المحتوى الرئيسى

جدل الكتابة بالفرنسية والهوية بلبنان

03/13 22:45

يعود تاريخ اللغة الفرنسية في لبنان إلى القرن الثامن عشر حيث بدأ انتشار مدارس الإرساليات الأجنبية, وقد أثر واقع تفكك الإمبراطورية العثمانية وانتظار الغرب الفرصة المناسبة ليقضي على "الجسم المريض"، على نخبة من المثقفين اللبنانيين الذين استقروا في فرنسا هربا من الحكم العثماني.

وأخذ هؤلاء ينادون بالاستقلال عن الدولة العثمانية مطالبين بالدعم من فرنسا "حامية الحريات"، وفي عداد هذه النخبة أدباء حازوا على مكانة هامة في تاريخ الأدب الفرنكفوني, نذكر منهم شكري غانم ونجيب عازوري.

وقد شهدت الرواية اللبنانية إنتاجاً وفيرا باللغة الفرنسية، فبرزت أسماء عدة بينها فينوس خوري ­غاتا, وليلى بركات, وألكسندر نجار, وأمين معلوف, وغسان فواز وجاكلين مسابكي. وكانت الفكرة المشتركة التي تجمع بين هؤلاء الكتاب هي رفض الحرب, والإيمان بالإنسان كقيمة أساسية وبدور المثقف كداعية حوار بين الشعوب المختلفة.

وتنقسم الكتابة الشعرية الحديثة باللغة الفرنسية إلى تيارين: أولها ما يسمى بشعر التجربة, ونجده في أعمال ناديا تويني وأندريه شديد، أما الثاني فتغلب عليه النزعة الفكرية، ويتجسد خاصة في أعمال صلاح ستيتية وجاد حاتم.

ويعتقد البعض أن الكتابة بلغة أجنبية مرده الشعور بالدونيّة والقصور اللذين لا يزالان يسيطران على فريق ما، فالكتاب المكتوب بلغة فرنسية أو إنجليزية يُنظر إليه على أنه نفيس ومهم، وهي عقدة خطيرة يجب القضاء عليها.

ويؤكد في حديثه للجزيرة نت أن اللبنانيين بارعون في اتقانهم لأكثر من لغة لانفتاحهم على ثقافات العالم لا سيما الفرنسية منها منذ أوائل القرن العشرين وفي فترة الانتداب الفرنسي لاعتبارهم الخاطئ أن فرنسا هي "أمهم الحنون" وسوف تحميهم من خطر "العثمنة".

وأضاف "إنني مع الكتابة بأي لغة كانت شرط أن أنقل مشاعر ومعاناة أمتي ووطني وديني وانتمائي للغة الضاد، لذا فإن الخطورة الحقيقية تكمن في التحدث بلسانك والتفكير بلسان قوم آخرين، كما هو حاصل مع بعض الأدباء والشعراء والمفكرين اللبنانيين".

أزمة الثقة بالكاتب اللبناني الفرنكفوني والنظرة الاتهامية التي تقذف في وجه الفرنكفونيين يرد عليها أدباء هذا التيار بكثير من الاستهجان والرفض، وهو ما كانت تعبر عنه الشاعرة اللبنانية الراحلة ناديا تويني (1935-1983) بقولها "نحن متهمون بأننا نتاج جيل ترعرع تحت الاستعمار الفرنسي وبأننا صنيعة مدارس الإرساليات الأجنبية". 

وتوضح تويني في دفاعها عن فرنكفونيتها "إن اعتمادنا الفرنسية كلغة إبداع نتاج اختيار واعٍ وحر, ولا يعني قطعاً رفضنا لهويتنا اللبنانية والعربية, بل على العكس من ذلك, فنحن نسعى إلى بلورة هذه الهوية وإلى التأكيد عليها وتفعيلها عن طريق التعبير عنها باللغة الفرنسية التي تؤمن لها وسيلة لتعرّف عن نفسها أمام الشعوب التي يجمعها عشق الكلمات ذاتها والتي تدخل في علاقة أخذ وعطاء هي في الواقع الغاية العميقة من كل ثقافة".

وليس بعيدا عن ذلك عبّر أمين معلوف عن هذه الأزمة، حين فاز بجائزة غونكور -أرفع الجوائز الأدبية بفرنسا - عن روايته "صخرة طانيوس" الملتصقة بتاريخ المجتمع اللبناني في القرن التاسع عشر.

أما الأديبة والروائية اللبنانية هيام يارد -التي فازت بجائزة "فينيكس" للعام 2009، وتمنح إما لكاتب لبناني يكتب بالفرنسية وإما لكاتب فرنسي يكون لبنان موضوع كتابه- عن كتابها "تحت العريشة"، فتقول "الكتابة هي أن أكتب ذاتي, وأنقل تجربتي ونظرتي للحياة, إلى القرّاء, فأنا في وعيي أكتب باللغة الفرنسية التي أتقنها، إلا أنني أتنفّس ثقافتي العربية اللبنانية في اللاوعي، فأعبّر عن مخزوني المعيشي في الموت والغياب والجمال والحياة".

وتضيف  يارد في حديث للجزيرة نت "أنا أجعل الفرنسية لبنانية, لأنها تعكس لبنانيتي, أنا إمرأة عربية مئة بالمئة ولا أتنكّر لعروبتي إلا أنني أكتب باللغة الفرنسية, وخير دليل على ذلك ما جاء في آخر أعمالي وهو نصّي المفتوح للجدة على أحداث تاريخية كبيرة من حروب واجتياحات عاشها اللبنانيون إضافة إلى القضية الفلسطينية التي تهزّ العالم بأسره".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل