المحتوى الرئيسى

شقائق الرجال

03/11 11:38

أكتب اليوم ردًّا على أشياء استفزتني لا أستطيع تأجيل التعبير الذي ينفّس عن حنقي وغضبي اتجاه ما رأيت أو سمعت، وغالباً ما تكون ناتجة عن تراكمات آراء غبية تجول بأفكار أناس ينشرونها لتتلبس الجمهور غير الواعي الذي يلتقط بلا تحليل ولا منطقية.

ما أثار قلمي للكتابة ليس الدفاع عن المرأة بحد ذاتها، لكي لا توضع في قالب الضحية مسلوبة القوى الضعيفة المغلوبة على أمرها، وإنما لتوضيح بعض الأفكار وردع البعض الآخر الذي يجول في المجتمع الذكوري ويسلم به من طرف الكثير، والكثير هنا يصف الجمهور الذي ذكرته سابقاً غير الواعي وغير المثقف- (الثقافة لا تعني بالضرورة الدراسة والدبلومات المتراكمة أو المعلقة بغرف بيوتكم فأغلب من ناقشتهم وتبين لي تحجر عقلهم الذي يقر بدنو المرأة ككائن لا يتساوى وإياه في الحريات والحقوق والواجبات، حاملون لدبلومات عليا للأسف).

الخطير أعزائي لا يكمن هنا، الخطأ الجسيم يتجلى في ربط الافكار التي تقر بدنو المرأة وحصرها في مجال ضيق بالإسلام، وهذا السبب الأول الذي جعل قلمي يأبى السكوت وأيقظه من سباته.

رأيت أحد الشيوخ في أحد الفيديوهات المترجمة -وياللعار!- بالإنجليزية يدعو مستدلًّا بإحدى الآيات لضرب المرأة ويقول "ولن نستحي أمام أمم الأرض في أيام جهلها أن نقر بأن الضرب من شريعتنا، ومن النساء من لا تستقيم الحياة معها إلا والعصا على عاتقها.."وآخر يقول في حوار له بإحدى القنوات السلفية الدينية، إن العصا تكريم للمرأة..

كل هذا الحقد والتشويه الساذج لرؤية الإسلام للمرأة جعلني أتذكر احتقار الأديان الأخرى لها بعد تحريفها، فنجد مثلاً اعتبار المرأة من طرف الكنائس الكاثوليكية كالخادم بلا روح، خُلق ليخدم الرجل فقط، عندما يموت لن يتعدى الملكوت أبداً، وقد كتب أحد الحاخامات يقول "هناك أربع خصائص للنساء فهن شرهات، ومتصنتات وكسولات وغيورات، وهن أيضاً كثيرات الشكوى وثرثارات". زيادة على عدم الاقتراب من المرأة الحائض ومجالستها حتى على مائدة الطعام كأن بها مرضاً خطيراً معدياً.

وبعيدا عن النقاشات اللاهوتية نرى نصيب الملحدين أو غير المؤمنين بأي ديانة لاهوتية من الإذلال والاستخفاف أمثال فرويد القائل بأنها لاتصل إلا لإشباع الرغبات، وشوبنهاور القائل بأنها حيوان بليد الفكر، وقول داروين في كتابه أصل الإنسان ص326: "المرأة أدنى في المرتبة من الرجل وسلالتها تأتي في درجة أدنى بكثير من الرجل".

وقال: "المرأة لا تصلح إلا لمهام المنزل وإضفاء البهجة على البيت فالمرأة في البيت أفضل من الكلب للأسباب السابقة".

_في خضم هذه الرؤى الغبية -المنعكسة من فكر بليد مريض نفسيًّا يبلور كل الافكار حول شيء واحد وهو الجنس، لم تكن المرأة سوى أداة لتفريغ الشهوات!

جاء الاسلام مكرماً لا مهيناً للمرأة، فجعلها شقيقة الرجل وساواها منزلة معه حقوقاً، بل ورفعها ورفّعها عن بعض واجباته وجعلها ناقصة فيها، وهو أصل الحديث "ناقصات دين" حيث إننا لا نؤدي الفرائض يوم نحيض، فنأخد عطلة لنستريح لا يحلم بها إخواننا من الجنس الآخر.

جاء أعظم الخلق في زمن وأدت العرب فيه الفتيات "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ" ظهر كالنور ليبين للجميع أن المرأة ليست سوى كائن خلقه الله فأحسن خلقه، وُجد ليعيش لنفسه ولذاته مع الآخرين وليس من أجلهم.

ومن القصص التي تبين معاملته الرائعة مع زوجاته ونساء العالمين الكثير، ومن الروايات التي تدل على عمل المرأة وتعلمها ما يجعلك عزيزي الرجل صاحب الأفكار السوداوية ضد النساء اللاتي خرجن لينافسن الرجال وتفوقن بجدارة، ما يجعلك تخجل من مواقفك وأقوالك التي تقرنها بالإسلام، وتكريماً لكِ عزيزتي في كل يوم وليس ليوم واحد فقط سأعرض بعض العالمات المسلمات في عصر سمي بالعصر الذهبي للإسلام ولم يكن ذهبيًّا لولا فهمهم العميق للإسلام الذي ساوى بين الجنسين وأوصى بالعلم وفرضه على المسلم كان أنثى أو ذكراً في حديثه عليه أزكى الصلوات والسلام:"طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة "

عصر كان فيه المجتمع كالصرح يضمن تماسكه بتكامل أفراده، أعطى للمرأة الحق في أداء دورها خالصاً من التقاليد البالية، فمكنها من الاختيار لسلوك سبل العلم والمعرفة القيمة.

عاشت في القرن العاشر والحادي عشر وهي ابنة عالم الفلك الأندلسي العظيم مسلمة المجريطي، وبدأت رحلتها العلمية عندما وجد أبوها ذكاءها واهتمامها بالعلوم الفلكية واهتمامها بالرياضيات، فدربها وعلمها، حتى وجد أنها تصلح لتكون شريكة في البحث العلمي، عملت مع والدها على التحقيقات الفلكية والرياضية وقاما معاً بتحرير وتصحيح "الجداول الفلكية للخوارزمي" والتي ما تزال موجودة إلى اليوم في مدريد وقاما بمشروع مشترك آخر وهو كتاب يدرس عمل الأسطرلابات.

شهدة بنت أحمد الإبري الدينوري

محدثة- فنانة- كاتبة، توفيت ببغداد عام1178م، كانت شهدة راوية للحديث سمع عنها خلق كثير وكان لها علم واسع بالحديث، حتى ذاع صيتها، واشتُهر ذكرها وسميت بمسندة العراق وحدّث عنها خلق كثير وكانت تجيز الرجال في الفقه.كما أنها أنشأت بمالها في بغداد رباطاً في رحبة جامع القصر سكن فيه بعض العلماء

اهتمت بحقوق المرأة فمن إصلاحاتها أنها منعت الهندوس من حرق المرأة عند وفات زوجها، وساعدت البنات الأيتام على الزواج فتدفع لهم المهر..

ولشدة اهتمامها بمساعدة الفقير، فقد أبدعت طريقة جديدة لتشجيع الناس على الصدقة، فهي أول من نشأت ما يسمى بالسوق الخيرية فكانت تجتمع الأميرات والأعيان في قصرها كل عام، وكان يعرض في ذلك السوق الأشغال اليدوية المحكمة الصنع، وكانت تبتدئ الشراء فيحذو حذوها الأميرات والعامة، وعند اختتام السوق توزع وارداته الوافرة على فقراء المملكة. وكانت مُدَرَّبة على الاصطياد وروي أنها اصطادت نمراً. وعندما خُطف زوجها ركبت في جيش لتنقذه.

عالمة رياضيات ومدونة الخليفة، توفيت في عام 984م. كان المدونون في ذاك الوقت عملهم الرئيسي تدوين الكتب وترجمتها، ولكن لبنى كانت من العلماء الذين لم يكتفوا بالتدوين، بل كانوا يضيفون أفكارهم وحلولهم للمعادلات الرياضية ويعدلون الأخطاء الذي يجدونها في الكتب. وكانت لبنى تجد حلولاً لأصعب العمليات الرياضية. وقد اشتهرت أيضاً بخطها الجميل وتمكنها من الخط العربي.

مشيدة أول جامعة في العالم بالمملكة المغربية، أصبح جامع القرويين الشهير أول معهد ديني، وأكبر كلية تضم المواد الأدبية والعلمية مثل النحو، والجغرافيا والتاريخ الإسلامي والمنطق والحساب والرياضيات والطب والكيمياء والفلك، مما جذب إليه الكثير من الطلاب حيث بنيت كمؤسسة تعليمية، وتعتبر أقدم جامعة أنشئت في تاريخ العالم بالمغرب بفاس، نسبة لمدينة القيروان وما زالت تدرس حتى اليوم، حيث تخرج فيها العديد من علماء الغرب، وقد بقي الجامع والجامعة الملحقة به مركزاً للنشاط الفكري والثقافي والديني والقلعة الإسلامية الأولى التي تحمي الحضارة الإسلامية.

ولكي لا أطيل في المقال كثيراً لا يمكنني عدَّهن جميعاً، ففي كل مجال نجد الكثيرات ممن أبحرن في العلوم الدينية والدنيوية، وأبَنَّ على أن المرأة لم تخلق للمنزل وخدمة الرجل، بل لها مكانة عظيمة حفظها لها رب العزة وليس لأحد أن ينتقص منها أو يحرمها منها.. فبيدك عزيزتي الآن القرار على أن تكوني فعالة أو تموتين وأنت تحضرين القهوة وتغسلين الصحون ولست انتقص من ربات البيوت وعملهن الجبار في البيت اللاتي يقمن به بإرداتهن ومن تلقاء أنفسهن حبًّا في أزواجهن وأطفالهن، ولست أحرّض على شن حرب ضد الرجل -لا سمح الله- كما سيظن البعض بعد قراءة المقال وإنما أقول لك عزيزتي.. عيشي حرة بذاتك صالحة قانتة حافظة للغيب تحت رعاية دستور الإله الأعظم وتذكري أن احتقارك لنفسك ولغيرك من بنات جنسك هو سبب استذلال الرجل لك، فلن يحبك ويحترمك أحد ما لم تحبي نفسك وتمنحيها قيمتها لتعيشي مرفوعة الرأس بين الجميع.

" انتِ ايتها المرأة أينما كنتِ

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل