المحتوى الرئيسى

«40 ضررا» يصيب فاعل المعاصي والذنوب

03/07 14:11

خلق الله تعالى الإنسان وكرمه واصطفاه، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً، وأودع في النفس البشرية خلالاً وصفات، وسجايا وطبيعاتٍ، ومن تلك السجايا والصفات التي فُطرت عليها النفس البشرية: طبيعة التقصير والخطأ، والانحراف والهوى، فالمعصية طبعٌ جبلّي وخلق بشري، متى ما كان الوقوع فيها بدافع الشهوة والشبهة، دون محبةٍ أو رغبة، مع كره القلب لها، ونفور النفس منها.

واقتضت حكمة الله تعالى واتصافه بصفات المغفرة والرحمة أن يقع العباد في الذنوب والآثام، ثم يرجعون إلى الله مقبلين تائبين فيغفر لهم ويتجاوز عنهم بمنّه وكرمه، ولو شاء الله لآمن من في الأرض أجمعين ولهدى الناس كلهم، لكن حكمته اقتضت أن يملأ الجنة والنار من خلقه.

وكلمة التوبة كلمة عظيمة، لها مدلولات عميقة، لا كما يظنها الكثيرون، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب فالتوبة هي أمر زائد على الاستغفار، ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث، وهي:

الإقلاع عن الذنب فوراً، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة وإرجاع حقوق من ظلمهم ، أو طلب البراءة منهم.

ويجب على المسلم ألا يقنت من رحمة الله تعالى بسسب فعله المعاصي والذنوب، مصداقا لقوله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) الزمر/53-54 .

وذكر الإمام ابن القيم آثاراً للمعصية نلخصها من كتاب «الداء والدواء» كالآتي: حرمان العلم: فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، وحرمان الرزق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الرجل لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» رواه أحمد وغيره.

وأضاف ابن القيم: أن من يفعل المعاصي يوجد عنده وحشة يجدها العاصي في قلبه وبينه وبين الله لا توازيها ولا تقارنها لذة، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة، وأيضا يحصل النفور الذي يحصل بينه وبين الناس ولا سيما أهل الخير منهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالستهم.

وتابع: وتعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقاً دونه أو متعسر عليه ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم... وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً فيه يراه كل أحد.

واستطرد ابن القيم: أن المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فأمر ظاهر وأما وهنها للبدن، فالفاجر –وإن كان قوي البدن - فهو أضعف شيء عند الحاجة، مضيفا وحرمان الطاعة فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، وأيضا تقصير العمر ومحق بركته

فإن البر كما يزيد في العمر، فالفجور يقصر العمر، وأيضا المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضاً كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.

واستكمل: أن المعاصي تضعف إرادة الخير فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة، وأيضا ألف المعصية حتى ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، وأيضا المعصية سبب لهوان العاصي على ربه وسقوطه من عينه وقال تعالى: «وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء» سورة الحـج (18).

وأردف: وأن آثار ارتكاب المعاصي شؤم المعصية يعود عليه شؤم ذنوبه، فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم، وأيضا المعصية تورث الذل فإن العز كل العز في طاعة الله قال تعالى: «مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ» سورة فاطر (10). مضيفًا أن المعاصي تفسد العقل، فإن للعقل نورًا، والمعصية تطفئ نور العقل.

وأشار إلى أن الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين كما قال بعض السلف في قوله تعالى: «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (سورة المطففين 14) قالوا: هو الذنب بعد الذنب.

وألمح ابن القيم إلى أن الذنوب تدخل العبد تحت لعن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن قد لعن على معاص وغيرها أكبر منها، فهي أولى بدخول فاعلها تحت اللعنة، وأيضا الذنوب سبب في حرمان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوة الملائكة

فإن الله سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وأيضًا الذنوب والمعاصي تحدث أنواعًا من الفساد في الأرض

قال تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» سورة الروم (41) فتسبب الخسف و الزلازل ويمحق بركتها.

ولفت إلى أن الذنوب كذلك تطفئ الغيرة وأشرف الناس وأعلاهم همة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس، كما أن المعاصي تُذهب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير كله قال صلى الله عليه وسلم «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» "رواه مسلم".

وبين أن الذنوب تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد شاء أم أبى، ومن عقوبة هذا أن الله – عز وجل – يرفع مهابته من قلوب الخلق ويهون عليهم ويستخفون به، وأيضا المعصية تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)» سورة الحشر.

وأكد ابن القيم أن المعاصي تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة أو تعوقه أو توقفه وتقطعه عن السير، كم أنالذنوب تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، وقد قال تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (53 سورة الأنفال).

وقال: ومن عقوبات ما يلقيه الله – سبحانه – من الرعب والخوف في قلب العاصي فلا تراه إلا خائفا مرعوبا فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبة الدنيا والآخرة ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب، كما أن المعاصي تصرف القلب عن صحته واستقامته إلي مرضه وانحرافه فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب ودؤاها ولا دواء لها إلا تركها، مشيرًا إلى أن المعاصي تُعمي البصيرة وتطمس نوره، وتسد طرق العلم وتحجب موارد الهداية، منوها بأن المعاصي تُصغر النفوس وتقمعها وتدسيها وتحقرها، حتى تصير أصغر شيء وأحقره كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها قال تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا» (9 - 10 سورة الشمس).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل