المحتوى الرئيسى

نهاية الجامعة العربية

03/12 16:07

في إجراء غير مسبوق، قرر الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الاكتفاء بمدة واحدة في منصبه، ولم يسع للبقاء خمس سنوات أخرى كان سيشهد خلالها غالبا المزيد من التفكك والانهيار للدول العربية التي أطلقت هذه المنظمة الإقليمية في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي.

لم تكن هذه المنظمة فاعلة في يوم ما، ودائما ما تحكمت فيها، كما كل المنظمات الحكومية، إرادة الأنظمة الحاكمة المشاركة فيها بكل ما بينها من نزاعات وحروب وضغائن تاريخية. واعتدنا التندر والاستهزاء بالبيانات التي تصدر عن اجتماعاتها وقممها والتي كانت تخلو من أية قرارات عملية وتكتفي بعبارات الشجب والإدانة الإنشائية. وكان الشيء المسلي الوحيد في القمم العربية متابعة خطابات بعض الزعماء العرب، وخاصة العقيد القذافي، وما قد يتفجر أحيانا من خلافات علنية وتبادل للسباب والشتائم.

ولكن السنوات الخمس الأخيرة، شهدت تدهورًا غير مسبوق في أداء الجامعة، وذلك بعد انهيار عدة دول عربية بارزة كانت تقوم بأدوار مؤثرة في نظام عربي جامد، كالعراق وليبيا وسوريا واليمن. ومصر تعيش في حالة من الفوضى تغير معها أربعة رؤساء في خمس سنوات بعد أن مكث مبارك ثلاثين عاما كاملة في الحكم، ولم يعد للقاهرة القدرة على لعب دور مؤثر في أي من النزاعات العربية المشتعلة. ورغم أن دول الخليج، صغيرة وكبيرة، ظنت أن حالة الفوضى في المنطقة ستسمح لها بأن تكون صاحبة القرار، فهي أيضا لا تخلو من المشكلات الداخلية، والنزاعات الطائفية الممزوجة بخوف متنامٍ من القوة الإيرانية المتضخمة.

وتخلت الجامعة تمامًا عن أي دور محتمل لتسوية الحروب الجديدة المتفجرة في المنطقة العربية، وتراجع تماما الاهتمام بدعم القضية الفلسطينية التي كانت دائما ما تشكل المادة الأولى والدائمة على قائمة جدول أعمالها. وأصبح الوزراء والقادة العرب يعقدون اجتماعاتهم لكي يناشدوا الولايات المتحدة والدول الغربية التدخل لغزو العراق، أو لضرب ليبيا، أو للتدخل للإطاحة بالأسد في سوريا ولإنهاء الحرب في اليمن. غالبية الأنظمة التي تولت حكم البلاد العربية بعد أن كافحت شعوبها للتخلص من الاستعمار، أصبحت هي التي تترجي وتغضب لعدم رغبة الاستعمار في العودة لاحتلال بلادنا مرة أخرى، فترسل الولايات المتحدة والناتو قوات لحفظ السلام في العراق وإنهاء الحروب في ليبيا وسوريا.

وبدلا من أن تستفيد مصر من مكانتها التاريخية في الجامعة العربية، باعتبارها دولة المقر والتي يأتي منها الأمين العام، قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يعيد للحياة شخصية دبلوماسية تنتمي لعهد الرئيس المخلوع مبارك قلبا وقالبا، ليقدمه كمرشح مصر لشغل منصب الأمين العام الجديد. بالطبع الأمر ليس شخصيا، والسيد أحمد أبوالغيط ترقى في مدرسة الخارجية المصرية الوطنية التي تخرج منها بعض من ألمع رموز الدبلوماسية في العالم العربي. ولكن انتماءه لحقبة الحكام العرب المسئولين عما وصلنا إليه من انهيار، وعداءه البالغ لثورات الربيع العربي التي رأى فيها كرئيسه السابق مؤامرة أمريكية غربية، تطرح تساؤلات حقيقية حول ما إذا كان هو الشخص المناسب لتولي هذا المنصب.

عمل السيد أبوالغيط بإخلاص مع مبارك خلال السنوات السبع الأخيرة من حكمه، تراجع خلالها تماما دور الخارجية المصرية وسلمت كل ملفاتها تقريبا لرئيس جهاز المخابرات الراجل اللواء عمر سليمان، والذي كان مسئولا عن ملف السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، والسودان وليبيا. وتفرغ العديد من السفراء في الدول الهامة والمؤثرة، كالولايات المتحدة وأوربا، ليس لخدمة المصالح المصرية، ولكن لخدمة أغراض استقرار مبارك والتمهيد لمشروع التوريث، بناء على توجيهات السيد أبو الغيط. وكانت السفارة المصرية في واشنطن تقوم باستئجار شركات العلاقات العامة الأمريكية للترويج لجمال مبارك، وترتيب مواعيد له مع أعضاء الإدارات الأمريكية في عهدي جورج دبليو بوش وأوباما، وكذلك نواب الكونجرس ومجلس الشيوخ وللتحدث أمام مراكز الأبحاث، وبالطبع كانت الأموال تخرج من ميزانية الخارجية، وليس من جيب السيد جمال ووالده.

وإذا كان الأمين العام نبيل العربي سيخرج من منصبه بعد أن حدث خلل في نظام عقد اجتماع قمة سنوي للقادة العربي، بعد أن اعتذرت المغرب عن استضافة قمة هذا العام التي كان مقررًا لها أن تعقد الشهر الحالي، فمن غير المتوقع أن يتمكن الأمين العام الجديد من استعادة الحد الأدنى من التواصل بين الحكومات العربية المتنازعة، وذلك لأنه محسوب على نظم الخليج التقليدية ومواقفه معروفة في عداء إيران ودعم التطبيع مع إسرائيل.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل