المحتوى الرئيسى

الكبير حقاً

03/18 02:26

أربعة مواقف جمعتها بميشال اده: الأول كان مشاهدتها لحوار معه على التلفزيون، والثاني كان في ندوة عن القدس، والثالث في اجتماعات مجلس إدارة مؤسسة القدس الدولية، والرابع لقاؤها به وهي تعرض عليه كتابها عن صبرا وشاتيلا.

عرفت الرجل الكبير، ميشيل إده، في أربعة مواقف، وفي كل موقف منها كنت أتعلم منه الجديد. ولا أضع في حسباني معرفتي الأولى به منذ سنين طويلة، وهي مرحلة مطالعاتي الأولى لكتاباته وأبحاثه في الصراع العربي ـ الإسرائيلي وفي الصهيونية.

في الموقف الأول كنت أستمع إليه، وفي الثاني كنا جارين على منبر واحد، وفي الثالث كنت أشاهده كيف يتغلب على الصعوبات بالمنطق والإيمان معاً، وفي الرابع رحت إليه أطلب منه العون ففوجئت برجل أكاد لا أعرفه.

في الموقف الأول رحت أستمع إلى حوار معه على التلفزيون، فلم أجد أمامي مظهر العالم والعلامة، بل وجدت الرجل الإنسان بنبرات صوته، بإيمانه، بالمنطق الذي ينضح من جبهته عرقاً حتى قبل أن يتفوه به، بصدقه الذي لا يبارى، بعشقه لقول الحقيقة. وتعلمت أن الكلمات على الورق مهما تكن رائعة، فهي أكثر روعة وأثراً حين يقولها رجل مثله وهو يسعى إلى إقناع البشر، فيهتز حتى الحجر.

وفي الموقف الثاني التقينا معاً في ندوة عن القدس بدعوة من دار الفتوى الإسلامية في سنة 1999، ورحت أحضر كلمتي بحماسة لكونها عن القدس، واخترت أن أتكلم في موضوع «بيت المقدس في الاستراتيجية العربية». غير أنني لما تسلمت بطاقة الدعوة اكتشفت أن زميلي الوحيد هو الأستاذ ميشال إده وأن موضوعه عن الأطماع الصهيونية. فيا لسعادتي.. لكن أيضاً يا للمجهود المضاعف الذي رحت أبذله وأنا سوف أجاوره على المنبر. وإني أعــترف بأنني ما حسبت يوماً حساباً لمحاضرة وأنا قضــيت العمر في إلقاء المحاضرات إلا تلك المرة. هل من داعٍ كي أؤكد كم كان رفيقاً ودوداً قبل الندوة وبعدها؟

وفي الموقف الثالث كنا نجتمع معاً في اجتماعات دورية لمجلس إدارة مؤسسة القدس الدولية في أوائل القرن. كنت عضواً في هذا المجلس الذي ترأسه الشيخ فيصل مولوي، رحمه الله، وكان الأعضاء من أحزاب وتيارات فكرية عدة، وكان الأستاذ ميشال إده يحضر معنا بصفته نائب رئيس مجلس أمناء المؤسسة، وكان مثلاً يُحتذى برحابة الصدر وحسن الاستماع وسداد الرأي، وفوق هذا كله بالبشاشة والضحكة من أعماق القلب مهما تكن الصعوبات. وما من مرة اجتمعنا فيها إلا وخرجت وأنا أحمل له ذكرى عطرة، من رأي حاسم أو كلمة فيها بلسم لجراح القدس، وهي مدينتي الغائبة عن عيني بمبانيها وحاراتها وقيامتها وأقصاها، وهي المقيمة أبداً في وجداني وذاكرتي وآمالي ما حييت.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل