المحتوى الرئيسى

قوات الأمن تهدم منازل فارغة منذ عامين.. وتجارة الكيف مستمرة ويعمل فيها سودانيون وفلسطينيون.. وأجرة الفرد فى اليوم 1000 جنيه

03/12 11:20

عيون شاخصة وأخرى زائغة، تتفحص الغرباء، تبدل الحال فى القرى اختفت «دواليب» المخدرات وهرب التجار بعد مداهمة الشرطة لمنازلهم، ولكن يؤمن أهل قرى المثلث الذهبى أن المواجهة لن تطول، وأن الحال سيعود لما كان عليه، وأن الوجود الأمنى مؤقت، حسب اعتقادهم، ولن تنجح الشرطة فى القبض على كبار التجار الذى يتخذون من أشجار الجوافة والرُمان دروعاً تحميهم.

قبل 10 سنوات كانت أصوات طلقات نارية تصدح فى الأفق، الجميع يهرولون إلى منازلهم، خبر تبادل إطلاق النيران بين عصابة «أحمد أدهم» والشرطة، بقرية كوم السمن، أحد أهم أضلاع المثلث الذهبى، انتشر كالنار فى الهشيم، حتى خرجت جثة الرجل الذى كان ملء السمع والبصر فى القرية، مضرجاً فى دمائه، ولكن كانت المفاجأة هى قتله وإلى جواره أحد ضابط الشرطة ومبلغ مالى كان يقدمه كرشوة لتسهيل عمليات تجارة الموت، مشهد لم يغب عن مخيلة «ح. ع»، ورسخ لديه قناعة دائمة أن «عمليات الاتجار بالمخدرات فى قريته الجعافرة وقرى المثلث الثلاث، تعمل تحت أعين الشرطة وبرضاها، وبتواطؤ من ضباطها».

الرواية التى يقصها «ح»، دفعته للإيمان بأن الحملة الأمنية العنيفة التى تقوم بها قوات الشرطة الآن بعد مقتل 2 من ضباطها ما هى إلا «مسرحية»، ستنتهى آجلاً أم عاجلاً، وسيعود «الدكش» وكبار تجار المخدرات الفارين مرة أخرى، ليعيدوا الكرة، ويشيدوا من جديد «قلاع» وفيلات بدلاً من التى هدمتها قوات الشرطة: «فلوسهم كتير ويقدروا يبنوا بدل الفيلا عشرة، وكل اللى بيحصل ده مش فارق معاهم»، مشيراً إلى وجود الحملة الأمنية منذ عامين فى قرية الجعافرة، وتجارة المخدرات مستمرة دون هوادة، بجانب حضور «الدكش» أحد أكبر تجار المخدرات، الذى قتل أحد الضباط قبل أيام من جنازة والده التى أقيمت بالقرب من منزله المتاخم لمقر استقرار الحملة الأمنية. ويشير الشاب الثلاثينى إلى أحد المصارف الزراعية، الذى يقع خلف القرية «الرشاح»، ويقول إن آخر جرافة قررت توسيع مجرى المصرف لم تكن تخرج أسنانها طمياً بل جثثاً وأشلاء، تلك هى المقبرة التى يلقى فيها كل من يقرر أن يدفع بنفسه للتهلكة ويقف فى وجه تجار الموت، قائلاً: «اللى بتسمعوه عن المثلث مايجيش واحد فى المية من الحقيقة، هنا الموت أسهل من أى شىء ممكن تتخيله، وتمن الرصاصة عندهم أرخص كتير من تمن شمة البودرة».

ليست الحملة الأولى، ولن تكون الأخيرة، يقولها «ح» مؤمناً بأن تجارة المخدرات أصبحت جزءاً من المثلث الذى يصفونه بـ«الذهبى»، فالجميع يعيش من ريعها فمن لا يعمل بها، يعيش على البيع والشراء لمن تجلبه من غرباء إلى القرية.

أصوات الهدم فى القرية لم تتوقف، تتحرك الحملة الأمنية بقوة نحو فيلات «الدكش» وأسرته المعروفة باسم عائلة «البكالشة» لا تبقى ولا تذر، ليس «الدكش» وعائلته وحدهم الذين يتاجرون فى المخدرات، ولكن هناك أمين موسى الهارب، تقول «ل. ق» سيدة عجوز، إن أمين موسى كان يعمل سائقاً لدى أحمد أدهم، أكبر تجار المخدرات، الذى قُتل عام 2006. تقطن الجعافرة ثمانى عائلات كبرى، يعمل ثلاث منها فى تجارة المخدرات، «البكالشة» التى ينتمى إليها الدكش والمعروفة أسرته بأولاد حافظ أمين، وهو أحد كبار تجار المخدرات، وأمين موسى، والعمامرة، وهم تجار جملة، و«كوريا» المنتمى لعائلة ولاد الغريب.

«س. ح»، شاب ثلاثينى، من شباب القرية، يقول إنه منذ زمن دخلت المخدرات القرية، ويقدرها من الأربعينات، فمنذ ولادته ويعرف أن القرية تعج بتجار المخدرات، تربى على مشاهد أوكار التعاطى داخل مزارع بين أشجار الجوافة والرمان، الكثير من أصدقاء الدراسة تسربوا للتعليم وحملوا الأسلحة وانضموا للعصابات، وآخرون أنهوا تعليمهم لينضموا لطابور من الواقفين على جانبى طرق القرية ينتظرون الغرباء لبيع الحشيش والبودرة، وجميع ما يمكن أن تتخيله. يقول «ح»، الذى يعمل فى إحدى المصالح الحكومية، إن من يعمل من أهل قرى المثلث مع تجار المخدرات، هم أبناء العائلات الفقيرة، والضعيفة، لكى يكون لهم «ضهر» يستندون إليه، ويعتمد تجار المخدرات حسب روايته على عدد كبير من السودانيين والفلسطينيين، حيث تصل أجرة الفرد فى عصابة «الدكش» على سبيل المثال إلى 1000 جنيه يومياً، سواء من يحملون السلاح لحماية «دواليب» المخدرات بين أشجار الجوافة، ومن لا يعمل بشكل مباشر من أهل القرية فى بيع وتأمين المخدرات، يعملون فى المتجزئة داخل مخازن التقطيع والتفريغ، بخلاف «المخزنجية»، ممن يتكفلون بوضع المخدرات فى منازلهم مقابل مبلغ مالى متفق عليه: «يصل دخل كل عصابة يومياً إلى 200 و300 ألف جنيه على أقل تقدير». يقدر «ح» أن أكثر من نصف أهل قرية الجعافرة، يعملون مع العصابات، حيث يصل عدد أهل القرية إلى 18 ألف نسمة، وأكثر من 90% من أراضيها تزرع بأشجار الجوافة، والمشمش والرمان، التى تستخدمها العصابات كستار ودروع لا تستطيع الشرطة تجازوها، فمجرد أن يحين الليل مستحيل أن يخترق رجال الشرطة الظلام الدامس الذى تغرق فيه تلك الأراضى الشاسعة.

فى شارع الترعة، حيث تستقر فيلا «الدكش»، إلى جوارها أخذت قوات الشرطة فى هدم منزل «راندا» حافظ شقيقة «الدكش»، تحت حماية عدد كبير من أفراد القوات الخاصة، والأمن المركزى، الجميع على استعداد، الأسلحة مشهرة، الأعين شاخصة، يمر أحد أمناء الشرطة على الجنود، يحذرهم قائلاً: «كله يركز، الدنيا ممكن تتقلب فى ثانية علينا».

فى رفقة الحملات الأمنية التى تدك قلاع تجار المخدرات، عدد من العاملين فى الوحدة المحلية، أحدهم يرتجف من الخوف حينما يتذكر إمكانية انتهاء الحملة دون الوصول لـ«الدكش» وكوريا، ويقول مرتعشاً: «ديه تبقى مصيبة علينا كلنا»، فالرجل الذى يدعى «ى. ى» يقول إنه بمجرد انتهاء الحملة دون القبض عليهم، سيعودون للقرية والانتقام من كل من شارك فى هدم منازلهم: «هيقتلونا كلنا وأول حد هييجوا عليه بتوع الوحدة المحلية، وإحنا مش قدهم». يقول «ى» بعينيه الزائغتين، والحروف التى تخرج بالكاد من بين أسنانه، إن جميع المنازل التى تهدمها الحملة، هى فارغة وخاوية على عروشها منذ عامين، تركتها عصابات المخدرات وفرت نحو المزارع، التى تتخذ منها ستاراً وحماية، وإن عمليات الإزالة تتم لعدم وجود موافقات بناء على الأراضى الزراعية، مما يجعل تلك المبانى مخالفة وصدرت لها قرارات إزالة سابقة لم نكن نستطيع تنفيذها ولكن اليوم تنفذ تحت حماية الحملة الأمنية. أسلحة مضادة للطائرات، وجرينوف، ومدافع رشاشة «غربى»، أوروبية الصنع، كلها أسلحة يشير الرجل إلى إنها بأيدى العصابات، التى أخذت فى بناء تلك الفيلات والمنازل والقصور شاهقة الارتفاع بعد ثورة 25 يناير، حيث فروا من السجون خلال عمليات فتح السجون، وعادوا إلى «الجعافرة» وأخذوا فى تشييد تلك القصور، التى اتخذوا منها مكاناً آمناً لتخزين السيارات المسروقة، حيث أصبحت المنطقة بعد الثورة أكثر الأماكن التى تتجمع فيها السيارات المسروقة من كافة أنحاء الجمهورية، وهى المهنة الجديدة التى عمل بها تجار المخدرات فى الجعافرة بعد الثورة، وفى ظل الغياب الأمنى.

الرجل الخمسينى، يقول إن بعد قتل كوريا لضابط شرطة ومن بعده الدكش «الروس اتساوت»، حيث يتفاخر كبار تجار المخدرات فى القرية بما قتلوه من ضباط الشرطة، مشيراً إلى قتل أمين موسى لضابط شرطة قبل الثورة، وتبعه فى ذلك التقليد «الدكش وكوريا»، ويتذكر الرجل حين اشتعلت الحرب بين الثلاثة، فظهرت جميع الأسلحة التى كانوا يخبئونها، وهرب الفقراء من الأهالى للمنازل يحتمون بها، فى ظل تلك الحرب الضروس، التى استمرت لشهور، قبل أن يتدخل بعض العقلاء لينهيها. «عربية مقابل شمة بودرة»، يبدو الثمن زهيداً ولكن بالنسبة، حسب رواية «م. ا»، هى طريقة التعامل مع متعاطى المخدرات بعد الثورة، الذين كانوا يتوافدون على القرية لتسليم العربات المسروقة للدكش وكوريا والعاملين فى المخدرات، حتى أصبحت القرية تضج بمخازن السيارات المسروقة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل