المحتوى الرئيسى

يوسف حداد يكتب: رياضة الفقراء لم تعد للفقراء (الجزء الأول) | ساسة بوست

03/09 23:45

منذ 1 دقيقة، 10 مارس,2016

كرة وأربعة أحجار، يتم وضعهم كقوائم للمرمى، هي كل ما يلزم لإقامة مباراة كرة قدم في أي مكان. هذه الخاصية هي ما جعلت كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في العالم (أو على الأقل هذا ما يعتقده الملايين من البشر حول العالم)، إلا أن هذا كله، لم يشفع للرياضة الشعبية من أن تنجر إلى فخ عالم «البيزنس»والأموال.

جواو هافيلانج، الرجل الذي صنع من الجلد المنفوخ ذهبًا

ربما لم يكن ببال الشاب الرياضي الذي يشارك مع المنتخب البرازيلي لرياضة «كرة الماء» في أولمبياد هلسنكي 1952م، أنه سيجلس على كرسي إمبراطورية الرياضة الأكثر شعبية في البرازيل والعالم بعد 22 سنة، ولكنه بالتأكيد كان يعلم بأن ذكاءه ودهاءه الذي جعله يتحصل على شهادة جامعية في القانون، سيوسع له الطريق كي يصبح رجلا ذا نفوذ في العالم.

ولد جواو هافيلانج بتاريخ 8 مايو 1916 في مدينة الكرنفالات والشواطئ «ريو دي جانيرو» البرازيلية لعائلة من جذور بلجيكية. والده كان تاجر أسلحة غني، يمتلك نفوذًا وعقارات شاسعة، مما وفر للطفل البرازيلي ذي الجذور الأوروبية تعليمًا ممتازًا، وطفولة سعيدة على عكس أقرانه من أطفال البرازيل الفقراء الموزعين في العشوائيات.

بعد تخرجه من كلية القانون في جامعة فلوميننزي، عمل كمستشار قانوني لشركة حافلات، لينتقل بعدها إلى شركة حافلات أخرى تعد من الأكبر في البرازيل، وهي الشركة ذاتها التي استلم رئاستها في المستقبل. رياضيًا، لعب كرة القدم في صغره لنادي فلوميننزي، قبل أن يجبره والده على ترك كرة القدم، لينتقل بعدها إلى رياضة السباحة، ويشارك في أولمبياد برلين 1936، قبل أن يشارك مع المنتخب البرازيلي لكرة الماء في أولمبياد هلسنكي 1952. أصبح هافيلانج عضوًا في اللجنة الأولمبية البرازيلية عام 1955، وترأس وفد البرازيل في أولمبياد ملبورن 1956.

نقطة التحول الرئيسة في حياة هافيلانج كانت بتسلمه رئاسة الاتحاد البرازيلي لكرة القدم عام 1958، لتشهد رئاسته تحقيق البرازيل لثلاثة كؤوس عالمية أعوام 1958، و1962، و1970. في عام 1974، ترشح هافيلانج لرئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وكان منافسه في تلك الانتخابات هو الرئيس السابق للفيفا البريطاني «ستانلي روس» الذي استلم رئاسة الفيفا في الفترة من عام 1961 إلى عام 1974. خاض هافيلانج الانتخابات معتمدًا على أصوات الدول الضعيفة والفقيرة (الدول الأفريقية على وجه الخصوص)، حيث قام برنامجه الانتخابي على فكرة زيادة عدد الدول المشاركة في كأس العالم، كي تتاح الفرصة للمنتخبات الأضعف للمشاركة في البطولة، وهو أمر قد تحقق في مونديال 1982 بزيادة عدد المنتخبات المشاركة من 16 إلى 24. كما قام برنامجه على فكرة إقامة بطولات عالمية للفئات العمرية الصغرى مما يؤهل الدول المتواضعة لاستضافة مثل هذه البطولات. في الاجتماع الـ 39 للجمعية العمومية للفيفا، الذي تمت إقامته في المدينة الألمانية «فرانكفورت» في يونيو 1974، تم انتخاب هافيلانج كرئيس جديد للفيفا بنتيجة 68-52 بعد الجولة الثانية للانتخابات، كون الجولة الأولى لم توفر لأي من المرشحين نسبة الثلثين لتحقيق الفوز.

بمجرد تسلم هافيلانج للرئاسة، بدأ بالبحث عن مصادر تمويل، ووجد ضالته في «هورست داسلر» مدير الفرع الفرنسي من شركة «أديداس» الرياضية العالمية التي كان قد أسسها والده «أدولف داسلر». وجد داسلر في هافيلانج الرجل المناسب لتحقيق طموحاته في منافسة الشركة الأم «أديداس» الألمانية، وشركة «بوما» التي يملكها عمه. في هذه الأثناء انضم المسوق الرياضي البريطاني «باتريك نالي» لحلف هافيلانج – داسلر ليشكلوا سوية فريقًا واحدًا بمصالح مشتركة، وليفتحوا الأبواب على مصراعيها لدخول رياضة الفقراء إلى عالم الأموال والأسواق. فمثلا اشترت كوكاكولا حقوق الرعاية لكأس العالم 1978 في الأرجنتين بمبلغ 8 ملايين دولار (مبلغ كبير في ذلك الوقت). وقد قامت شركتي «كوكاكولا» و«أديداس» بتوفير المساعدات المالية للفيفا في عدة مناسبات، حتى أصبح لداسلر يد خفية داخل الفيفا، وأصبح يتحكم بإدارة الاتحاد وشئونه عن طريق هافيلانج، بطريقة يشبهها «دافيد يالوب» في كتابه «كيف سرقوا اللعبة» بمحرك الدمى والدمية.

شهدت ولاية هافيلانج الممتدة لـ 24 عامًا العديد من القضايا الجدلية التي تثير التساؤلات عن حجم الفساد الذي استشرى في الفيفا، مع ضخ الأموال غير المسبوق. الحلف الثلاثي الذي تشكل مع ترؤس بلاتر للفيفا بدأ بالانقسام، فعلاقة داسلر مع نالي أصبحت متوترة، مما أدى إلى أن يؤسس داسلر لشركة تسويق رياضي جديدة ISL في عام 1982. في الوقت نفسه، تحصلت شركة «ويست نالي» التي يملكها نالي والإعلامي الرياضي البريطاني«بيتر ويست»”على حقوق رعاية كأس العالم 1982، لتحقق نجاحًا كبيرًا، مما جعلها تتحصل على حقوق نسختي 1986 و1990 على التوالي.

لن يتسع المجال هنا لذكر كافة التفاصيل المتعلقة بقضايا وشبهات الفساد التي أحاطت بالعلاقة بين هافيلانج وISL، إلا أنه من المؤكد أن وفاة داسلر سنة 1987 لم توقف العلاقات بين الطرفين. ففي عام 1997 منح هافيلانج حقوق التسوق الحصرية لشركة ISL، وبعدها بعام واحد فقط، منح حقوق التغطية التلفزيونية والإذاعية لنسختي كأس العالم 2002 و2006 لنفس الشركة. في صيف 2011 فتحت اللجنة الأولمبية الدولية (التي كان هافيلانج عضوًا فيها) تحقيقاً بتهمة تلقي هافيلانج لمبلغ مليون دولار كرشوة من شركة ISL (التي كانت قد أعلنت إفلاسها في 2001) لمنحها حقوق التسويق الحصرية للفيفا. إلا أن هافيلانج استقال قبل إعلان نتيجة التحقيق لدواعٍ صحية، بحسب ادعائه، مما أدى إلى إيقاف التحقيق، والذي كان من الممكن أن يؤدي إلى تجميد عضوية هافيلانج لسنتين. سبق ذلك في عام 1999 اتهامات بتلقي هافيلانج لهدايا ثمينة (ألماس، ودراجات، وخزف، وأعمال فنية) لدعم الحملة الفاشلة لمدينة أمستردام الهولندية لاستضافة أولمبياد 1992.

في عام 2008، بدأت محكمة سويسرية بالتحقيق في تورط ستة مسئولين في الشركة المفلسةISL بدفع 18 مليون دولار كرشاوى لشراء حقوق في بطولات رياضية عن طريق مؤسسة وهمية في إمارة ليشتنشتاين. حكمت المحكمة بغرامة مالية على ثلاثة مسؤولين وبرأت الثلاثة الآخرين. شركة ISL التي كانت قد أعلنت إفلاسها عام 2001 تركت خلفها ديونًا تقدر بما مجموعه 300 مليون دولار، وتم تقدير أن أكثر من 98 مليون دولار ذهبت كرشاوى واختلاسات. ذلك كله بعد أن دفعت الشركة للفيفا تحت إدارة هافيلانج 200 مليون فرنك سويسري و1,4 بليون دولار أمريكي على التوالي لنيل حقوق التسويق وحقوق البث التلفزيوني والإذاعي لنسختي كأس العالم 2002 و2006.

هافيلانج وصهره ريكاردو تيكسيرا (الرئيس السابق للاتحاد البرازيلي لكرة القدم) كانوا قد اتهموا من قبل محكمة سويسرية في يوليو 2012 بتلقي ما مجموعه 41 مليون فرنك سويسري من شركة ISL كرشاوى في الفترة من 1992 حتى 2001. أما المضحك المبكي بالموضوع، أن الفيفا تحت رئاسة سيب بلاتر كانت على علمٍ بذلك، حتى أنها طالبت المحكمة المسئولة عن تدقيق حسابات شركة ISL بإيقاف التحقيقات في الموضوع لتوصلها إلى تسوية بالحكم على هافيلانج في العام 2010 بغرامة تقدر بنصف مليون فرنك سويسري، وعلى صهره تيكسيرا بغرامة تقدر ب 2,5 مليون فرنك سويسري! شيء يبرره سيب بلاتر بأنه «لا يمكنك الحكم على الماضي بقوانين الحاضر» مشيرا بذلك إلى أن ما فعله الاثنان في ذلك الوقت «كان قانونيا» بحسب القوانين السويسرية.

هافيلانج لم يكتفِ بما صنعه لوحده بالرياضة الشعبية، بل إنه مهد الطريق لخليفته سيب بلاتر ليستلم دفة القيادة من بعده. لتستمر المنظومة المتوحشة التي تنهش في القيم الأصيلة للرياضة. فتداخل كرة القدم والسياسة والفساد، شكل بيئة خصبة لتكوين إمبراطورية كروية عالمية تحكمها الشركات المتعددة الجنسيات، ورجال الأعمال، والأيادي السياسية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل