المحتوى الرئيسى

السياسة الخارجية للأزهر الشريف

03/05 21:48

السياسة الخارجية لا تكون إلاّ للدول ذات السيادة.. ولكنّى هنا أستخدم التعبير -مجازاً- لإظهار أهمية أن يمتلك الأزهر رؤية كاملة للعلاقات الدولية.

لقد تشرفتُ بصحبة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إلى إندونيسيا.. وحضرتُ -ضمن ما حضرت- لقاء فضيلته مع السادة سفراء الدول الإسلامية فى جاكارتا.

وحين جاء دورى فى الحديث.. قلت للإمام الأكبر: إن العلاقات الدولية معقدة.. ثم إنها تزداد تعقيداً بمرور الوقت.. وإن أمهر السياسيين وأقوى مراكز البحث يجدون صعوبات جَمّة فى فهم وإدراك حقائق السياسة فى العالم.. مع تلك التحولات التى لا تنتهى إلا لتبدأ.. ولا تبدأ إلا لتتغيّر.. من جديد.

ولقد شرفّنى فضيلة الإمام الأكبر بأن طلب منّى إعداد ورقة بشأن ما سميتُه «السياسة الخارجية للأزهر الشريف».. ولقد أرسلتُ الورقة المطلوبة.. عقب عودتنا من إندونيسيا.. آملاً أن تجد قريباً فرصة للنقاش والحوار.

إن الجغرافيا السياسية للعالم الإسلامى تواجهُ تأزيماً وتقسيماً.. كما أن الشعوب الإسلامية تواجه محاولات هزيمتها أمام أنفسها.. وهزيمتها أمام العالم.

ولقد سبق أن طرحت فى كتابى «الجهاد ضد الجهاد» تلك المعادلة المأساوية التى يُراد لنا المضى بها ومعها إلى النهاية.. معادلة: الإسلام ضد الإسلام، والإسلام ضد العالم.. حتى يقضى المسلمون على المسلمين.. ثم إذا بالعالم الإسلامى، بعد أن تنهكه الحروب الأهلية والمذهبية، يواجه من تلقاء نفسه.. هزيمةً بلا حرب.. بينما يشهدُ العالم الذى لا عليه سوى أن ينتظر عند شاطئ النهر حتى يُلقى إليه الماء بجثة عدوه.. نصراً بلا حرب.

لقد سمعتُ من فضيلة الإمام الأكبر -فى إندونيسيا- معادلةً مضادة.. هى معادلةٌ رائعةٌ.. وحتميّة: السلام داخل الإسلام، والسلام مع العالم.

قال الإمام الأكبر: إن العالم لا ينقسم إلى المسلمين والكفار.. وإن هناك ديانات سماوية أخرى غير الإسلام.. وإن الإسلام يحرّم دماء المسلمين.. كما يحرّم دماء غير المسلمين.. ويضع ضوابط محكمة للقتال.

وقال الإمام للسفراء الحضور: احفظوا هاتيْن الآيتين جيداً.. فهما تُمثِّلان أساس رؤية الإسلام للعالم: قوله تعالى: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ».. وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا».

إن رسالة الإسلام التى يحملها الأزهر الشريف فى وجه الأعداء من المسلمين ومن غير المسلمين.. هى الرسالة الضرورة.. وهى تتأتى فى وقتٍ تبدو فيه وكأنها «النداء الأخير».

إن تعقيدات العالم الإسلامى ضمن تعقيدات العالم.. تفرض على الأزهر الشريف.. نهج سياسة خارجية تعنى بالتفاصيل الدقيقة.. والمتغيرات المتلاحقة.

فيما قبل.. وقفت إندونيسيا المسلمة ضد إعلان دولة ماليزيا المسلمة، وباكستان المسلمة حاربت استقلال بنجلاديش المسلمة.. وإيران المسلمة وقفت مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة.. وعدد المسلمين فى الهند الهندوسية أكبر من عدد المسلمين فى باكستان المسلمة.. ثم إن المسلمين يوجدون فى كل دول العالم تقريباً.. وهم متوزعون على مذاهب وتيارات.. سواء كانوا أغلبية أم أقليات.

إن فهم ذلك كله.. ثم السير الآمن بين طرقاته ودهاليزه الوعرة.. والحفاظ على المصالح العليا للإسلام دون الإضرار بالمصالح الدنيا لبعض المسلمين هو عملٌ علمى شاق.. وهو عملٌ سياسى أكثر مشقّة.

وإذا كانت الدولة الواحدة تجدُ صعوبات لا نهاية لها فى وضع سياسة خارجية لها.. فإن الأزهر الشريف، الذى تمتد رسالته إلى عشرات الدول، يواجه وضعاً أكثر صعوبة.. وملفات أكثر تعقيداً.

سوف يجد الأزهر، وهو يضع وينفذ سياسته الخارجية، حلفاءً بلا عدد، وسوف يجد من «اللوبى العالمى للأزهر»، الذى تمثلُه الرابطة العالمية لخريجى الأزهر.. التى ضمّت رؤساء ووزراء وسفراء وكبار مسئولين.. سنداً لن يتأتّى لغيره.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل