المحتوى الرئيسى

كيف تنجح في حياتك وتحقق إنجازات بإمكانات بسيطة؟ تعرف على تجربة كيللي ماغلبي

03/11 02:27

الشغف بالعلوم، دراسة وتجوالاً، وروح المغامرة، والاطلاع على التاريخ الحضاري للأرض، أمور في مجملها تحمل معاني هامة ومؤثرة في حياتنا والتخطيط لمستقبلنا؛ لذا عليك أن تتعرف على قصة الشابة الأميركية كيللي ماغلبي التي صنعت فخاراً مماثلاً لفخار الأناسازي بإمكانات بسيطة ومتواضعة نسجتها من الطبيعة حولها، من خلال مقال للكاتب مجدي سعيد.

فنانة، أم عزباء لطفلتين، تعشق السفر والترحال والمغامرة والتخييم في الجنوب الغربي الأميركي، تتركز أعمالها الفنية على إعادة إحياء فن الخزف الخاص بقبائل البويبلو Ancestral Puebloans ويعرفون أيضاً باسم الأناسازي Anasazi الذين كانوا يعيشون في تلك المنطقة، وكانوا يشتهرون بصناعة السلال والصنادل، والبناء والفخار، والذين كان فخارهم لافتاً للنظر بشكل خاص بالرغم من بساطته.

في موقعها الخاص، والذي يعرف باسم: فخار الأناسازي تقول كيللي: "هدفي هو أن أتبع خطواتهم قدر الإمكان لصناعة فخار له نفس الشكل والمظهر لفخارهم القديم الذي نراه اليوم في المتاحف والمجموعات حول العالم" أما الحافز لسعيها هذا، فهو انبهارها بثقافة وإبداع وفنون هذه القبائل، وشغفها بمعرفة كيف صنعوا هذا الإبداع بالرغم من مواردهم المحدودة.

تقوم كيللي بصناعة الفخار المماثل لفخار الأناسازي باستخدام طين مصنوع من بعض حجارة المنطقة بعد خلطه بالماء، ثم تقوم بتلميعه باستخدام أحجار جَلْيٍ من البيئة، ثم تطليه باستخدام طلاء مصنوع من نبات النحل الأصفر Yellow bee plant بعد غليه حتى يصير قوامه كقوام القطران، ثم تقوم بحرق الفخار بالأسلوب التقليدي حتى يجف، ثم تغسله في ماء الغدران المتوافرة بالمنطقة، لتصنع في النهاية قطعاً مستنسخة تماثل ما كانت تلك القبائل تصنعه شكلاً وحجماً وتصميماً.

وتدين كيللي بفضل أستاذها جون أولسن John Olsen الذي عمل أستاذاً للآثار لفترة، وعلم نفسه الكثير من تقنيات تلك القبائل عبر التجريب، والذي أتقن استنساخ الفخار وتشذيب الحجر الصوان، وأساليب البناء الخاصة بفنون الأناسازي، والذي مهد السبيل لها ولغيرها من عشاق استنساخ الفخار. كما تدين بالفضل لكتاب كلينت سوينك Clint Swink والمسمى رسائل Messages والذي ضم أسرار الفنون القديمة وجعلها متاحة لكل من يبحث عنها.

تقول كيللي عن نفسها، إنها تؤمن بمركزية الأسرة والأصدقاء في الحياة، وبأن يفعل الإنسان ما يحب، كما تؤمن بالعمل الجاد وبأن يقدم الإنسان أفضل ما لديه في كل عمل يعمله، وأن على الإنسان إذا أراد أن ينجح أن يكون محدداً وأن يبذل من وقته وجهده فيما يفعل، كما أنها تحب شعار: "اعملْ بجد والعبْ بجد".

وقد بدأت رغبتها في صناعة فخار الأناسازي من اهتمامها بالمهارات التقليدية ومهارات العيش، ومن حبها لحقيقة أنك يمكنك الذهاب إلى البرية بلا شيء معك وأن تحصل على ما تريد كي تعيش وتنتعش من الأرض، ومن حبها لحقيقة أنك يمكن أن تذهب إلى الخارج، وتعبث ببعض القاذورات وأن تشكلها وتطليها وتحرقها فقط، عبر باستخدام مواد موجودة في الطبيعة.

وإضافة لحبها للمهارات البدائية، فإنها تحب صحراء الجنوب الغربي، وهو المكان الذي نما فيه عشقها لفخار الأناسازي، فحيثما مشيت هناك وجدت قطعاً من ذلك الفخار منثورة على الأرض، بما يجعل من الصعب أن تمشي دون أن تطأ قدمك إحداها، وقد أثارت تلك القطع فيها عشقاً لهذا الفن، وشغفاً به، دفعها لزيارة متاحف المنطقة ورؤية قطع كاملة من ذلك الفخار، كما دفعها للبحث على شبكة الإنترنت، للوصول إلى برامج دراسية في المتاحف والمدارس المحلية حول فن الفخار الأناسازي، ثم صارت تتدرب أولاً باستخدام طين تشتريه من المحال، ولم تلبث طويلاً حتى بدأت محاكاة طريقة الأناسازي في البرية في صناعة فخارهم.

انتهت القصة.. أما المعاني المستوحاة منها:

أول تلك المعاني، هو روح المغامرة لدى شباب هذه الشعوب المتقدمة، فكيللي ليست إلا واحدة من عشرات الآلاف من المغامرين، الذين بنوا معارفهم بكل ثقب فوق هذا الأرض وفي ثقافاتها وحضاراتها عبر هذه الروح، وهذا الجَلَد، والعمل الجاد، وهو ما يعطي لشبابنا الشغوف بالعلوم درساً، بأن العلم لا يكتسب فقط عبر وسائل الاتصال الحديثة، وبأن جزءاً مهمًّا غائباً عن علمهم ومعارفهم هو العلم والمعرفة بالذات، والذي لا ولن يكتسب إلا عبر تلك المغامرات العلمية الاستكشافية في صحاري ووديان بلادهم.

وهي الروح التي من أجل استمرارها وغرسها في الأجيال القادمة نشأت حركة الكشافة العالمية، والتي كادت أن تموت في بلادنا بدعاوى الأمن الذي دمر كل شيء حتى الآمن. ولنا أن نذكر هنا أنه إلى عهد ليس ببعيد كانت الكليات العلمية في بلادنا تعلم طلابها عبر رحلات علمية لجمع عينات النبات أو الصخور أو عبر استكشاف الجغرافيا والثروات على أرض الواقع، وهو ما أجد شبابنا منصرفين عنه إلى العلوم السهلة التي تأتيهم وهم مستلقون على ظهورهم في أسرّتهم.

ثاني تلك المعاني هو عمق ما لدى هؤلاء الناس بالتاريخ الحضاري للأرض التي يعيشون عليها، وتوافر برامج تعليمية وتدريبية تخص تلك الحضارات، وهو ما يدفعنا للسؤال عن المراكز التي تُعلِّم أبناءنا عن حضارات النوبة أو البجا أو الأمازيغ أو حتى أهل الصعيد ووجه بحري في بلادنا، وحسناً يفعل سوق الفسطاط ومبادرة يدوية حين تهتم بالحرف التقليدية المصرية، لكن هذا وحده ليس كافياً لإثارة الشغف لدى شبابنا بذاتنا الحضارية، ومحو غربتنا عنها.

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل