المحتوى الرئيسى

بين الدعارة والسياسة.. «العدالة الناجزة» تدخل «مفرمة» المقارنات

03/18 08:22

غادة على الأسفلت.. تلك الجملة التى طالما ارتبطت بالمعتقلين سياسيًا عقب الإفراج عنهم بعد مدة طويلة قد تُعَد بالسنوات، بين أروقة الاحتجاز المعتمة والمفيدة بالقهر، وثنايا أقفصة المحاكم المحاطة بسلطوية المستقبل المجهول بين يدي قاضى العدالة، ربما يليق بها أن تستخدم اليوم كـ"نكتة" ساخرة من البراءة السريعة للفنانة غادة ابراهيم فى اتهامها بتسهيل "الدعارة"، والسخرية بالطبع ستكون بعيدة عن مضمون الحكم وحيثياته بقدر ما ستنال من الأجل السريع الذى استغرقته القضية برمتها منذ القبض عليها وعرضها على النيابة وإصدار الحكم فى وقت قياسى بالمقارنة، حيث لم يتخط كل ذلك 19 يوما.. "أنه حقًا تجسيدًا فعليًا يلخص مفهوم العدالة الناجزة".

غادة إبراهيم بعد براءتها في «تسهيل الدعارة»: الله أكبر كنت واثقة من العدالة

على جانب آخر من شاطىء العدالة فى مصر، وبخلاف الاعتقالات غيبية الأسباب والأمد فى براثن جحور الشمس المظلمة، تعج أقسام وسجون الشرطة وساحات القضاء بالمئات إن لم يكن الآلاف من القضايا ذات الخلفيات السياسية لأطفال وشباب وشيوخ، مازال البحث جاريًا عن تهمة انتقامية ضريية لإيمانهم بحريتهم التى كفلتها لهم ثورة يناير ودمائها الطاهرة، وأخرى مازال يبحث فيها عن خيط دخان يكون دامغا للتهم التى يواجهونها، وكثير لم يتجاوز مرحلة الحبس الاحتياطى، دون تراجع أو استسلام انتصارًا لمنظومة العدالة العادلة والطبيعية وليست حتى الناجزة من جانب المعنيين، ودون رحمة أو أية اعتبارات إنسانية تراعى السن أو الحالة الصحية؛ ولعل أبرزها قضية الطفل محمود محمد طالب الصف الثانى الثانوى، الذى صار شابا فى ظلام السجن بعدما دخل عامه الثالث فى الحبس الاحتياطى بالمخالفة للقانون والدستور، بتهمة "الحلم".. "حلمه لم يكن شخصيًا بل حلم وطن يبحث عن مستقبل بلا تعذي".

«وطن بلا تعذيب».. هل النظام على رأسه «بطحة»؟

وكانت نيابة شرق القاهرة الكلية في 17 فبراير الماضى، أحالت  القضية لنيابة أمن الدولة، باعتبارها المختصة بالتحقيق فيها. وأكد دفاع المتهم، أن قرار الحبس الاحتياطي سقط عن موكله، وفقًا للمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، وذلك لمرور أكثر من سنتين على حبسه احتياطيا دون إحالته للمحاكمة، وهو ما يوجب الإفراج عنه فورًا بقوة القانون.

يقول طارق تيتو، شقيق محمود، إن حالة أخيه المحتجز فى سجن طره تحقيق، الصحية متدهورة، ويحتاج إلى إجراء عملية جراحية تكميلية "تثبيت عظام" فى ساقه اليمنى التى أجرى فيها الجراحة الأولى عام 2011، مشيرًا إلى أن العظام في قدمه بدأت تتآكل، ويحتاج إلى عدد من جلسات العلاج الطبيعي قبل إجراء العملية 5 مرات أسبوعيا،ً وأنه تقدم بشكوتين إحدهما للنائب العام نبيل صادق، والثانية لوزير الداخلية مجدى عبد الغفار، آواخر الشهر الماضى، وتقدمت نقابة الأطباء بمثلهما، وطلبت خلالهما بتشكيل وفد طبي يشارك فيه عضو من نقابة الأطباء وحقوق الانسان لتقييم الحالة الطبية للمريض المحتجز وإقرار ما تحتاجه حالته الصحية.

محمود محمد، كل ذنبه فى الحياه أنه يحلم، وارتدى حلمه عبر "تيشيرت" كتب عليه "وطن بلا تعذيب"، يُعَّامل بتعنت فاقدًا للرحمة، بعدم تحويله للمحاكمة كحق أصيل باعتباره متهم، أو بحل آخر مثالى كحلمه البرئ، بإصدار أى قرار بالعفو عنه، سواء عفو رئاسى أو حتى صحى، مراعاة لحالته الصحية المتدهورة أو لمستقبله الذى ضاع منه عامين من أهم مراحل عمره تنفس فيها "عفر الزنازين" بدلًا من أن يشتم رائحة الحياة ويطلق طاقاته فى التعرف عليها.

الظواهرى حر.. والإرهاب يعامل بالرحمة

وضع عامل الزمن والظروف مسألة "العدالة الناجزة" بين مفرمة حادة من ردود الأفعال والمقارنات بين الجبهات السياسية المختلفة، فالطفل الشاب لم يجد من يحنو عليه، فى الوقت الذى شهد محاكمة قياسية فى قضية الدعارة المتهمة فيها الفنانة غادة إبراهيم، تزامنًا مع إطلاق أجهزة الأمن، سراح محمد الظواهرى، شقيق زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهرى، من قسم شرطة الطالبية، فجر أمس الخميس، بعد إخلاء سبيله على ذمة التحقيقات التى تجريها معه النيابة بشأن اتهامه بتكوين خلية إرهابية فى منطقة الوراق، وهو ما يضع تساؤلًا ملحًا حول أولويات وآليات السلك القضائى فى التعامل مع القضايا؟

بعيدًا عن الكاميرات.. إطلاق سراح «الظواهرى» فجرًا من قسم الطالبية

وشهدت الفترة الأخيرة القبض على عدد كبير من النشطاء المنتمين لثورة 25 يناير، فيما زالت حالات الاختفاء القصرى ملازمًا يوميًا وجزءً أساسيًا من معادلة المشهد السياسى الحالى، فى ظل أرقام حقوقية أخرى ترصد ما يقرب من 60 ألف معتقل داخل السجون المصرية، منذ 30 يونيو 2013.

العدالة الانتقالية فى مصر.. إجازة

تبرز أهمية العدالة الانتقالية فى فترات الانتقال من النزاع أو قمع الدولة وبالتالى الثورات، من خلال محاولة تحقيق المحاسبة وتعويض الضحايا، حيث تقدم العدالة الانتقالية اعترافًا بحقوق هؤلاء الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية؛ وتُشير إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية من أجل معالجة ما ورثته الدول من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات.

ظهرت وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، فى مصر عقب 30 يونيو 2013، تنفيذًا لبنود خارطة الطريق التى ألقاها وزير الدفاع، حينذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسى، فى بيان القوات المسلحة فى 3 يوليو، حيث استحدثها للمرة الأولى الدكتور حازم الببلاوي، رئيس مجلس الوزاراء الأسبق، فى يوليو 2013، وأنجزت فى بعض الاتجاهات إلا أنها لم تكن على قدر الطموح، ومع تولى الرئيس عبد الفتاج السيسى شؤون البلاد، وتعيين المهندس إبراهيم محلب إبراهيم رئيسًا للوزراء، فى يونيو 2014، تم الحفاظ على وجود الوزارة بنفس مسماها، لكن لم يكن لها أى أثر يذكر على الإطلاق طوال فترة رئاسته للحكومة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل