المحتوى الرئيسى

لعنة الفراعنة تسخط "آلهة مصر" لمجرد ملوك في Gods of Egypt

03/08 00:14

بعض الأفلام ترتبط بأحداث ومواقف وردود أفعال، تفوق في أهميتها وتأثيرها الفيلم نفسه، وهى حالة تنطبق بالتأكيد على فيلم المخرج أليكس بروياس "آلهة مصر" Gods of Egypt المعروض حاليا، كعمل ارتبط بحدثين مهمين:

١) في البداية ومع ظهور أول اعلان للفيلم في نوفمبر ٢٠١٥، بدأت موجة هجوم شرسة جدا اعلاميا ضد صناع الفيلم، تتضمن اتهامات بالعنصرية لسبب أرفضه تماما، وهو اختيار أبطال (غير سود البشرة) للأدوار الرئيسية!

الواضح أن غالبية المجتمعات الغربية، تتلخص معلوماتها بخصوص المصريين، على كونهم بملامح ولون مماثلين لملامح ولون مجتمعات وسط وجنوب أفريقيا. معلومة نعرف جميعا أنها خطأ.

اقرأ أيضا- مُخرج Gods of Egypt يرد على منتقدي اختياره أبطال من أصحاب البشرة البيضاء

النقطة الأكثر غرابة عامة هى معاملة فيلم مغامرات فنتازي اسطوري، بنفس معايير السينما التسجيلية وكتب التاريخ!.. اذا افترضنا جدلا أن الاعتراض السابق له وجاهته تاريخيا وعرقيا، فالسؤال اذا لماذا يصعب قبول ممثلين بيض البشرة في الأدوار الرئيسية لمصريين، في الوقت الذي لا يمانع فيه أحد من عشاق الدقة المزعومة، حوار بالإنجليزية في فيلم تدور أحداثه في مصر الفرعونية؟!

شاهد- الإعلان الترويجي لفيلم Gods of Egypt

والاجابة بسيط بالطبع. الهوجة جزء من موجة (ابتزاز اعلامي) سخيفة ومستمرة، تتظاهر أن هدفها إتاحة فرص عادلة للممثلين السود وكافة العرقيات، بينما هدفها الحقيقي ابتزاز من لا يفعل ذلك طول الوقت، واتهامه بالعنصرية دون مبرر. حملات تمثل العنصرية بعينها. كل ما هنالك أنها عنصرية لمصلحة العرق الأسود.

حملة شاهدنا أخر موجاتها في الهجوم على الأوسكار هذا العام، لأن الأكاديمية الشريرة، لم ترى في أداء ممثل واحد أو ممثلة سمراء، ما يستحق الترشيح!.. وهى جريمة وهمية حصرية تخص السود فقط، ولن تجد من يناقشها من الآسيويين مثلا!

٢) قرار الشركة المنتجة بتغيير اسم الفيلم من آلهة مصر Gods of Egypt الى ملوك مصر Kings of Egypt وتسويقه في الشرق الأوسط بالاسم المعدل.

اقرأ أيضا- طرح فيلم Gods of Egypt (آلهة مصر) في الشرق الأوسط بعنوان "ملوك مصر"

اصدار قرار من هذا النوع من الشركة المنتجة، يعكس نظرة تسويقية عالمية للسوق العربية، باعتبارنا شعوب هستيرية ضيقة الأفق، لا تطيق المساس بالدين بأى حال، وهو اجراء احترازي تسويقي لا يمكن لوم الشركة عليه، على ضوء منع فيلمين مهمين في ٢٠١٤ في مصر وأغلب الدول العربية، بسبب تناولهما حياة رُسل. أولهما "الخروج: آلهة وملوك" Exodus: Gods and Kings، وثانيهما "نوح" Noah.

في الشرق الأوسط لا يزال بعضه مشغول بتحطيم آثار حضارات ما قبل الاسلام، على طريقة داعش، وفي مصر التي يعيش فيها ملايين البشر المصممين على وصف (الحضارة الفرعونية) باعتبارها حضارة عفنة، لا يمكن نهائيا اعتبار قرار الشركة، منفصل تماما عن الوعى العام.

من اللطيف هنا أن نذكر أن وزير الثقافة السابق جابر عصفور، اعتبر منع "الخروج: آلهة وملوك" عملا وطنيا مجيدا، لأنه على حد قوله عمل صهيوني يُزيف التاريخ!.. وهى نقطة تعكس طريقة تبرير خضوع الدولة للفكر الديني، وتعكس أيضا طريقة الوصاية الغير مقبولة، التي تنتهجها الرقابة المصرية مع الجمهور، باعتبارنا جميعا مجرد أطفال لا يجوز تعريضهم لفكر مختلف!

وزير الثقافة يمنع عرض "Exodus: Gods and Kings" لـ "تزييف التاريخ"

"الأزهر" يوصي بمنع "نوح" من العرض في مصر

الموقفان يلخصان الكثير والكثير عما يحدث في العالم وفي منطقتنا فكريا. وأولهما بالأخص تكفل بطعنة مبكرة للفيلم في شباك التذاكر عالميا، قبل بدء عرضه. موقفان سيظلا باختصار أهم ما سنتذكر بسببه الفيلم مستقبلا، لأنه ببساطة عمل لا يحتوي على الكثير ليستحق الصمود في الذاكرة.

يقتبس الفيلم خط أحداثه الرئيسي من اسطورة إيزيس وأوزوريس وحورس. أقدم قصة بشرية نعرفها عن العم الذي اغتصب العرش، وحاول جاهدا قتل أو نفي وريثه الشرعي، إلى أن يعود هذا الابن لاستعادة مُلكه المفقود. قصة تم تكرارها عشرات المرات، وأصبح أشهر نسخها حديثا مسرحية شكسبير "هاملت".

لكن على العكس من أصل الاسطورة ذات الطابع السوداوي والملحمي، اختار المخرج وطاقم السيناريو تطويعها لفيلم مغامرات أمريكي مرح وبسيط، يواكب هوجة أفلام الكومكس والأبطال الخارقين حاليا.

اقرأ أيضا- "ديدبول".. الوغد المناسب في الوقت المناسب!

وهكذا أصبح لدينا الشخصيات والتركيبات النمطية في فيلم الكومكس الأمريكي. الجميلة التي ستصبح محرك لدوافع الأبطال. البطل الخارق الذي يتعلم دروس مهمة بفضل اختلاطه ببشر عاديين. الصعلوك الشاب خفيف الظل الذي سيتحول لبطل مكافح بسبب الحب. الشرير الذي سيخسر في النهاية.. الخ.

هذا التطويع أفقد القصة والأجواء والشخصيات خصوصيتها. بمعنى أخر لم يتم صياغة الأساطير المصرية بشكل مختلف عن غيرها، وهى نقطة لا تتوقف فقط عند البناء الدرامي، بل تمتد أيضا للإطار البصري للفيلم.

الجرافيك هنا هو الأساس. كل ثانية في الفيلم تنطق بديكورات وتفاصيل تم صناعتها به. بروياس كمخرج رغم تاريخه الذي يضم أفلام خيال علمي مهمة مثل I, Robot (٢٠٠٤)، وDark City (٢٠٠٤)، لا يعرف هنا تحديدا متى يجب أن يتم توظيف الجرافيك، ومتى يجب استبعاده. متى يخدم الإطار الملحمي، ومتى ينسفه. ريدلي سكوت قدم بخبراته سابقا، درس شيق في هذة الجزئية في Exodus: Gods and Kings (٢٠١٤).

سطوة الجرافيك هنا رغم ابهارها الذي يصعب انكاره، سحبت من الفيلم طابعه الملحمي. القاعات الملكية لا تبدو فخمة للدرجة لأنها جرافيك غير منسجم. الملابس لا تبدو خلابة للدرجة لأن أغلبها مُعدل بالجرافيك بشكل اصطناعي واضح. الوحوش والكائنات الاسطورية لا تبدو خطيرة للدرجة، لأنها تماثل كل جرافيك شاهدناه ونعرفه في أفلام أخرى. باختصار تحول الفيلم إلى سيرك جرافيك متواصل.

كل شىء هنا يحاكي أجواء الخيال العلمي والكومكس، أكثر مما يحاكي الأجواء الاسطورية التاريخية. مشاهد تحول الآلهة لوحوش، قريبة من مشاهد سلسلة المتحولون Transformers للمخرج مايكل باي. تصميم كثير من الملابس والدروع، أقرب لأبطال السوبر هيرو، منه إلى النمط الفرعوني.. وهكذا.

ضمن الألاعيب البصرية الأخرى التي اعتمد الفيلم عليها، صياغة الآلهة بشكل يفوق البشر حجما. لعبة استفاد منها المخرج بيتر جاكسون سابقا، في سلسلة مملكة الخواتم والهوبيت، لصبغ العلاقة بين جاندالف وأقزام الهوبيت بطابع أبوي مرح، أو لمنح الهوبيت طابع طفولي شجاع في صراعاتهم ضد المسوخ والوحوش الضخمة.

هنا لم تضيف اللعبة للفيلم والشخصيات الكثير دراميا، بقدر ما خلقت حاجز أخر للتواصل. تزداد المشاكل بصريا على ضوء اصرار صناع الفيلم على صياغته في نسخة ثلاثية الأبعاد 3D لم يستفيد منها في مشهد واحد بشكل فعال.

حتى عندما تخيل المخرج صراع إلة الشمس رع (جيفري راش) مع عدوه، اختار اطار بصري أقرب لأفلام غزاة الفضاء. ولم ينجح ممثل عملاق بموهبة راش، في ضخ روح شكسبيرية للشخصية والقصة، على العكس مما فعل أنتوني هوبكنز مثلا في سلسلة "ثور" Thor التي تنتجها مارفل. وهى أزمة سببها السيناريو والحوار بالأساس.

ثنائي السيناريو (مات سازاما - بيرك شربلس) فريق متواضع يتضمن تاريخه عملين من أضعف أفلام المغامرات ذات الطابع الأسطوري حديثا Dracula Untold (٢٠١٤) و The Last Witch Hunter (٢٠١٥)، ومن الغريب أن ينال هذا الفريق فرص متعددة، رغم تكرار الاخفاقات.

جزء من سحر فكرة الآلهة سواء في الأساطير الفرعونية أو اليونانية، يمكن في تميز كل إلة بقدرات خارقة محددة. الة للشمس.. للبحر.. للعواصف.. للرمل والصحراء.. للحكمة.. الخ. قدرات متباينة كان من الممكن لسيناريست أخر مبدع، أن ينتج بفضلها الكثير والكثير من مشاهد ومحاور الصراع المُبتكرة.

هنا لم يتم توظيف هذة النقطة بشكل فعال، وتحولت الآلهة المتصارعة (حورس - ست) إلى مجرد مقاتلين أشداء يجيدان استخدام السيف والرمح والقفز، ويغيران من شكلهما من وقت لأخر ليصبحا وحوش أقرب إلى روبوتات!.. والنقطة الأسوأ ربما، أن الأحداث تمركزت أكثر على البطل البشري الشاب، مقارنة بالآلهة الأكثر جاذبية.

في ظل هذا السيناريو، لم يملك الطاقم التمثيلي من الأصل ما يكفي لتقديم شخصيات جذابة للدرجة. إلى حد ما يبدو جيرارد باتلر في دور "ست" ملائما لأجواء الفيلم الاستعراضية، بأداء أخر مُتفاخر، لكن يصعب مقارنة دوره هنا بدوره في فيلم (300). وهو عمل استفادت فيه القصة جدا من أدائه الخشن.

على العكس منه لم تنجح محاولات نيكولاج كوستير والدو نجم مسلسل لعبة العروش، في ضخ شخصية حورس بأى شىء رغم مساحتها الزمنية في الأحداث. وهو نفس ما يمكن قوله عن الممثل الشاب برنتون ثوياتس في دور اللص. شخصية يفترض فيها السيناريو جانب كوميديا ومرح، دون أن يقدم لها الكثير للمساعدة في هذة الجزئية.

اجمالا وباستثناء الجميلة كورتني إيتون، التي شاهدناها سابقا في دور واحد صغير في أخر أفلام ماد ماكس Mad Max: Fury Road لا يمكن اعتبار الفيلم خطوة للأمام في مشوار أبطاله.

قد يرى البعض حساسية مبالغ فيها من جانب ناقد مصري في الاعتراضات والملاحظات السابقة، أو درجة رفض مرتبطة بسقف توقعات عالي لفيلم مقتبس من أساطيرنا الفرعونية، لكن حتى مع نظرة عامة للفيلم تتجاوز تماما ما سبق، يصعب تصنيفه كفيلم مسلي قوي، يليق بميزانية تتجاوز الـ ١٤٠ مليون دولار.

صياغة الحدوتة في قالب مغامرات مسلي بسيط ومرح، خطوة لا أرفضها من حيث المبدأ. كاتب هذة السطور مدمن لأفلام البوبكورن، ولم ينتظر من الفيلم بأى حال أن يصبح من نوع أخر. لكن على العكس من أول فيلمين في سلسلة The Mummy مثلا للمخرج ستيفن سومرز (١٩٩٩ - ٢٠٠١)، يصعب تصنيف المحاولة هنا كمحاولة ناجحة.

آلهة مصر عمل يتحرك في دوائر كثيرة (مغامرات - أساطير - فنتازيا - ابهار). تم صناعته بميزانية كافية. يتعرض لاسطورة يمكن استلهام الكثير والكثير منها، سواء من حيث السرد الدرامي أو الطابع البصري. لكنه رغم كل هذا، أنهي السباق بمعدل جودة متوسط في كل العناصر.

يوما ستنل الميثولوجيا الفرعونية معالجة هوليوودية طموحة لتقديم شىء مختلف عن السائد. أو على الأقل لتقديم عمل متقن بمقاييس السائد. آلهة مصر عمل لا يطمح للكثير، ورغم سقف طموحه المتوسط، لم ولن ينجح في تحقيق أغلب أهدافه، خاصة بعد تعرضه للحملة الاعلامية السابقة الذكر.

وبالطبع ستظل واقعة تغيير عنوانه في أرضه وموطن أحداثه، شاهد على فارق رهيب بين مصر القديمة التي عرفت أحد أقدم الحضارات، وأنتجت من خلالها رسوم ونقوش ومباني وأساطير، لاتزال موضع ابهار واعجاب عالميا، ومصر الحالية التي أصبح جمهورها المعاصر موضع شك عالميا، بخصوص درجة الاستعداد لتقبل وجود كلمة (آلهة) في اسطورة قديمة!

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل