المحتوى الرئيسى

السوريون ما بين "القصف" و"اللجوء".. أحلام محطمة وطفولة مغتالة

03/13 12:36

بعد خمس سنوات على اندلاع حرب مدمرة في سوريا، تخلى ياسر عن مهنة احبها ليحمل السلاح، ووجد الفتى عثمان نفسه في ورشة سيارات بدل أن يواصل دراسته، وبدأ خالد من الصفر كلاجئ في بيروت حاملا معه حرفة صناعة العود، مثلهم مثل آلاف آخرين تحطمت أحلامهم.

قبل النزاع كان ياسر نبهان، (38 عاما) يمتلك محلا لتجارة الأقمشة في السوق القديمة الأثرية بمدينة حلب في شمال البلاد، لكنه اليوم يجلس خلف مكتب في حي سيف الدولة في الجهة الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة، يرتدي زيا عسكريا، وإلى جانبه بندقية، وجهاز لا سلكية.

ويروي لـ"فرانس برس"، "كنت أعمل في صناعة وتجارة الأقمشة في سوق المدينة التي تعد من أقدم أسواق العالم"، قبل أن تدمر بشكل شبه كامل في المعارك في حلب في نهاية 2012.

ويضيف ياسر، "لدي الكثير من الذكريات في سوق المدينة، لكن لم يعد بإمكاني دخولها، فالشوارع يرصدها القناصة، والقذائف تسقط بين الحين والأخر".

وبعدما تحولت الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس السوري بشار الأسد في 2011 إلى نزاع مسلح، حمل ياسر السلاح، وابقى التحاقه بالفصائل المقاتلة كقناص سرا في بادئ الأمر، مواصلا عمله.

ويقول "كنت أذهب إلى محلي في النهار، وعندما انتهي من العمل أذهب إلى إحدى الجبهات"، إلا أن حدة المعارك دفعته إلى "التفرغ للقتال".

وفي 2013، فقد ياسر ساقه اليمنى في معارك في ريف حلب الشرقي، وعندها "حصلت نقلة نوعية في حياتي حيث لم يعد بإمكاني القتال، وأصبح عملي في الجيش الحر إداريا" ضمن كتائب "فاستقم كما أمرت".

يعيش ياسر حاليا في منزله وحيداً بعدما ارسل زوجته وبناته الاربع قبل حوالى شهر الى تركيا مع اشتداد القصف والمعارك، وخشية حصار كامل يهدد الاحياء الشرقية.

يحاول ياسر قدر المستطاع ان يعيش حياة طبيعية، وبرغم ساقه الاصطناعية يقضي وقتا مع اطفال الحي في لعب كرة القدم.

يتذكر حياته السابقة ويقول "ما زلت افكر في مهنتي السابقة، فتلك الايام كانت من اجمل ايام حياتي، واذا ما انتهت الثورة ربما أعود لبيع الأقمشة".

أما آخر فيخرج من  حلم بالهندسة إلى ورشة سيارات، يخرج الفتى عثمان النجار (12 عاما) من تحت سيارة يصلحها في المنطقة الصناعية جنوب دمشق، يمسح يديه الملطختين بزيت السيارات وشحم المحركات التي يتعامل معها منذ خروجه مع عائلته من الغوطة الشرقية لدمشق قبل عامين.

تغيّرت حياة عثمان مع دخول النزاع عامه الثاني، حين اضطر إلى ترك مقاعد الدراسة والعمل مع شقيقه راشد (13 عاما ونصف) في ورشة للميكانيك.

ويقول لـ"فرانس برس"، "أشعر أنني كبرت، كنت قبل الأحداث أدرس وألعب، أما الآن، فوجهي بوجه محركات السيارات والزيت والشحم، هكذا أصبحت حياتي، وليس بيدي حيلة".

يبتسم عثمان، أو "أبوعيسى" كما يحبّ أن يُنادى عليه، بحسرة، موضحا أنه يعمل مع شقيقه في المحل ويعيشان مع والديهما وشقيقتيهما في "العلية فوقنا". ويقول "حياتنا كلها من الفرشة للورشة".

يجلس ابو راشد (43 عاما)، والد عثمان، في احدى زوايا الورشة، وقد اقعده المرض وبات عاجزا عن مزاولة عمل. يراقب عثمان بثيابه البالية وهو يحمل قطع الحديد لينظفها قبل إعادتها الى محرك السيارة.

يقول وقد غزا الشيب رأسه وذقنه "كنا نقطن قرية حتيتة التركمان في الغوطة الشرقية، فهجّرتنا الأحداث، وخرجنا إلى هذه الورشة".

يتنهّد أبوراشد، طويلا ويضيف "كان عندي في الغوطة معمل طوب للبناء وسيارة ومنزل ومضافة كبيرة، أما الآن فتحوّلت من رب عمل وصاحب معمل إلى عاطل عن العمل".

يتقاضى عثمان، أجرا أسبوعيا لا يتجاوز الألفي ليرة سورية (نحو 5 دولارات) يجمعها مع ما يتقاضاه شقيقه، ليؤمنا جزءا من مصروف العائلة.

يقول عثمان والدموع في عينيه "أتمنى أن أعود إلى المدرسة، وأن امتلك هاتفا جوالا، أتمنى أن يكون لدي لعبة بدلا من هذا الشحم الذي يغطي يدي".

ويتابع بوجوم، "كنت أتمنى أن أدرس الهندسة، وكنت أحبّ مادة الرياضيات، كنت أود أن أكمل دراستي".

وبين دمشق وبيروت، خالد حلبي (31 عاما)، هو من الشبان السوريين الذين غير النزاع أولوياتهم وأحلامهم، فانتقل من دمشق إلى بيروت حاملا معه حرفة صناعة العود الشرقي التي ورثها عن عائلته.

يقول خالد، وهو أب لطفلة، في غرفة تحت الأرض حولها مشغلا لصناعة العود في أحد أحياء بيروت الشعبية، "علمتنا الحرب القسوة، قسيت علينا الأيام كثيرا، كان كل شيء ملكنا، لم أكن أعرف معنى الإيجار، بيتنا ومعملنا ملكنا أما هنا، فأكد طيلة الشهر لا تمكن من دفع إيجار البيت والمحل".

تعمل عائلة خالد في صناعة العود منذ أكثر من 120 عاما في دمشق، ويخبر بحماس أن جدّه، وهو صانع آلات قانون ذائع الصيت وعازف على آلات موسيقية عدة، أهدى أم كلثوم عودا من القصب لا يزال موجودا في متحف خاص بها في القاهرة.

ويتذكر "معملنا كان في داريا، وإنتاجنا كان جيدا بالنسبة للسوق السورية، لكن عندما بدأت الازمة لم يعد بإمكاننا الوصول إليه، أتيت منذ عامين إلى لبنان، هنا اتقدم ببطء لكنني أحاول أن أبني نفسي من جديد".

وبعدما كان إنتاج المعمل في داريا، المدينة المحاصرة من قوات النظام في ريف دمشق، يتراوح بين 50 و75 عودا شهريا، لم يعد انتاج خالد يتجاوز العشر قطع شهريا في بيروت حيث يعمل وحده مع صديقه خليل، اللاجئ من حلب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل