المحتوى الرئيسى

شارك: الاتفاق التركي الأوروبي بين رفض وقبول

03/19 05:26

أثار الاتفاق التركي الأوروبي جدلا في الأوساط  السياسية والقانونية بشأن شرعية الاتفاق الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي مع تركيا في السابع من مارس/آذار الجاري.

ويقضي الاتفاق بقبول تركيا استعادة اللاجئين السوريين "غير الشرعيين" من أوروبا إلى أراضيها مقابل المزيد من التمويل والمحفزات الاقتصادية والسياسية التي تعهد بها الأوروبيون لفائدة أنقرة.

بدوره، سيسمح الاتحاد الأوروبي بدخول لاجئ مباشرة من تركيا مقابل كل سوري تستعيده تركيا من الجزر اليونانية في بحر إيجه، وإعادة من يحاولون اجتياز البحر إلى تركيا، على ألا يوقف ذلك طلب اللاجئين السوريين حق اللجوء لأوروبا بشكل قانوني.

لكن ذلك لم يمنع الأمم المتحدة وجمعيات حقوقية والعفو الدولية من اعتبار الاتفاق "خطوة معيبة أخلاقيا وقانونيا" لأن في ذلك انتهاكا لمعاهدة جنيف للاجئين، كما أنه يعرض اللاجئين لمزيد من الإغراق عبر البحر.

يذكر أن تركيا كانت قد صادقت على اتفاقية جنيف للاجئين عام 1951 تمنح بمقتضاها حق اللجوء للقادمين من الدول الأوروبية فقط، وتعطي حق الحماية للقادمين من دول أخرى، وهو ما ينطبق على السوريين، والتي تعطي الشخص حق الإقامة والتعليم والخدمات الصحية وتمنعه من حق التجنس والمعونات الاجتماعية، مما جعل مئات الآلاف يغادرون تركيا إلى أوروبا.

كيف تنظر إلى هذا الاتفاق؟ وهل تراه يضمن حقوق اللاجئين؟ أم أنه اتفاق "غلبة المصالح" على الحقوق كما يراه البعض؟ وهل يحقق الاستقرار داخل تركيا؟ وهل يضمن دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟

استطلعت الجزيرة نت آراء بعض الكتاب الباحثين في الشأنين التركي والأوروبي ندرجها أدناه:

مع تحول قضية اللاجئين إلى قضية ساخنة في المحادثات التركية الأوروبية باتت الجوانب السياسية تطغى على هذه القضية على حساب الجوانب القانونية والإنسانية والأخلاقية التي نصت عليها العديد من الاتفاقات الدولية، ولا سيما اتفاقية جنيف للاجئين عام 1951، فكل طرف يسعى من وراء هذه المحادثات إلى تحقيق مصالحه بالدرجة الأولى، أوروبا تريد من وراء الاتفاق المبدئي مع تركيا أبعاد اللاجئين عن أراضيها لأسباب حضارية وأمنية، فيما تركيا تريد تحقيق جملة من المصالح، وهي مصالح تتراوح بين الحصول على مساعدات مالية للحد من الأعباء المالية التي تتحملها بهذا الخصوص، وفتح أبواب جديدة أمام تطلعها إلى نيل العضوية الأوروبية، وجلب ضغط أوروبي على النظام السوري.

ولعل مجرد نظرة بسيطة إلى هذه المصالح لا بد أنها ستضعنا أمام معادلة أن الاتفاق التركي الأوروبي لا يتضمن الحقوق المنصوصة للاجئين وفق الاتفاقيات الدولية، خاصة أن الاتفاق يحمل جوانب خطرة على حقوق اللاجئين وكذلك يحتوي على احتمال القيام بانتهاكات خطرة ضدهم، وفي المقدمة التهجير أو الترحيل الجماعي من بلاد اللجوء الأوروبي إلى تركيا، في وقت أن تركيا ليس بلد لجوء لهؤلاء اللاجئين بقدر ما هو بلد مرور، وبالتالي إعادتهم إلى تركيا حسب الاتفاق ستكون بمثابة صفقة سياسية نابعة من أولويات الطرفين وليست من الحقوق المنصوصة للاجئين.

مع التأكيد على أن الاتفاق التركي الأوروبي يحمل طابع الصفقة السياسية فإن ثمة إحساسا أوروبيا أو الأقل لدى بعض الأوروبيين بأن أنقرة تمارس سياسة ابتزاز في قضية اللاجئين، وهو ما يعني أن الاتحاد الأوروبي قد لا يلتزم ببنود الاتفاق مع تركيا، خاصة لجهة فتح أبواب جديدة أمام العضوية وفتح سمة تأشيرة شنغن أمام المواطنين الأتراك، خاصة أن هذه السمة ستجعل أوروبا أمام موجات ضخمة من الأتراك القادمين لأوروبا، فيما نقل اللاجئين من أوروبا إلى تركيا لا يحمل انتهاكات لحقوق اللاجئين فقط، بل يدفع قضيتهم إلى مرحلة جديدة، تحمل معها مخاطر حتى على أمن تركيا بوصفها ستصبح أرضا للاجئين، وهي أرض مجاورة للحدود السورية حيث الحرب وغياب الضمانات للأزمة لحفاظ حقوق اللاجئين الأساسية.

الدكتور سعيد الحاج، كاتب فلسطيني، باحث في الشأن التركي

بعد خمس سنوات كاملة من بدء الأزمة السورية وتحولها بالتدريج من ثورة شعبية سلمية ضد نظام باطش إلى أزمة دولية بأبعاد متعددة ومعقدة يبدو أن ملف اللاجئين السوريين تحول من سياق فخر وإنجاز لتركيا إلى ملف ضاغط عليها بعد مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي واتفاقها المبدئي معه بشأن اللاجئين.

فهذا الملف الذي دفعت أنقرة فاتورته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى أمنيا أصبح اليوم عنصر ضغط كبير عليها بوجود 2.7 مليون لاجئ سوري على الأقل على أراضيها دون أي أفق بعودتهم إلى بلادهم.

وفي ظل احتمال زيادة عددهم في حال فتحت جبهة ريف حلب على مصراعيها كعنصر ضغط عليها بيد النظام وروسيا، وتجاهل الحلفاء الغربيين للاجئين السوريين وجارتهم أنقرة أتت الهجرة المكثفة نحو العواصم الأوروبية عام 2015 لتجبرها على الاهتمام، ليس من باب التعاطف مع ملف سياسي أو إنساني ولكن لحماية حدودها من جموع اللاجئين، وهو ما أثار الشبهات حول تساهل تركيا في ضبط حدودها البحرية للمشاركة في هذا الضغط على دول الاتحاد الأوروبي.

وفق هذه المعطيات، أتت المفاوضات التركية الأوروبية الأخيرة، والتي سبقها اتفاق 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 بين الطرفين والقاضي بقبول تركيا للاجئين الذين يعيدهم الاتحاد الأوروبي لها مقابل وعد بإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول لدول الاتحاد، فضلا عن مساهمة الاتحاد الأوروبي بمبلغ ثلاثة مليارات يورو في برامج دعم اللاجئين، بينما ارتفع سقف المطالب التركية في المفاوضات الأخيرة ليشمل تبكير موعد إلغاء التأشيرة، إضافة لمبالغ مماثل من الدعم المالي لقاء تعاونها مع حلفائها الغربيين في حماية حدودهم.

تظن تركيا أنها بهذا الاتفاق -خصوصا في ما يتعلق بقبول دول الاتحاد للاجئ سوري "نظامي" في مقابل كل لاجئ "غير شرعي" ترجعه لتركيا- أنها تخفف من إجحاف الاتفاق السابق وتفتح الباب لهجرة "شرعية" لدول الاتحاد قد تساهم في ضبط "الهجرة غير الشرعية" وتقلل من عدد اللاجئين الذين يخوضون غمار البحر ويزهق أرواحهم في أعماقه، فضلا عن ضمانها عدم زيادة عدد اللاجئين السوريين على أراضيها إن لم تتمكن من خفضه.

لكنها من ناحية أخرى بدت وكأنها استخدمت ورقة اللاجئين ضمن ملف عضويتها في الاتحاد حين ضمنت الاتفاق الخاص باللاجئين بموضوع إلغاء التأشيرة وفتح فصول جديدة في مفاوضات الانضمام بعد أن ظهرت على مدى الشهور السابقة وكأنها حرس حدود للدول الأوروبية من خلال إغلاقها حدودها الجنوبية فعليا أمام اللاجئين وتفضيلها مساعدتهم داخل الطرف السوري من الحدود رغم استمرار "سياسة الباب المفتوح" معهم من الناحيتين النظرية والرسمية.

بيد أن عيوب الاتفاق المبدئي -الذي قد يتحول لاتفاق نهائي في الاجتماع المرتقب بين الطرفين- لا تتوقف عند عتبة المصالح والاستثمار، بل تتعلق بشكل مباشر بأبعاده الإنسانية التي يخل بها الطرفان على ما يبدو، ومنها:

أولا: يتضمن الاتفاق المبدئي إعطاء الدول الأوروبية الحق في "إرجاع" اللاجئين ورفض بقائهم على أراضيها، وهو ما يخالف القوانين الدولية الناظمة لملف اللجوء، ولا سيما اتفاقية جنيف للاجئين.

ثانيا: يعطي الاتفاق الطرفين -خاصة الأوروبي- الحق في تصنيف المهاجرين إلى "شرعي" و"غير شرعي".

ثالثا: يتضمن الاتفاق قبول دول الاتحاد للاجئين "المناسبين للمعايير الأوروبية" غير المحددة، وهو ما يذكر بمعايير كانت قد وضعتها بعض الدول الغربية التي استعدت لاستقبال لاجئين من أديان أو مذاهب محددة، أو فقط من الأقليات الدينية والعرقية، أو حتى "الشواذ" جنسيا.

رابعا: ثمة تخوفات جدية من أن يشجع هذا الاتفاق الدول الأوروبية على تقصد إغراق مراكب اللاجئين في عرض البحر، في ظل وجود سوابق مشابهة على السواحل الإيطالية خاصة.

خامسا: إن إعطاء الدول الأوروبية حق وضع معايير قبول اللاجئين يفقد أغلبية اللاجئين فرصة الهجرة إليها، باعتبار أن المؤهلين وأصحاب الكفاءات -ومن تحتاجهم الدول الأوروبية- سيحظون بالأولوية.

في المحصلة، فإن ملف اللاجئين سيبقى ضاغطا على صانع القرار التركي وعلى دول الاتحاد الأوروبي، في ظل استمرار الأزمة السورية وتداعياتها وفي ظل غياب الحافز لهم -أو لأغلبهم- للبقاء في تركيا لافتقادهم صفة "لاجئ" القانونية فيها، وهو ما يحرمهم من فرص الإقامة الدائمة والحصول على الجنسية مستقبلا وتأسيس حياة مستقرة أسوة بالدول الأوروبية.

من ناحية أخرى، تدرك تركيا والاتحاد الأوروبي أن عضويتها فيه شبه مستحيلة، لا اليوم ولا في المستقبل، ولذلك فيبدو أنهما يعملان على إعطائها "وضعا خاصا" متعلقا بالتعاون الاقتصادي وتسهيل سفر مواطنيها إلى دوله، في مقابل أن تكون حاجزا أو عازلا أمام زحف اللاجئين -السوريين تحديدا لعددهم الكبير- نحوه، وهي وصفة وضعت تركيا موضع الشبهات بعد كل ما قدمته في ملف اللاجئين، وهو قليل إذا ما قورن بالحاجات الملحة والحقوق الإنسانية والقوانين الدولية وفي ظل تخلي معظم الدول -وفي مقدمتها الدول العربية- عن مسؤولياتها تجاه الملف.

وعليه، يحتاج صانع القرار التركي لأن يعيد النظر في مجمل الملف على المديين القريب والإستراتيجي البعيد، ويرتب أولوياته فيه، والتي ليست بالضرورة أولويات حلفائه الأوروبيين، وفق المقاربة السياسية والمنظور الإنساني للأزمة السورية ومعاناة شعبها ووفق الإمكانات والواجبات التركية وحقوق الجيرة وأخوة الدم والدين، وليس وفق منظومة المصالح الغربية.

وقد يكون أفضل ما تفعله تركيا هو فك الارتباط بين ملف اللاجئين الإنساني وملف عضويتها في الاتحاد الأوروبي لتخرج من شبهات الاستثمار والاستغلال والمتاجرة التي كانت أبعد من أن توصم بها قبل المفاوضات الأخيرة.

حسام شاكر، كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية

أصبحت تركيا الآن أصبحت شريكاً رسمياً لأوروبا الموحدة في واحدة من أهم القضايا الملحة على جدول الأعمال السياسي والإعلامي في القارة. ويعود الدور الأساسي في إنجاز هذه الشراكة لألمانيا، فقد أدركت برلين منذ الخريف الماضي أنه لا غنى عن شراكة وثيقة مع أنقرة في هذا المجال، ثم ألحقت بها الأسرة الأوروبية.

حققت تركيا بهذا الاتفاق حزمة من المكتسبات، فهو يتضمن اعترافاً أوروبياً بدورها في استقبال أعداد غفيرة من اللاجئين السوريين، وهو دور لم تكترث به أوروبا في السابق. وسيتم بالتالي تقديم مساعدات مالية بالمليارات إلى الجانب التركي، وقيمتها تتجاوز الجانب المادي إلى ما تعبِّر عنه من تعميق الشراكة الأوروبية التركية علاوة على أنها رسالة طمأنة إلى الشعب التركي تحتاجها حكومته.

لقد أدار الأتراك المفاوضات مع الأوروبيين بهذا الشأن بحنكة عالية، فنجحوا بفرض مطالب لم تلق قبولاً أوروبياً من قبل، خاصة تمكين جواز السفر التركي من دخول الاتحاد الأوروبي بلا تأشيرة، وهي مسألة تم تحميلها على المفاوضات بأسلوب المقايضة في المواقف.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل