المحتوى الرئيسى

ثرثرة حول الدين والفلسفة في فندق سياحي بالحمامات

03/19 15:58

أحد فنادق مدينة الحمامات السياحية في تونس

في مقال بديع عن بول فاليري، كتب أميل سيوران يقول:”لو أننا ترجمنا الهذايانات البلاغية للفلاسفة الى لغة عادية فماذا يتبقى منها يا ترى؟ الحصيلة ستكون مدمرة للأغلبية الساحقة منهم".

تذكرت هذه الجملة وانا احضر ذات ظهيرة ممطرة ندوة دولية نظمتها "الجمعية التونسية للدراسات الفلسفية" في فندق فخم بالحمامات الجنوبية التي ارادها نظام زين العابدين بن علي ان تكون مفخرة السياحة التونسية- وقد كانت كذلك بالفعل- غير ان العمليات الارهابية التي ضربت البلاد خلال العامين الماضيين حولتها الى مدينة اشباح !

المشاركون في الندوة المذكورة اساتذة جامعيّون يدرّسون مادة الفلسفة.

وانا اعتقد ان الندوة كان من الممكن ان تكون اكثر افادة ونجاعة لو انها انتظمت في فضاء مفتوح في جامعة من الجامعات التونسية لتمكين الجمهور العريض من الطلبة والمهتمين بالموضوع المطروح، واحباء الفلسفة من حضورها ومن المساهمة في فعالياتها، وفي المناقشات التي اثارتها المداخلات.

اما ان تنتظم في فندق سياحي من صنف خمس نجوم فهذا ما يجعلها ندوة مغلقة لا يستفيد منها غير المشاركين فيها. بل قد لا يستفيدون منها اصلا لان كل واحد منهم ملمّ بالخلفيات الفكرية والمنهجية للاخر.

وكم وددت لو ان المشرفين على الجمعية المذكورة استفادوا من التجارب التي تحدث في البلدان الغربية والمتصلة بالتعريف بالفلاسفة الكبار في مختلف العصور، وبطرح المواضيع والقضايا الفلسفية.

ففي البعض من العواصم الاوروبية مثل باريس وبرلين وروما، هناك ما اصبح يسمى ب"المقاهي الفلسفية".

وفي هذه المقاهي تنتظم في نهاية كل اسبوع ندوات وجلسات يحضرها مختصون في الفلسفة، وايضا طلبة واناس عاديون يرغبون في فهم واقعهم، ومشاكلهم انطلاقا من المواضيع التي يتم التطرق اليها. والذين يديرون هذه الجلسات المفتوحة يسعون دائما الى تبسيط الافكار الفلسفية لكي تكون في متناول الحاضرين.

وبسبب الاهتمام الواسع الذي اصبحت تحظى به مثل هذه المقاهي ، تم بعث مجلة شهرية للفلسفة تهتم بالقضايا الاجتماعية والنفسية والسياسية، وتعد ملفات جيدة عن فلاسفة كبار منذ الاغريق وحتى زمننا الراهن.

وغالبا ما يتم التعريف بهؤلاء الفلسفة انطلاقا من قضايا متصلة بالحاضر اتصالا وثيقا.

والامر الثاني الذي لفت نظري، هو ان جلّ المداخلات التي قدمت كانت مطولة ومملة وخالية من الاثارة ومحيلة الى ماض بعيد، وبالتالي منقعطة عن الواقع انقطاعا يكاد يكون كليا.

فكيف يمكن مثلا ان يتحدث المساهمون في الندوة عن الفارابي، وعن ابن سينا، وعن سبينوزا، وعن جاك دريدا، وعن جيل دولوز، وعن هايدغر من دون ان تكون افكار هؤلاء منطلقا للخوض في قضايا الحاضر التونسي والعربي عموما؟ هذا الحاضر الذي يشهد عودة قوية ومرعبة للتشدد والتطرف الديني، وللارهاب القائم على تكفير الاخرين وعلى الجهاد المسلح من اجل فرض مفهوم معين للاسلام ، وللقرآن.

فما جدوى الخوض في مواضيع مثل :”ابن سينا وتفسير القرآن، و"اشكالية التفكير عند الغزالي ، و"واضع الملة عند الفارابي" وغيرها من المواضيع "المدرسية الميّتة" عندما يكون الارهاب قد حصد في تونس العشرات من العسكريين والامنيين والمدنيين والسياح خلال العامين الماضين؟

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل