المحتوى الرئيسى

الزرع والحصاد والاختيار

03/11 22:30

يستطيع الذين يعيشون وسط الزراعات أن يتوقعوا إن كانت هذه الأرض -أى أرض- صالحة للزراعة وقابلة لإنماء المحاصيل ببعض الجهد وتوفير الماء أم لا، مثل هذه الأرض لو وصلتها قطرات من ماء أو مطر تنمو فيها نباتات عشوائية متناثرة، نموها فى تربة ما يعنى أن بهذه الأرض قدراً ضئيلاً أو كبيراً من العناصر الغذائية اللازمة لحياتها.

وهذه العناصر هى أساساً النيتروجين والفوسفور والكالسيوم ثم عناصر صغرى أخرى، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالاعتماد على التوقعات والآراء وخبرة (الداية) فقط قد يكلفنا من الوقت والجهد والمال الكثير، دون أن يعطينا العائد المجزى لما تم إنفاقه، وأظن أن بلادنا الصابرة أوقعها مديروها فى مثل ذلك من مشاريع فى الزراعة وغيرها أمس واليوم، ولهذا يصير من الضرورى والحتمى استخدام العلم وتطبيقاته الحديثة على مثل هذه الأرض بإجراء تحاليل للتربة لمعرفة العناصر الكيميائية المتوفرة فيها ونسبتها وأى المحاصيل أصلح للزراعة فيها.

الأهم من ذلك هو اختيار القائمين على إدارة العملية من ذوى الخبرة والعلم فى طرق الزراعة القديمة والحديثة، حيث إن كل الأراضى ليست صالحة لتطبيق الطريقتين، وفى قدرتهم على انتقاء البذور واختيارها بما يناسب الجو والتربة، واختيار التوقيت المناسب للزرع والحصد ووضع المغذيات، وكذا درايتهم بطرق استخدام وتوزيع المياه، واكتشاف الآفات والديدان وأمراض النبات بمجرد ظهورها بل عليهم توقع ظهورها واتخاذ سبل الوقاية قبل الظهور لزيادة المحصول. إن المشاهد العابر يستطيع من خلال رؤيته للزرع أن يميز الفرق بين علم وكفاءة مهندس زراعى وآخر فى الحقول المجاورة أو بين فلاح وآخر ويستطيع من خلال اخضرار زرعهم ونموه المطرد باستمرار وقلة أمراضه وإصاباته ومن جملة ثمارهم القول إن هذا الزارع كفء وناجح وخبير أو أنه عكس ذلك!

هل يحتاج الأمر جهداً كبيراً أو عقلاً فذاً للمصرى ليدرك أن هذا زرع خائب وهذا زرع نافع، حتى إن كانت هناك ظروف ضاغطة؟ المزارع الناجح لا الآفات ولا الديدان ولا الحشرات قرصته أو قرصت زرعه، ولا نقص عناصر تربته نال من علمه وقدرته على تعويضها وإحلالها، ولا الطقس الجوى وتقلباته استطاع مغالبته هو وحقله إلا فى الشديد القوى الذى يعم أثره على الجميع رغم الاحتياطات اللازمة، إنه سبَّاق وخبير وإدارى، ولذلك يستطيع المرء أن يقول من أعمالهم تدركونهم ومن ثمارهم تعرفونهم.

فإذا اكتشفت حالة أرضك وزرعك منذ بدايته أو منتصفه أن نموه ضعيف وأوراقه تتساقط باستمرار، والباقى منها يطرّد اصفراره وذبوله وتنخفض قيمته وقدره مقارنة بالمزروعات الأخرى ثم إنك بعد مراجعة العمل والوقائع والنتائج لا تتوقع توقف ذلك التدهور، فهل تضيع مزيداً من الوقت وقد خبرت وعرفت حال من يدير أرضك وزراعاتك؟

ترى كل يوم دستور وقوانين وعلوم الزراعة تُنتهك بدعوى أن الجراد محيط والديدان متربصة والآفات الوحوش واقفة لتلتهمك أنت وزرعك، فهل أنت تريد حارساً لحقلك وأرضك وزرعك ومالك أم أنك تريد من يدير لك وينتج معك؟ وهل عمل هذا كذاك؟ أنت بالقطع وباليقين حر فى اختياراتك ومسئول عنها وعما ينجم ويتولد منها، وجودك يتحدد باختيارك، تصغر أو تكبر، تعظم أو تهان، تنمو أو تهزل هو اختيارك، حيث تختار لنفسك وتضعها تكون.

ربما لا تملك -فى حقيقة الأمر- أرضاً ولا زرعاً ولا موطئ قدم فى أوتوبيس عام، ولكن الأرض والزرع والأوتوبيس هى منك ولك وإن لا تدرى.

أنت تملك وطناً، أنت مهزوم ومنتكس وحزين ومُحتقر حين هُزم، وأنت الفخور والفرح والقوى حين انتصر، أنت الفقير المحتاج المُهان الأصفر طالما هو فقير وأصفر وأنت الغنى إن هو اغتنى، أنت الحر كالفضاء الصافى والهواء والطير إن كان هو حراً وأنت السجين طالما هو محصور ومحسور.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل