروكة" " نقطة استراتيجية تربط محافظة الحسكة بمحافظتي الرقة وحلب، حيث ينقل تجار المنطقة بضائعهم منها إلى داخل المنطقة.

وكانت "المبروكة" قبل أكثر من عام تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، قبل سيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية عليها.

نقطة طريق منطقة الجزيرة إلى الرقة وحلب ودمشق والساحل، تنطلق من قرية "أبو الشاخات" غربي "المبروكة" بخمسة كيلومترات، وبالعكس.

خليل، أحد سائقي "الميكرو"، يقوم بنقل المسافرين من رأس العين إلى الرقة وبالعكس، يقول لـ"هافينغتون بوست عربي": "الطريق الذي نسلكه من رأس العين عبر "أبو الشاخات" إلى الرقة يبلغ 130 كيلومتراً، يستغرق في الحالات الطبيعية نحو ساعة ونصف من الزمن، لكن بسبب وعورة الطريق، والحواجز المتواجدة (العائدة للأسايش في الجزيرة وداعش في الرقة)، تستغرق المسافة من 4 إلى 5 ساعات".

"الارتوازية" من قرية منسية إلى "اقتصاد تحتي"

قرية الارتوازية الواقعة غربي مدينة "رأس العين - سري كانيه" وشرقي محافظة الرقة، التي باتت تمثل نقطة محايدة عن الصراع المسلح، أيضاً شُكل فيها ما يشبه "السوق السوداء"، حيث تقوم الشاحنات والسيارات الصغيرة بتنزيل البضائع فيها، كنقطة تجارية يتحكم بها تجار وسماسرة لبيع المواد الأولية من البضائع، بالإضافة إلى أنها باتت تشكل سوقاً لبيع مشتقات النقط.

يقول محمد سائق شاحنة (اسم مستعار)، التقينا به في قرية "أبو الشاخات": "ما يجبر تنظيم داعش وسلطة الإدارة الذاتية على بقاء سوق الارتوازية هو حاجة أهالي المنطقتين الخاضعتين للسلطتين للمواد"، ويضيف: "يضطر داعش للسماح بمرور المواد الغذائية والبضائع لمنطقة الجزيرة مقابل سماح الطرف الآخر بتمرير المازوت والبنزين والخضار إلى الرقة، لكن السلطة الفعلية على السوق تعود لتجار وسماسرة حرب".

الإتاوات والجزية والجمارك رسوم لتمرير البضائع

الكثير من الشاحنات تجتاز في رحلتها مناطق خاضعة لجهات مختلفة، يقول أبوأحمد وهو سائق شاحنة من ريف إدلب لـ"هافينغتون بوست عربي"، إن تمرير البضائع من أي منطقة لن يتم إلا عبر دفع مبالغ مالية.

"في مناطق سيطرة النظام يتم دفع (الإتاوات) وهي مبالغ كيفية يفرضها المسؤول على الحاجز، تزيد على 100 ألف ليرة سورية (ما يعادل 250 دولاراً أميركياً)، وفي مناطق سيطرة المعارضة السورية المسلحة، يعود الأمر للفصيل القائم، فهناك فصائل لا تفرض إتاوات، بينما أخرى لا تختلف عن النظام في فرض المبالغ.

أما "داعش" فيقوم بفرض جزية على البضاعة المحملة، يقوم التاجر بدفعها، وتُحسب بنسبة كمية البضائع المحملة وتكلفة الجزية بالدولار الأميركي، وفي مناطق السيطرة الكردية، يتم قطع وصل بقيمة 1000 ليرة سورية (يعادل دولارين ونصف) كجمارك عن كل شاحنة".

يُحمّل أبوأحمد شاحنته بمادة التمر قادماً من الرقة باتجاه مدينة الحسكة، حيث سيقوم بتحميل البندورة الإيرانية في طريق العودة، "المواد التي نقوم بنقلها بين المدن السورية، هي المواد الأساسية، كالخضار والفاكهة والمواد الغذائية، ومشتقات النفط".

عادة يتم جلب المواد الغذائية الأساسية من دمشق وحلب، والخضار والفاكهة من اللاذقية، بينما يتم تأمين المازوت والبنزين من الرقة ومحافظة الحسكة.

يختصر سعيد (سائق شاحنة من حلب) الصعوبات والتحديات بأن مصير الأهالي يقتصر على حالة السلم والحرب بين الأطراف المتصارعة، "أحياناً يمنع داعش مرور المواد الغذائية إلى مناطق الجزيرة، كذلك يمنع النظام مرور شاحنات محملة بالبضائع، أيضاً في المناطق الكردية يتم منع دخول الشاحنات، والأمر لا يختلف في مناطق المعارضة السورية المسلحة، وهو ما ينعكس على حياة المواطن في النهاية".

ويضيف: "عند وجود صراع بين طرفين، يتم توقيفنا على الطرقات لأيام وأسابيع، وأحياناً يُطلب منّا مبالغ خيالية، أو يقول العسكري (انتظر تحت القصف)، وبذلك لن تصل البضاعة للأهالي، الأمر الذي يزيد من سوء واقعهم المعيشي".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل