المحتوى الرئيسى

حكايا الحب في زمن الثورة!

03/11 11:38

في البدء كانت خديجة تسطر قصة الحب الخالدة، تتلقى صاحب الرسالة السماوية، تحوطه بذراعيها؛ تهدئ من روعه، تدثر قلبه بكلماتها، بإيمانها به. الذي بدأ يوم أهدته روحها. راحت سيدة نساء الجنة تكتب لمن بعدها أبجديات الحب الأبدي، وتنسج من خيوط العشق ما لا تحصيه اللغة. تُقاسم أبا القاسم الألم، وتبذل في سبيل رسالته المال والجهد، تدخل معه شِعب أبي طالب «فترة من الحصار أو الاعتقال كما نقول بلغة عصرنا»، تنفق مالها في إعانة أهل الحصار، تقوم على خدمته وخدمة رفاقه، تشاركه الجوع وتمضي بلا كلل ولا ملل؛ لتزيل عن جبينه عناء رحلتهما الطويلة..

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "إني رُزِقت حبها". كانت خديجة -رضي الله عنها- رزقُ الله لرسوله من الحب ونصيب قلبه، وكانت من بعدها نساء يقتفين أثرها، ويقاسمن حملة الرسالة عناء الرحلة ومشقة حمل الأمانة.

فتيات من هذا الجيل المحاط بسياج الوجع، ما اخترن وهج الدنيا وزينتها، بل اخترن طريق خديجة ووجهتها.

"محمود وهبة"- و"أبرار العناني"، محمود من أبناء المنصورة، حُكِم عليه بالإعدام هو و7 آخرون، بعد أن أحيلت أوراقه إلى المفتي في قضية قتل حارس عضو الأمن في قضية «الاتحادية» التي كان يُحاكم فيها الدكتور«محمد مرسي». وهو الطالب المتفوق بكلية الهندسة قسم الميكانيكا، يُعتقل في السادس من مارس 2014 لتنقطع أخباره عن أهله، حتى ظهر بعدها في فيديو بثته «وزارة الداخلية المصرية» أُجبر على الاعتراف فيه بقتل الرقيب «عبدالله المتولي»، وقد ظهرت عليه آثار التعذيب الشديد وحكم عليه بالإعدام.

و«أبرار علاء العناني»: طالبة بكلية التجارة جامعة المنصورة، تم اعتقالها من داخل مبنى الجامعة تحت إشراف رئيس الجامعة في 12 فبراير 2013، وأُودعت سجن المنصورة العمومي، ووجهت إليها تهم الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة»، والتظاهر ضد مؤسسات الدولة، والعمل على تعطيل القانون، والهتاف ضد السيسي، وإحداث تلفيات بالعربات الموجودة داخل الجامعة، والعمل على تعكير السلم والأمن العام، ثم تم إحالة القضية إلى محكمة الجنايات التي قضت في الـ21 من مايو 2014 وتم الحكم عليها بسنتين، حتى تم الإفراج عنها في 12 نوفمبر 2015.

"أبرار" التي قضت عامين في السجن ظلمًا تخرج، لا لتبتعد عن طريق السجون وأهلها، بل تعود إليها من جديد برغبتها؛ لكن هذه المرة لتبدأ عهدًا جديدًا للحب، وقصة أخرى تُضاف إلى تاريخ الإنسان؛ تُعيد للحب سيرته الأولى وتُقاسم صاحبها حكاية الخلود..

اختارت "أبرار"، محمود صاحب حكم الإعدام، لأنها لا تعبأ بحكم فرعون أو سجان، وتعرف أن حياة الرجال تبدأ من هنا، وتنتهي في الجنان، وكان يوم 18 فبراير هو اليوم الذي شهد حفل خطبتهما في ساحة الزيارة. على عهد أمها خديجة باعت "أبرار" الدنيا واختارت رجلًا اختار الآخرة.

وُلِد الحب بعد ميلاد ثورة يناير بعام «محمود مرضي عبدالوهاب»: الطالب بكلية الهندسة يخطب «أميرة مجدي»: الطالبة بكلية الصيدلة. ثلاثة أعوام من الحب والثورة يُعِدان فيها لبناء بيتهما، لم يَدُر بخلدهما ذات يوم أن يتبدل الحال هكذا؛ بعد ثلاثة أعوام من الخِطبة يأتي «الانقلاب الدموي» ليصبح الطالب الثائر الحر رهن الاعتقال. فيُخطف الشاب في الثاني من أبريل/نيسان 2014 وتُلفق له التهم المضحكة.

شابٌ في كلية الهندسة واجه الموت كثيرًا والتقاه في ميادين الثورة أملًا في تطهير بلاده وبناء مجدها، يصبح متهماً بسرقة طفاية حريق من داخل جامعته! ثم يتحول إلى المحكمة العسكرية لتحكم عليه بثلاث سنوات.

بعد عامين من الاعتقال، لم تمل الفتاة الشابة فيهما زيارة شريكها، والتخفيف من وطأة الظلم الواقع عليه. ليأتي يوم 10 أكتوبر 2015 لتكلل ذلك العناء بفرحةٍ ما لها مثيل على قلبيهما، وتشهد أرض السجن عقد ميثاقهما الغليظ.

خلف جدران السجن يقبع قلب الفتى، وخلف جدران الشوق يقبع قلب الأميرة، يلتقيان في تلاوات القرآن وتراتيل الدعوات. ربما هناك في السماء ملأ يذكر اسميهما في عرسٍ ما زالت الأرض لا تتسع للاحتفال به.

«رغم خوفي من أن أكون مثارًا للسخرية دعني أقل لك: إن الثوري الحقيقي هو من يهتدي بمشاعر حبٍ عظيمة».. تشي جيفارا

أمنية مجدي، فتاة ترتدي فستان زفافها الذي جهزته قبل عامين، ولم تتمكن من ارتدائه بسبب اعتقال زوجها، المصور الصحفي عمر عبد المقصود، وتقف في مقر نقابة الصحفيين المصرية، بقلب القاهرة، مشاركة في وقفة للدفاع عنه وعن كافة المعتقلين.

وقفت أمنية مجدي بين المحتجّين، تحمل صورة لعريسها الشاب المعتقل بتهمة حرق سيارات في مدينة ميت غمر بوسط دلتا النيل، بينما كان وقت وقوع الجريمة المزعومة في العاصمة القاهرة، وتم القبض على عمر عبد المقصود فجر الرابع عشر من أبريل/نيسان 2014 مع أخويه إبراهيم وأنس، وتعرض ثلاثتهم لأبشع أنواع التعذيب في محاولة لنزع اعترافات منهم، إلى أن قضت محكمة بإخلاء سبيلهم بكفالة 15 ألف جنيه. دُفعت الكفالة، لكن لم يخرج الشبان الثلاثة، واختفوا تمامًا في جهة غير معلومة لمدة 9 أيام، قبل أن يظهروا في قسم شرطة السنبلاويين كمتهمين بـ«التظاهر» في الأيام التسعة التي اختفوا فيها.

وحكم على عمر «غيابيًا» بالسجن المؤبد في قضية حرق سيارات ميت غمر، رغم أنه موجود في السجن وليس متغيبًا، ثم حكم عليه بالسجن لسنتين في قضية «التظاهر»، قبل أن تقضي المحكمة ببراءته في 16 مايو/أيار 2015.

عامان يفصلان الفتاة الشابة وزوجها عن لحظةٍ تحول فيها الحلم إلى كابوس، لا يعلمان متى ينتهي حين قرر أحدهم أن يسرق فرحة عمرهما. تحكي الفتاة والدمع يسيل من عينيها عن حياتهما التي توقفت فجأة وانقلبت رأسًا على عقب؛ فبدلًا من تجهيزات العُرس الذي كان من المنتظر إتمامه قبل الاعتقال بـ15 يومًا، تحولت حياة الفتاة إلى رحلة للبحث عن زوجها، وطَرق كل الأبواب الممكنة لرفع الظلم عنهما، والحصول على حقهما في الحرية واستكمال حياتهما معًا.

حين اشتد على عمر ظلم السجن وبلغ أقصى درجات الأسى وهو يعرف قدر ألمها وعنائها في جواره؛ قال لصاحبته إنه بإمكانها أن تختار وتبتعد لتعيش حياتها كما تجب، لكن ربما فاته أنها حينما تأمل في عودته، إنما تأمل أن تُعيد نفسها إليها، وأن تسترد شطر روحها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل