المحتوى الرئيسى

«الذئاب لا تنسى» للينا هويان الحسن.. أي أرض تنتظر السوريين

03/09 01:57

هي الحرب السوريّة. بدأت، وبدأ معها شعور بالألم، وإحساس بالمرارة لن ينتهيا، وإن انتهت. هي لغة الروائية السورية لينا هويان الحسن وكلماتها، حيث تحاول في روايتها الأخيرة «الذئاب لا تنسى»(دار الآداب) قتل وحوش التذكّر، وحوش الأرض، على أرض الكلمات.

الكاتبة، هنا، راوية كليّة المعرفة، شخصيّة رئيسة، شقيقة «ياسر»، بطل هذه الرواية، الحاضر رغم غيابه. دخل الرواية على ألسنة أهله وأقربائه، وعبر فلاش باك لمراحل متقطعة من عمره. من خلاله دخل حزن الحرب إلى قلب هذه العائلة. قُتِلَ «ياسر» خلال الأحداث السورية الأخيرة، فاستحضر مقتله حكايات الماضي، من بينها حكايات النساء القتيلات باسم «الشرف»، مثل «ونسة» الفتاة الأيزيدية التي هربت من طائفتها قبل ثلاثين عاماً، لتتزوّج شاباً بدوياً. و «خاتون عمشة» التي ألقيَ بجثتها في الآبار الرومانيّة القديمة، والتي تشكّل ملمحاً واضحاً في تضاريس البادية السورية الوسطى وخارطتها، البيئة التي نشأت فيها الكاتبة.

هذه البيئة التي أضحت اليوم خراباً، ونستطيع اختزال المكان في الرواية بالدمار، والرؤيا بالمتاهة. مكان تكتبه «الحسن» لعلّها تفقد هويتها وانتماءها. لعلّها تنسى عشيرتها واسمها في الأوراق الثبوتيّة. ورؤيا تحملها على أن تفتك بكل وجوهها المحتملة، لتكتب روايتها، وهي تحمل ملامح وجه جديد، بعد أن أخذ «ياسر» بغيابه كل الملامح الأصلية والجميلة.

ذنب ياسر أنه كان موظفاً في الدولة. هجموا على مكان عمله في مدينة «صدد» ليلاً، ضُرِب. ضُرِب وهو نائم، غدراً، بأخمص البارودة على رأسه، كذلك فعلوا مع زملائه. صحا الجميع إلا ياسر، فقد وعيه ونزيفه لم يتوقف. تحوّل ياسر إلى جثة تحمل رقماً دون اسم أو هويّة. جثة يجفّفها تبريد برادات الموتى في مستشفى «النبك»، التي فاضت براداتها بجثث مجهولة. لكلّ جثة قصّتها، وحزنها، وحقدها، ومرارتها، وثأرها.

رحلة إلى المدفن، تصوّر الحزن والخوف والقهر والبكاء. رحلة إلى المدفن، تصوّر الحرب والدمار والقنّاصة والطرقات المقطوعة. رحلة، عادت بها الكاتبة بكمّ هائل من حكايات الموت والقلق والحسد والدين والضغينة، وهذا ما يدور فعلياً في شرائح واسعة في المجتمعات المغلقة، والتي لا تجد أفضل من المكائد، لجهة سرّيتها وسهولتها، لبثّ مكبوتاتها.

انتهى الوقت المحدّد لهذه الزيارة. فقد امتدّ لأكثر من شهر بعد أن كان من المقرّر البقاء لأسبوع واحد، لكن، فجأة، تغيّرت المعطيات. رسائل سريّة خبيثة، تتسرّب عبر بعض الأقارب، تطلب من والد «ياسر» العميد المتقاعد أن يعلن انشقاقه، وإلا فإنّ الخطر يتربّص بمَن تبقّى من أبنائه. وهنا ينعكس زمن الحرب على زمن الرواية، حرب امتدّت لأكثر من خمس سنوات، ولم تنته حتى اليوم، وذلك للسبب نفسه: مكائد وضغائن.

تقرّر الرحيل خفية، وعلى مراحل. إلا أنّه وعشيّة السفر إلى اللامكان، ثمّة إحساس يشبه بؤس المحكومين، وأسئلة تتبادر إلى الذهن: أيّ أرض تنتظر الأخوة؟ أيّ سماء؟ أيّ منفى؟ وماذا عن أبناء ياسر الخمسة، يسألون أعمامهم: لماذا تتركوننا وتغادرون؟ متى سنلحق بكم؟

قد يسلك جميع أفراد العائلة درباً لا ينتهي بالوصول أبداً. يدُ القدر هذه المرّة ستلقي النرد. وسيجد كلٌ منهم أسلوبه في الصراخ والبكاء.

يقولون إنّ للذئاب ذاكرة، وإنها لا تنسى، لهذا تعوي... وتعوي حتى تتوارى آخر الكلمات. لذلك سيتكرر سؤال الهوية في «الذئاب لا تنسى» مراراً، وستسأله الكاتبة باسم الكثيرين، لكن لا جواب سوى عواء الذئاب.

الصحيح أنّ ما يحدث في سوريا يشبه «العواء» في قلب كل مواطن ومواطنة سوريّة، ويظهر ذلك جليّاً على شبكة الإنترنت. عواء مختلف شرائح الوطن، من روائيين/ات وشعراء/شاعرات وصحافيين/ات ومواطنين عاديين، جعلوا من مشاركاتهم على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، رايةً يلوّحون بها فوق القاتلين باسم الدين.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل