المحتوى الرئيسى

هل تهدد التربيطات مصداقية أشهر جائزة للرواية العربية ؟

03/06 17:46

جدل هائل ظل يصاحب النسخة العربية من جائزة “مان بوكر” للرواية، والتي تطلقها أبوظبي كل عام وتصاحبها حملة إعلامية ضخمة للقوائم المرشحة والتصفيات وصولا للأعمال الفائزة ، وعادة ما يكون النصر مؤزرا لفرسان الجائزة الخمسة وعلى رأسهم العمل الفائز  ليس بسبب آلاف الدولارات التي تهبط فوقهم، وإنما ترجمة  الروايات للغات خمس ووصولها لقوائم “الأعلى مبيعا” بسرعة البرق.

ملتقى السرد العربي الدائم بالقاهرة قرر فتح الملف الشائك، وأعلن رئيسه الناقد الأكاديمي د. حسام عقل مساء أمس أن العديد من النقاد والكتاب تهربوا من الخوض بأزمة البوكر، رغم ما يشكونه منها بالغرف المغلقة!

وقد شهد المنتدى الثقافي المصري مناقشة أزمات البوكر بمناسبة قرب إتمامها عشر سنوات، وحضر المناقشة عدد من المبدعين بينهم د. منيرة مصباح الشاعرة وأستاذة الأدب العربي بجامعة شيكاغو والشاعر عمارة إبراهيم والشاعر حمدي موسى مدير صالون “أرابيسك”

يؤكد “عقل” أن ملتقى السرد العربي لن يتحول لمعول هدم للظواهر الثقافية العربية، وهو يعترف بمساهمة الجائزة بالترويج للأدب العربي عالميا من جهة وارتفاع نسبة مقروئية الروايات العربية إقليميا أيضا، ولكن يبقى التساؤل الهام : ما هي الصورة التي نصدرها لأدبنا العربي، ولماذا نحبط المبدعين الحقيقيين بالإصرار على منطق المواءمات البعيد عن الموضوعية في التحكيم بين أكثر من 150 رواية عربية ؟!

وتعد الجائزة العالمية للرواية العربية فرعا من جائزة “مان بوكر” العالمية للرواية ومقرها لندن، وتخضع لإشرافها مباشرة، بينما تقوم هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بدعمها ماليا . وهي تهدف بحسب موقع الجائزة لـ”مكافأة التميز في الأدب العربي المعاصر ورفع مستوى الإقبال على قراءته عالميا من خلال ترجمة الروايات الفائزة للغات رئيسية أخرى ونشرها”

وفي يناير من كل عام تعلن الجائزة قائمتها الطويلة ثم تعلن بعد شهر عن قائمتها القصيرة، فيما يعلن عن الفائزين في إبريل بأبوظبي، وخلال كل مرحلة تكون أسماء المرشحين حديث الساعة الثقافية بوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ما يترجم لمزيد من مبيعات أعمالهم .

أين الخلل إذن؟! يشير د. حسام عقل للجنة تحكيم الجائزة والروايات التي يتم اختيارها بناء على معايير تغيب عنها القواعد النقدية والفنية الأدبية وتحضر فيها قيم الترضيات والتربيطات والمحاصصة الجغرافية بمرور الوقت، وقد كانت الجائزة مبشرة في بدايتها حين ذهبت لرواية “واحة الغروب” لبهاء طاهر 2008، وهي رواية جيدة، وبمرور الوقت اختلف الأمر.

في عام 2009 منحت الجائزة لرواية “عزازيل” للروائي المصري يوسف زيدان، وهي عمل مبدع بلا شك، ولكن منحه الجائزة لا يعتمد فقط على جمالياته وإنما يستثمر – كما يقول حسام عقل – الجدل الدائر حول فكرة الرواية التي تثير الشبهات حول اللاهوت المسيحي وفكرة الأقليات ، وهنا بدأت الجائزة تستعين بقيم الميديا وليس الأدب في منح جوائزها ، وهذه ليست آفة جائزة الرواية وحدها ولكنها آفة الكثير من الجوائز العربية الثقافية وبينها جوائز مصر.

في عام 2010 منحت الجائزة لرواية السعودي عبده خال “ترمي بشرر” وهذه الرواية بكل المقاييس ليس الأفضل عربيا ولا بين الأعمال المرشحة بحسب الناقد؛ وقد نافستها مثلا رواية المنسي قنديل “يوم غائم في البر الغربي” وهي عمل شديد الإبداع لغة وبنية ، بعكس الرواية السعودية .

ويذكر حسام عقل أنه التقى الراحل خيري شلبي، وهو أحد آباء الرواية المصرية المعاصرة، وبارك له دخول روايته “اسطاسية” بالقائمة الطويلة لجائزة الرواية، فأخبره بأنه موقن من عدم خوضها المنافسة بالقائمة القصيرة، وذلك على حسب تعبيره لأنه “لا تنطبق عليه معايير الجائزة !”

في عام 2011 فاز اثنين من الروائيين العرب مناصفة، وهو أسلوب لا يتبع بالجوائز المحكمة الكبرى، فالجوائز صنعت من أجل تحديد فائزين بتراتبية أولى وثانية وهكذا، وقد فاز المغربي محمد الأشعري عن “القوس والفراشة” وفازت رجاء عالم عن “طوق الحمام” .

في عام 2012 فازت رواية “دروز بلغراد” لربيع جابر بالجائزة، وهي رواية جيدة أدبيا ولكنها تعزف على وتر الأقليات مرة أخرى، وهم الدروز ، وهذا الاختيار يشي بالسير بطريق الإعلام خاصة لو كانت محددات لجنة التحكيم تخبرك بذلك ، ولا تتحدث عن الأدب وجمالياته .

في 2013 فازت رواية “ساق البامبو” لسعود السنعوسي وهو روائي كويتي مجد، وحظت الرواية بشهرة أدبية واسعة ، والغريبة أن تكون رواية ابراهيم عيسى “مولانا” مرشحة للجائزة بالقائمة القصيرة على حين تستبعد أعمالا هامة كثيرة لمبدعين عرب من 22 دولة !

في عام 2014 فازت رواية “فرانكشتاين في بغداد” لأحمد سعداوي من العراق، وهنا بدأت الأوساط الثقافية تتفاءل بتحرك بوصلة الجائزة للمؤشر الصحيح، فالرواية تنطبق عليها المعايير الأدبية والجمالية بلا شك .

ويبدي “عقل” ملاحظة هامة، وهي أن لوائح الجائزة تشترط أن يكون المتقدم بالترشيح هو الناشر ذاته، وهو ما فتح الباب للناشرين من ذوي العلاقات والنفوذ، ويظهر ذلك بجلاء بقوائم الجائزة الطويلة والقصيرة، فدائما تتردد أسماء دور بعينها بغض النظر عن جودة ما يطرحونه للترشيح إبداعيا، ومن هؤلاء دار “العين” المصرية لصاحبتها فاطمة البودي .

في عام 2015 فازت رواية “الطلياني” للتونسي شكري المبخوت، وهي رواية جميلة لكن محددات لجنة التحكيم لم تبرز سبب اختيارها دونا عن غيرها من الأعمال المرشحة .

ولازلنا ننتظر الفائز بالجائزة لعام 2016، بالنسخة التاسعة للجائزة، ولكن المؤشرات واضحة وجلية في كيفية الاختيار من قبل لجنة التحكيم .

ومحددات اختيار الأعمال الستة المرشحة للجائزة بدت “مدهشة” فهي بعيدة تماما عن السياق الأدبي والنقدي المتعارف عليه، واختيار لجنة المحكمين ذاتها جاءت غريبة ؛ فالجائزة مخصصة للرواية ومع ذلك لجنة تحكيمها تضم سيد محمود وهو كاتب صحفي مجتهد وله إنجازات ملموسة بصحيفة “القاهرة” التي تولى رئاسة تحريرها، ولكنه ليس أفضل من يحكم بين الروايات العربية ، لأنه غير متخصص بهذا الأمر، وهناك أيضا الصحفي عبده وازن وهو كشاعر أو ناقد ليس معروفا بقدر شهرته الصحفية، وهناك منير مويتش مستعرب من البوسنة يعمل أستاذا للأدب العربي بلجنة التحكيم، وهو اختيار يجافي الكثير من نقادنا العرب .

واللجنة ضمت من عمان رئيس لجنة الأمناء ياسر سليمان، وهناك ناقد واحد له وزنه بالعالم العربي وهو المغربي محمد مشبال.

وعادة ترد لجنة التحكيم على هذا الانتقاد بأنهم يرغبون بحضور ممثلين للقراء وليس فقط النقاد بلجنة التحكيم، ويؤكدون أن الصحفيين الثقافيين عادة يكونون أوسع قراءة لجديد الأدب المعاصر .

الغريب أيضا أن تجد بعض المنتمين للجنة التحكيم يكتب 5 مقالات بالصحف في آن واحد، فكيف يتسنى له قراءة متأنية فاحصة لأكثر من 150 رواية في بضعة أسابيع!

وهناك مسألة اخرى مريبة يشير إليها الناقد د. حسام عقل، أن لجنة التحكيم لا يعلن عنها إلا يوم الإعلان عن الأعمال المرشحة بالقائمة القصيرة، وتظل اجتماعاتهم سرية بعواصم عربية متعددة لاختيار الأعمال، وقد ذكرت رئيسة لجنة التحكيم وهي د. أمينة ذيبان من الإمارات أنهم “تراضوا” على خمس أعمال وصوتوا بخصوص “عمل واحد” وهو يؤكد منطق الترضيات وليس الاختيار الحر .

أما معايير اختيار الأعمال الست التي أسماها الناقد بـ”العجيبة” فدلل عليها بما ذكرته لجنة التحكيم التي عقدت جلستها العلنية بمسقط مؤخرا لإعلان القائمة القصيرة، فقد ذكرت أمينة ذيبان رئيسة اللجنة أنهم اختاروا أعمالا تنفتح فيها “الذات الفردية على الجمعية، وتشمل فضاءات نفسية واجتماعية وتاريخية ، وتنفتح على أساليب سردية مبتكرة تسائل الموروث الروائي العربي وتتفاعل مع اللحظة المأساوية الراهنة” وهذا الكلام برأي الناقد لا علاقة له بمعايير النقد الأدبي التي تستخدم التحليل الأسلوبي والأدبي بشكل موضوعي علمي .

وبنفس اللهجة تحدث ياسر سليمان رئيس الأمناء والذي أكد أن الروايات تبوح بمكنونات النفس البشرية، وتعطي بؤرة مكثفة تتماهى مع الوضع الإنساني في أطره الاجتماعية والسياسية، وهذا كلام انطباعي لا علاقة له بأفضلية رواية عن غيرها أدبيا .

وبحسب المحكمين فإن رواية “نوميديا” تصور قلق المثقف العربي الباحث عن هويته في مواجهة التمثيلات المختلفة لهذه الهوية، وهذا أيضا كلام انطباعي عن موضوع الرواية وليس سبب ترشحها، وذكرت اللجنة أن رواية “عطارد” صرخة عنيفة وواعية بالإحباطات التي آل إليها طموح الحالمين بالتغيير. إنها أوتوبيا مضادة تؤسّس عالما بالغ القسوة والقبح، وهو حديث انطباعي.

وقالت اللجنة أن رواية “مديح لنساء العائلة” تحكي عن التحولات الفلسطينية الجذرية، جغرافيا وثقافيا وسياسيا، وعن الأثر الذي تركته في الأفراد والجماعات، وخصوصا المرأة. وتتحدث رواية “سماء قريبة من بيتنا” عن يقظة الذاكرة السورية ووجعها؛ تستعيد الألم الشخصي وتطل منه على ضمور الجسد بنبرة أنثوية خافتة لا تفقد بطلتها الأمل في النهوض من جديد. رواية ذات طابع بوليفوني مأساوي، وينطبق على هذه المعايير ما انطبق على سابقاتها .

وتقارب رواية “حارس الموتى” المأساة اللبنانية عبر منظور جديد يتساوى فيه الضحايا على اختلاف هوياتهم، الأحياء في الحرب والموتى داخل المستشفى!

ويتساءل الناقد : كيف تقوم لجنة تحكيم موقرة بعرض هذه الآليات لاختيار الأعمال ؟ وتجافي عشرات الأعمال الهامة لمجرد أن أصحابها وناشريها لا يجيدون التربيطات أو لا مكان لهم بالمحاصصة الجغرافية التي تتجاهل مبدعين من أقطار بعينها فازت بالدورات السابقة !

الأهم أن بعض أعضاء لجنة التحكيم تحدثوا عن مناقشة القضايا السياسية بحيادية ودون انحياز لطرف على حساب آخر، وهو ما بدا بالحديث عن رواية شهلا العجيلي التي تطرح الهم السوري، والسؤال : هل تريد الجائزة من المبدع أن يكون جنتلمان في حديثه عن السياسة؟ فلا يحرجها مع أنظمة قمعية قائمة كنظام الرئيس بشار الأسد! ولماذا يؤكدون على اللغة المحايدة ، وهل كانت لغة أمل دنقل محايدة مع الأوضاع بمصر !!

ومن بين ملاحظات الناقد شكوكه بأن اللغة الفاضحة أحيانا تكون مؤهلة لخوض العمل القوائم النهائية، وهي شكوك حتما سيتهم قائلها بالتشدد ولكن لا بأس .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل