المحتوى الرئيسى

الحِزام الجِلد.. Based on true story

03/10 16:08

هل كانت مجرد صدفة أن يُقام فرح شقيقتى (ليلى) فى الاستاد فى اليوم نفسه الذى أقيمت فيه مباراة مصر وساحل العاج فى كأس الأمم الإفريقية 2008؟

أفضل ثلاثة أماكن لإقامة فرح فى سوهاج (حيث تقيم عائلتى) هى نادى الشرطة

والنادى البحرى والاستاد الرياضى، اختار العريس الاستاد بحكم الأعداد الغفيرة المتوقعة.

قبلها بأيام سألتنى أمى فى التليفون سؤالا عابرًا (هتلبس إيه فى فرح ليلى؟)، اكتشفت أننى لست من هواة ارتداء البدل، وهو ما يبرر عدم امتلاكى بدلة كاملة غير البدلة التى ارتديتها فى فرحى، توقفت كثيرًا أمام هذه البدلة التى تذكرنى بفشلٍ ما فى حياتى، قصة زواج لم تعرف الاستقرار إلا فى أيام شهر العسل، فجأة تذكرت أمى، كانت أمى تكرر دائما فى حكاياتها أن شهر عسلها تم تأجيله بسبب قيام حرب أكتوبر وبسبب ظروف سفر والدى، وأصبح شهر العسل بالنسبة إليها حلمًا مؤجلا، ثم حلمًا بعيدًا بعد أن أصبحت حاملا فىّ، ثم حلمًا لا مجال لتحقيقه بعد أن أصبحت (أم عمر).

«مع أبى و أمى 78»

قررت شراء واحدة جديدة من محل يحمل اسمًا أجنبيا فى المهندسين، كان البنطلون أطول مما ينبغى فتركته حتى يتم تقصيره قليلا، ثم تسلمتها قبل أن أستقل القطار بساعة.

فى محطة مصر كنت حريصًا على شراء البانادول من العزبى والصحف من كشك الأهرام وسجائر وبطاريات جديدة من الكافتيريا، وفى القطار أخرجت الـmp3 وغيّرت البطاريات وضغطت play ونظرت إلى الساعة فوجدتها الواحدة صباحًا، أغمضت عينى قليلا، وفى تمام التاسعة استيقظت مفزوعًا فوجدت القطار يقف على رصيف محطة سوهاج، نزلت مهرولا ووقفت على الرصيف لمدة خمس دقائق لاستيعاب ما حدث، أشعلت سيجارة ثم قررت أن أدخل سوهاج على أنغام الموسيقى، بحثت فى القائمة فوجدت file فيروز ينادينى فاخترت (نسّم علينا الهوى).

فتحت لى العروسة باب البيت بنفسها، كانت تشكو من صداع من فرط ما بذلته من مجهود فى ليلة الحنة، أخرجت لها شريط البانادول، تأملتها وهى تأخذ واحدة، لقد كبرت هذه الطفلة وستصبح زوجة بعد ساعات، ابتسمت فاحتضنتنى.

كانت الذكريات التى تجمعنى بـ(ليلى) متلاحقة كشريط سينمائى، وصلت ليلى إلى بيتنا وأنا فى بداية فترة المراهقة، كان لا يحلو لها اللعب إلا فى حجرتى، كنت أنقل عينى بين الكتب وبينها وهى نائمة فى فراشى كملاك، تصحو فلا تصرخ كبقية الأطفال ولكن تبتسم وتبدأ فى إفراز (التفافة) معلنة موقفها من الحياة، كانت لا تشعر براحتها إلا فى حجرتى فاعتبرت أن غرفتى هى (بيت الراحة) لذلك كانت تتسحب من الجميع وتحبو حتى تصل إلى باب الحجرة، تدفعه ثم تنظر ناحيتى قائلة (كاكا)!

فى أول يوم لها فى المدرسة دخلت غاضبة وسألت أمها (ماما يعنى إيه مسيحى؟)، سألتها أمها عن سبب السؤال فقالت (أصحابى فى المدرسة سألونى النهارده إنتى مسلم ولا مسيحى)، فقالت لها أمها (وانتى قلتى لهم إيه؟) فقالت (قلت لهم أنا ماعرفش يعنى إيه مسيحى بس أنا مسلم؟)، فشرحت لها الأم الفروق بمنتهى التسامح للدرجة التى جعلت (مارى) هى أنتيمة أختى حتى هذا اليوم.

فى أحد أيام رمضان أيقظتنى ليلى فى الواحدة ظهرًا طفلة تحمل كوب الشاى بالحليب

والبسكويت، وقالت لى (إصحى علشان تفطر)، قلت لها (أنا صايم)، فقالت لى (ما أنا عارفة.. بس أنا عايزة أدخل الجنة والنهارده فى المدرسة قالوا من فطّر صائمًا دخل الجنة.. قوم بقى عشان تفطر).

كانت هوايتها المفضلة الوقوف أمام التليفزيون والتنقل بين القنوات سريعًا، وفى إحدى المرات كنت جالسا وهى تقلّب كالعادة، وتوقفت عند مشهد من فيلم تاريخى، كان هناك شخص يقف على باب قاعة الملك وصاح قائلا (رسول ملك الفرس) فقالت ليلى بمنتهى الخشوع (عليه الصلاة والسلام).

وفى زلزال 92 كنت متأكدا أن (البيت بيقع)، وكل ما فكرت فيه أن أصطحب شيئًا قيمًا لأفر به هاربًا قبل أن يتحول البيت إلى أنقاض، تلفَّتُّ فلم أجد شيئًا أغلى منها فحملتها على كتفى ونزلت السلالم مهرولا.

خرجت من الحمام أضحك فوجدت خالى فى انتظارى قائلا (هنتفرج على الماتش إزاى النهارده؟).

كنت قلقًا بخصوص المباراة أنا وخالى وزوج شقيقتى الكبرى، بينما أكد لى ابن عمى أننا سنلحق بآخر ربع ساعة فى المباراة، وقال لى إننى لم أحضر أفراحًا فى الصعيد منذ فترة ونسيت أن الأفراح تنتهى مبكرًا، فى الحقيقة آخر فرح حضرته كان فرح شقيقتى الوسطى منذ 3 سنوات ولم أحضره إلى نهايته لاضطرارى إلى السفر مبكرًا، وظلت شقيقتى الوسطى (تعايرنى) بأنها لم ترقص معى فى فرحها -حتى بعد أن أصبحت أما لطفل يحمل الخصائص النفسية للزعيم هتلر- وكلما جاءت سيرة الأفراح أمامها كانت لا تتردد فى تذكيرى بهذا التقصير.

قبل الفرح بساعة اكتشفت أن محل البدل أفرط فى تقصير البنطلون، قلت لنفسى مش مشكلة (هانزّل البنطلون شوية وازنقه بالحزام)، اكتشفت أننى لم أُحضر (حزاما)، لم يكن هناك اختيار سوى شراء حزام، وهذه مأساة أخرى فى سوهاج، حيث لم أجد واحدًا أنيقًا يلائم البدلة، فاضطررت إلى شراء (أحسن الوحشين) وكان الـcontrast فاضحًا بين البدلة ذات الماركة العالمية والحزام السوهاجى، فقررت أن أُبقى الجاكيت مغلقا طوال الفرح.

فى انتظار وصول العروسة وقفت فى استقبال المعازيم، اكتشفت أن هناك العديد من الأقارب الذين لم أرهم منذ سنوات، كان هناك من يشير إلى الصلع الذى بدأ يغزو رأسى بخفة دم مصطنعة، وهناك من ربط بينه وبين ضرورة أن أتزوج ثانية بسرعة قبل أن يسيطر على رأسى كلها، وهناك من نصحنى بضرورة الزواج، لأنه هو الحاجة الوحيدة اللى هترجع لى شعرى تانى.

كان هناك من يصافحنى وهو فخور بأننى أصبحت أول من يحمل/ أحمل لقب (كاتب) فى عائلة يحمل أبناؤها كل الألقاب ما عدا لقبى (كاتب ورائد فضاء)، وكان هناك من يصافحنى وهو فخور، لأنه رآنى فى (البيت بيتك).

هناك من دعانى إلى تدخين سيجارة حشيش فاعتذرت إليه فسألنى (أمّال عايش إزاى؟)، وهناك من دس فى يدى وهو يصافحنى قطعة أفيون لتمنحنى الـpower اللازم للوقوف بصلابة وقوة حتى نهاية الفرح، لم يكن هناك مجال للاعتذار فوضعتها فى جيبى، ثم سألته مداعبًا (مافيش حباية فياجرا؟)، فقال لى (الأفيون عم الفياجرا، الفياجرا توقظ عضوًا واحدًا فقط فى الجسم، الأفيون يوقظ الجسم كله).

وصل العروسان متأخرين، وبعد الزفة الصعيدى استقبلهما الـdj بنشيد (محمد نبينا)، تذكرت فرح صديقى طبيب الأسنان أيمن ماهر (لا يبدو من اسمه أنه مسيحى) عندما استقبله الـdj فى فرحه بالنشيد نفسه، الأمر الذى أصاب بعض الحاضرين بالوجوم

وأصاب البعض الآخر بهيستيريا من الضحك، تذكرت والد أيمن -وهو رجل جميل- عندما منع شقيق العروس من أن يطلب من الـdj تغيير الأغنية، واستمعت إليها القاعة كاملة حتى انتهت وضجت القاعة كلها بالابتسام والتصفيق، بعدها بسنة أنجب أيمن فاتصلت لأهنئه وسألته عن اسم المولود فقال لى وهو يقهقه (عبد الرحمن).

كان الفرح هادئا، وكنت أقف لمتابعته بوقار حتى انصرف كبار العائلة، وأثناء وداعهم على الباب لمحت زوج شقيقتى الكبرى.. المهم لمحته وهو يقف أمام أحد الكافيهات يشاهد المباراة من على الباب، فدفعته ودخلنا وجلسنا نشاهد المباراة حتى نهاية الشوط الأول.

عدت بعدها إلى الفرح أوزع ابتساماتى على الجميع وأصفق لقليلين كانوا يرقصون، ثم عدت إلى الكافيه ولم أقوَ على مغادرته حتى أحرز عمرو زكى الهدف الثالث فعدت إلى الفرح، عدت مباشرة إلى ساحة الرقص وأنا سعيد بالفعل.

أخذت ليلى فى حضنى وقبلتها ورقصنا وفجأة أعلن الـdj أن أبو تريكة أحرز الهدف الرابع، فحملت ابن شقيقتى فوق أكتافى ورقصت به، ومع نهاية الماتش تسلل من كانوا فى الكافيه إلى الفرح وهم يحملون أعلام مصر وأحاطوا بنا.

وفجأة قرر الـdj أن يلعب أغنية حلوة يا بلدى فأثار مشاعر كل من تبقى فى الفرح فاتسعت حلبة الرقص لتضم عروسا محاطة بأعلام مصر وشباب يضحكون من قلوبهم وكبار يدعمون هذه الفرحة بالتصفيق عن قرب.

فجأة لعب الـdj أغنية أحبها جدا لعمرو دياب (ليلة من عمرى) وفوجئت بشقيقتى الوسطى تقترب منى وهى تقول لى (أنا اللى طلبت الغنوة دى عشان أرقص معاك عشان...) فقلت لها (عارف عشان مارقصتش معاكى فى فرحك) احتضنتها وظللنا نرقص سويا حتى انتهاء الفرح.

أول ما فعلته عند عودتى إلى المنزل هو خلع الحزام و رميه بعيدًا.. بعيدا جدا.

لمحت دموع أمى قبل النوم، كانت لفترة طويلة تعيش هى وأبى وليلى طفلتهم المدللة، فجأة أصبح البيت خاليا.

التزمت الصمت التام أمام دموعها، فأى كلمات ستكون ساذجة فى هذه اللحظة.

قبلت يديها وذهبت إلى النوم متعبًا.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل