المحتوى الرئيسى

انهيار ثقافي وتصريحات مثيرة للجدل.. 6 أشهر على حلمي النمنم

03/17 15:35

تصريحات مثيرة للجدل، أطلقها وزير الثقافة حلمي النمنم في حواره مع جريدة الأهرام مؤخرًا، أبرزها رأيه في قضية حبس الكاتب أحمد ناجي التي فندها الزميل محمد شعير في مقاله أول من أمس الثلاثاء، تصريحات تعمي الأعين ولم ينتبه أحد إلى أن الوزير قال الكثير مما يستحق التأمل، خصوصًا أننا نحتفل بمرور 6 أشهر على توليه الوزارة هذا الأسبوع.

قد يرى البعض أنه من المبكر الحكم على أداء الوزير، لكن 6 أشهر من عمر الأزمة الثقافية التي تعيشها مصر، هي مدة كافية لتكشف توجهات الوزير وقدرته المستقبلية على التصدي لحالة الانهيار الثقافي التي تعيشها مصر.

اختزل الوزير التضييق على الإبداع في قضية الزميل أحمد ناجي فيما لم يشر من قريب أو بعيد إلى أن عهده قد شهد عددًا من مداهمات للمراكز الثقافية فى يناير الماضى وإغلاق مسرح "روابط" ومركز "تاون هاوس" بالشمع الأحمر، ومن قبله مركز "الصورة المعاصرة" ودار "ميريت" من قبل مباحث المصنفات الفنية بحجة وجود مخالفات إدارية في هذه الأماكن، مشهد صادم استقبله الجميع بذهول، ودون أن تظهر أية أياد خفية أو جهات سيادية في الموضوع، ودون أن يعلق الوزير أيضًا أو يبدى استياءً من عدم مراعاة طبيعة الدور الذي تؤديه هذه الأماكن.

وقفنا جميعًا أمام مشهد الشمع الأحمر على باب مركز ثقافي مع الوزير القادم من قلب الوسط الثقافي، كأن المباحث داهمت أحد المطاعم أو مقهى إنترنت (سايبر)، وضع الجميع المشهد في إطار تعبير السلطات عن الانزعاج من أية أنشطة أو تجمعات فنية في محيط منطقة وسط البلد قبيل ذكرى الثورة.

لم يحاول الوزير الرد أو التعليق على هذه الإجراءات، واكتفى مصدر قريب منه حين حاولنا الاتصال به أن قال إن الوزير لا يمكنه رسميًّا الاعتراض على هذه الإجراءات، فوزارة الثقافة ليست إلا جهة تنفيذية أخرى شأنها شأن وزارة الداخلية، وأكد أنه لا علاقة لأوامر الضبط بمكتب المصنفات الفنية التابع لوزارة الثقافة، بل هو صادر من مباحث المصنفات وأنها ليست صادرة بشكل مخالف للقانون، قال المصدر نفسه إن الوزير يسعى لحل الأزمة وديًّا!

صحيح أن الوزير ليس لديه أية سلطات مباشرة للتدخل في عمل مباحث المصنفات الفنية، ولا يمكنه الاعتراض على إجراء قانوني 100% وإن بدا متعسفًا، لكن كان من المتوقع أن يستغل الوزير هذا الموقف المجحف في طرح وربما تمرير التشريعات التي تعدل من وضع المؤسسات الثقافية ومناقشة القضية أمام البرلمان، الذي كانت أولى جلساته قد بدأت في الانعقاد بالفعل.

ووضعت هذه التعديلات بعد ورشات عمل طويلة بين المؤسسات الثقافية ووزارة الثقافة عقدت بداية من عام 2010 تحت عنوان "وضع سياسات استراتيجية ثقافية واضحة"، واستمرت هذه الورش والنقاشات بعد الثورة قرابة العام، وانتهت إلى وضع توصيات تحسن من شروط العمل الثقافي المستقل بحيث يتكامل دوره مع دور الدولة، وطرق تلقي التمويل، وما زالت هذه التشريعات حبيسة درج مكتب الوزير حتى الآن تنتظر الإحالة إلى مجلس النواب.

شأن هذه التشريعات هو شأن تعديلات قانون عمل المجلس الأعلى للثقافة الذي لا يُعرف له لائحة واضحة للانتخاب واختيار أعضائه حتى الآن.

كان من الممكن التسامح مع التأخير في تعديل قانون المجلس الأعلى للثقافة حتى الآن إن لم تثر بسببه أزمة كبيرة، لكن الفضيحة التي دوَّت في الوسط الثقافي لم تصل إلى  مكتب الوزير رغم "جلاجلها".

فما أن تولى الوزير مهامه، حتى كان عليه إقرار نتائج تجديد أعضاء المجلس لأنفسهم بعد أن انتهت فترة انعقاده الأولى بعد الثورة وتعديل لائحته، وجاءت مخالفة للائحة المجلس الذي غادره أمينه العام دكتور أبو الفضل بدران بقرار من النمنم إلى منصب جديد وهو رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة (ربما اعتبارها النمنم منفًى يسهل بعدها التخلص من الرجل فيه وقد كان بعد أشهر).

قامت الأمين العام الجديد دكتورة أمل الصبان بتعديل تشكيل المجلس، واعتمدها الوزير بعد فضيحة استمرت أسابيع، لكن ظل سؤال لم يجب عليه أحد إلى الآن هو الآلية التي يتم بناءً عليها تشكيل المجلس، ونحن هنا نتكلم عن اللجان التي ترفع تقاريرها وما تراه من أزمات وتشريعات ثقافية للأمانة العامة للمجلس، التي بدورها تبت فيها، اللجان التي تقوم بدور التفكير وإبداء الرأي في كل ما يخص الشأن الثقافي ورسم السياسات الثقافية وترفع رأيها للجهات المعنية، وهي أيضًا اللجان التي تبت في أي مسألة ثقافية تواجه الدولة، واطمأن الجميع إلى فكرة استمرار الوضع على ما هو عليه.

نحن إذا أمام "وزارة بلا عقل"، وبسؤال النمنم عن آلية تشكيل لجان المجلس قال لـ"التحرير" في تصريح سابق إن "أغلب اللوائح لا تطبق على أعضاء المجلس، مثل شطب عضوية من لا يحضر 3 جلسات متتالية دون عذر، فأغلب الأعضاء يتحايلون على هذه اللوائح كنوع من المجاملة، ويستمرون في العضوية وهذا النوع من الرقابة متروك لأعضاء اللجان على أنفسهم ولمقرر اللجنة"، وأضاف أن اختيار أعضاء الشعب واللجان من سلطة الأمين العام للمجلس ومقرر كل لجنة، بلا إيضاح كيف سيتصرف هو باعتباره الشخص المسئول عن إيقاف هذه المهزلة والتصدى لها.

حالة المجلس هي نموذج مصغر لعمل الوزير منذ توليه الوزارة، فالتغيير عادة ما يكون بمنطق الركلة لأعلى، والقضايا تظل معلقة رغم إدانة الوزير نفسه لها، ولا نعلم كيف ستحل.

على نفس النهج أيضًا تعامل الوزير مع المهندس محمد أبو سعدة رئيس صندوق التنمية الثقافية الذي لم يطله تغيير رغم تغيير الوزارة 12 مرة سابقة بعد الثورة، فقام النمنم بترقيته إلى منصب رئيس الصندوق القومي للتنسيق الحضاري خلفًا لدكتور سمير مرقص، ولم يتم الرد على أي من الملفات الشائكة المرتبطة باسم أبو سعدة خلال عمله بصندوق التنمية الثقافية ولم يتم التحقيق في أي من قضايا الفساد أو تحويلها للنيابة للبت فيها حتى الآن.

القصة ذاتها حدثت مع قطاع الفنون التشكيلية، ففي البداية ادَّعى الوزير أنه لن يقيل رئيسه حمدي أبو المعاطي، ثم أدلى بتصريحات مفادها أن هناك مذكرة قانونية ترفض استمرار جمع أبو المعاطي بين وظيفته في قطاع الفنون التشكيلية وصفته كنقيب للتشكيليين، قيل إن أبو المعاطي اختار النقابة، وعيّن الوزير دكتور خالد سرور.

تكررت للمرة الثانية مع دكتور أبو الفضل بدران الشهر الماضي، هذه المرة بخلعه من منصبه وتعيين الدكتور سيد خطاب، في البدء نفى الوزير الشائعة، ثم عاد ليؤكد أن بدران وصل إلى سن المعاش، وهو ما نفاه بدران، مؤكدًا أن قرار ندبه قد انتهى وأن النمنم لن يجدده.

خطاب قصة أخرى، إذ كان رئيسًا لهيئة قصور الثقافة خلال وزارة الدكتور جابر عصفور، الذي أقاله بعد مشادات امتدت أيامًا على صفحات الجرائد، ليأتي النمنم فيعيد خطاب مرة أخرى دون التطرق إلى مدى نجاحه أو فشله في حل أزمات هيئة قصور الثقافة.

التفات الوزير لقصور الثقافة جاء مباشرة بعد أن ذكرها الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته بعيد الشباب يناير الماضي، باعتبارها درعًا من دروع الحفاظ على الهوية، وقال: "الثقافة والفنون لا بد أن تجد لها موقعًا أفضل في أجندة اهتمامات شبابنا، ولذلك فإنني وجهت مجلس الوزراء بتشكيل مجموعة وزارية من الوزارات المعنية تتعاون مع المجالس التخصصية والمؤسسات الوطنية المتخصصة لإحياء دور قصور الثقافة من خلال التوسع في تنفيذ الفعاليات الثقافية والفنية بها، وإقامة المسابقات الفنية بين شباب الجامعات والمدارس على المستوى القومي، على أن يكون هناك حافز ثقافي للشباب يشكل لديهم دافعًا للارتقاء بمستواهم الثقافي والأدبي والفني".

بالفعل تم افتتاح عدد كبير من قصور الثقافة، وهو أمر قاله الوزير في حواره، وقال إنه يسعى للعدالة الثقافية، لكن عن أي عدالة ثقافية نتحدث إن كانت هذه القلوع الثقافية الرخامية خاوية، دون نشاط ثقافي ثري يحييها. عن أي عدالة وقد أخرج الجهاز المركزي للمحاسبات تقريرًا يدين فيه أن نحو 30% من العاملين بقصور الثقافة يحملون مؤهلات متوسطة، وليس هناك أبلغ في التعبير عن حالة قصور الثقافة من فضيحة طباعة كتاب "محمود سامي البارودي" عن الهيئة وعلى غلافه صورة للخديو عباس حلمي بدلًا من شاعر السيف والقلم.

الغلاف الذي صممه للمصادفة رئيس قطاع الفنون التشكيلية الحالي دكتور خالد سرور، قبل توليه منصبه، الذي رد بدوره في تصريحات صحفية، قائلا: "الفنان التشكيلي المصمم لغلاف الكتب بمستوى عام كل ما يهمه هو الرسم والفن والإبداع في عمله، الغلط بين الشخصيات التاريخية ليس مسئوليتي، خاصة عندما يحدث تشابه بين الشخصيات فى مثل هذه الواقعة".

صحيح أنه في كل أسبوع تقريبًا تقيم الهيئة العامة للكتاب معرضًا للكتاب بمحافظة جديدة، وعلى هامشه فعاليات ثقافية محدودة، لكن ربما لن نستطيع أن نقيم هذه الأنشطة إلا إذا اقتفينا الأثر التي خلفته أحلام الثورة، فنحن على الطريق العكسي تمامًا من البصمة التي تركتها فينا، وكانت قد أورثتنا زخمًا ثقافيًّا لا ينتهي؛ فرقًا موسيقية ورسامين وشعراء يقيمون فنونهم في الشارع، لم يحتاجوا إلى صرف هذه المليارات لتطوير وبناء صروح ضخمة، فعاليات بسيطة كان لها أثر قوى في الحراك الثقافي، فكيف استثمرت الوزارة المعنية هذا الزخم؟!

معرض القاهرة الدولي للكتاب كان واحدًا من المحطات الهامة التي يمكن من خلالها تقييم عمل وزارة الثقافة كلها، صحيح أن تنظيم المعرض استمر في الحفاظ على شكل عام جيد، بل استقطب المعرض جماهير جمة، وطوابير من الزائرين، لكن ماذا قدم المعرض لهؤلاء الزائرين كان سؤالنا في هذا التحقيق.

نرشح لك

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل