المحتوى الرئيسى

"الكاسكيطة" حلم يراود طلاب الجزائر ويبعدهم عن المدارس.. 500 ألف عدد المتسربين سنوياً

03/12 05:06

مراد عاشوري(31 عاماً) شاب جزائري اختار صفوف الشرطة بدلاً من مواصلة الدراسة عندما اقتنع بأن سنوات الجامعة - كما قال لـ"هافينغتون بوست عربي" - مضيعة للوقت، تنتهي في الغالب بنيل شهادة أقل ما يمكن وصفها بـ"شهادة البطالة".

ويضيف مراد: "كنتُ من المتفوقين في الدراسة، وحصلتُ على شهادة البكالوريا (الثانوية) بمعدل 12 من 20، وهو معدل كان يتيح لي اختيار دراسة عدد من التخصصات بالجامعة، لكني اخترت ترك الدراسة ودخول سلك الشرطة".

واستدرك بالقول: "بعد 4 سنوات من الخدمة، أنا حالياً متزوج وأب لبنت، وبراتب شهري محترم، في وقت لا يزال البعض من زملائي بالجامعة".

وعلى طريقة مراد اختار لواتي عامر(28 عاماً) ترك الدراسة وهو في السنة الثانية من التعليم الثانوي، والانخراط في صفوف القوات البحرية الجزائرية.

عامر قال لـ"هافينغتون بوست عربي": "تركت الدراسة وانضممت للجيش قناعةً مني بأن فرص العمل في الجزائر بالشهادة الجامعية ضئيلة جداً إن لم أقل منعدمة، فلدي أخوان يملكان شهادتين جامعيتين، الأول في العلوم الاقتصادية، والثاني في الإعلام والاتصال، وقضيا أكثر من 3 سنوات دون عمل".

لذالك اختار عامر "الكاسكيطة"، كما سمّاها، بدل "تضييع الوقت واكتساب شهادة لا تستطيع حتى ضمان دخل شهري محترم".

ويطلق الجزائريون مصطلح "الكاسكيطة" على أجهزة الجيش والأمن وحتى الجمارك وحرس الحدود والحماية المدنية، في دلالة على القبعة أو "الكاسكيطة" التي يرتديها عناصر تلك الأجهزة كجزء من الملابس الرسمية.

ويؤكد المتحدث أن 7 ممن كانوا معه في القسم بالثانوية اختاروا نفس الطريق، وكلهم أبناء عائلات ميسورة الحال، فالدراسة "لا تزيد سوى أعباء ومصاريف إضافية"، حسب تعبيره.

حسام بن كريم، شاب جزائري في الـ22 من عمره، تم طرده من المدرسة الثانوية التي كان يدرس بها شرق العاصمة، بعد الحظ الذي عاكسه في نيل شهادة البكالوريا.

حسام أصيب نهاية العام الماضي بانهيار عصبي حاد، أرغمه على دخول مستشفى متخصص، ودامت فترة علاجه ما يزيد على الشهرين.

الدكتور السعيد بولامة الذي أشرف على علاجه أكد لـ"هافينغتون بوست عربي" أن الانهيار العصبي لبن كريم جاء نتيجة المصير المجهول الذي كان يتوقعه المريض، بعدما بات بلا مشوار دراسي، ولا مستقبل عسكري، بعد أن رُفضت جميع طلباته للانخراط في المؤسسة العسكرية، وترافق ذلك مع انعدام فرص عمل توفر له حياة كريمة.

ونتيجة للتفكير الزائد في حال أسرته الفقيرة والمكونة من 8 أفراد، أصبح البحث عن المستقبل بالنسبة لبن حسام أولى من كل شيء، لاسيما أن الوالد كان يعمل في أعمال غير مستقرة، وكان هذا كله سبباً في هذا الانهيار العصبي، بحسب الطبيب.

رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي في الجزائر، مصطفى خياطي، أكد أن الأرقام التي بحوزة الهيئة بشأن التسرب المدرسي في الجزائر "مرعبة جداً"، وتدعو إلى "القلق الكبير".

خياطي أكد في حديثه لـ"هافينغتون بوست عربي" أن عدد المتسربين من المدارس الجزائرية في الأطوار الثلاثة، ابتدائي ومتوسط وثانوي، بلغ خلال السنوات الماضية 500 ألف تلميذ سنوياً.

وأوضح رئيس الهيئة أن النسبة الكبرى من هؤلاء تسرّبوا في المرحلة الثانوية؛ إذ تكون للتلميذ حرية الاختيار، ويصبح متحرراً من قيود الأسرة من جهة، وكذلك عجز المدارس الثانوية عن ضم العدد الكبير من طلاب هذه المرحلة من جهة ثانية.

ولم يُخفِ المتحدث قلقه الكبير من كون الظاهرة باتت مؤخراً تطرق أبواب المدارس الابتدائية، بتسجيل حالات مرتفعة نسبياً للتسرب، وهو ما يعني ارتفاع نسبة الأمية لو بقيت الأوضاع على حالها.

يعتبر خياطي أن أغلب حالات التسرب المدرسي التي تم تسجيلها في الجزائر كانت "بلا خيار"، وأصحابها طُردوا من المدارس بسبب الرسوب وإعادة السنة الدراسية أكثر من مرة، أو ربما لبعض الأخطاء المرتكبة بحرم أو محيط المؤسسات التربوية.

ويرى رئيس الهيئة أن في بعض حالات التسرب المدرسي يكون الطالب هو سيد القرار، إذ يختار في الغالب طريقاً غير الدراسة، كالعمل أو الهجرة أو الانخراط في صفوف الجيش الجزائري، لكن في حالة الشاب حسام كان بُعده عن المدرسة بالإكراه، فالطالب كان ينوي المحاولة مرة أخرى في اجتياز امتحان شهادة البكالوريا، لكن إدارة المدرسة الثانوية التي كان يدرس بها رفضت ذلك بسبب إعادته الشهادة مرة واحدة.

بُعد المؤسسات التربوية عن المجمعات السكنية في المناطق النائية بالجزائر ساهم في ارتفاع نسبة التسرب المدرسي، خاصة بالنسبة للجنس اللطيف، وبالتحديد في الانتقال من المرحلة المتوسطة إلى الثانوية، أو مرحلة الحسم نحو الجامعة، بحسب رئيس جمعية لأولياء الأمور.

ويؤكد بن زايد رضا، رئيس جمعية أولياء التلاميذ بثانوية العربي بن مهيدي بباتنة (شمال)، أن هناك متفوقات بالمرحلة المتوسطة "طلّقن الدراسة مبكراً" وحُرمن من بلوغ الثانوية بسبب أفكار أوليائهن بعدم ترك البنات يتنقلن مسافات بعيدة بغرض مزاولة الدراسة.

ويضيف رضا في حديثه لـ"هافينغتون بوست عربي": "على الرغم من اجتهاد الدولة في توفير النقل المدرسي من القرى والمناطق البعيدة نحو المؤسسات التربوية، إلا أن هناك أولياء تلاميذ لا يزالون يمنعون انتقال بناتهم نحو الثانوية بداعي التقدم في السن، ونفس الصورة تنطبق على بعض الناجحات في البكالوريا".

ويذكر في هذا الصدد مثالاً للطالبة صونية مسلم التي حصلت على معدل 15 من 20 في امتحان البكالوريا دورة يونيو/حزيران 2015، وحُرمت من دخول الجامعة بسبب والدها الذي قرر إبقاءها في البيت وتزويجها.

ويؤكد رضا وجود العشرات من الطالبات بقين في البيت بسبب بُعد سكنهم عن الثانويات التي يدرسن بها، خاصة بالمناطق الجبلية والصحراوية، حيث يفضل الرجل مكوث ابنته بالبيت وتزويجها بدل تحويلها إلى المؤسسات التعليمية.

يرى سعيد بن سالم، المفتش العام بوزارة التربية الجزائر، أن الحكومة قدمت كل التسهيلات والتحفيزات من أجل خلق مجتمع متعلم من خلال توفير المؤسسات والكادر البشري مع تقديم الخدمة بشكل مجاني، بل وبدعم المعوزين كما قال بمنحة سنوية لاقتناء الأدوات المدرسية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل