المحتوى الرئيسى

حمادي الجبالي .. رجل العثرات المتتالية

03/05 16:27

رئيس الحكومة التونسية الأسبق حمادي الجبالي

صباح الخير من تونس 13

صباح الخير من تونس 14

صباح الخير من تونس 15

صباح الخير من تونس 16

صباح الخير من تونس 17

صباح الخير من تونس 18

وانا في طريقي من الحمامات الى نابل (المسافة 10 كلم)، اشار سائق التاكسي الى بناية فخمة، وسألني: هل تعرف لمن هذه؟ اجبته بالنفي فقال لي: انها لابنة حمادي الجبالي (رئيس الحكومة في في فترة الترويكا التي تزعمتها حركة النهضة الاسلامية من 2011 الى 2014). واضاف: اصبح لبلادنا "طرابلسية" جدد (يقصد بالطرابلسية عائلة زوجة الرئيس زين العابدين بن علي، والتي يعتبرها التونسيون مسؤولة عن انهيار نظامه بسبب  فسادها). وقد سبق لي ان سمعت اخبارًا تؤكد ان حمادي الجبالي اصبح يمتلك عقارات كثيرة في مسقط راسه، سوسة، وفي العاصمة، وايضا ضيعات في مناطق مشهورة بخصوبة اراضيها، وأنه "يسبح في ثراء فاحش" بحسب تعليقات التونسيين على الفايسبوك. ولست هنا لأؤكد مدى صحة مثل هذه الاخبار، وانما لتقديم الصورة التي تمثل حمادي الجبالي بعد "ثورة الياسمين". فقد كان هذا الرجل هو الثاني في حركة النهضة بعد راشد الغنوشي، وكان يعتبر احد اهم رموز هذه الحركة خلال فترة حكم بن علي. وبعد انتخابات 2011، دخل قصر "القصبة" كرئيس لحكومة "الترويكا" المؤقتة محاطًا بمهابة ماضيه، ماضي "المجاهد" الذي أمضى حوالي عقدين في زنزانة منفردة. غير أنه سرعان ما فقد مَهَابته، ومصداقيّته، ورصيده السياسي، ليغادر منصبه الرّفيع بعد عام ونصف العام، وهو خالي الوفاض تاركًا عند التونسييّن اسوأ الذكريات، وأمرّها.ويعود ذلك إلى الاخطاء الفظيعة والقاتلة التي ارتكبها على مستويات متعدّدة. فحال فوز النهضة في الانتخابات المذكورة، ذهب الجبالي مسرعا إلى سوسة ليبشّر أمام جمع غفير من أنصار النهضة، وبحضور ضيوف من فلسطين، بقيام ما سمّاه "الخلافة السّادسة". وبطبيعة الحال صفّق له الحاضرون طويلا، وهلّلوا، وكبّروا. ولعلّ أغلبهم فعلوا ذلك من دون أن يدركوا معنى ما قاله "المجاهد" الذي دخل عليهم معتمرا قبّعة "الكابوي" الخارج للتّوّ من غبار معركة ضارية. غير أنّ التبشير بـ "الخلافة السادسة" أثار غضب وآستياء نسبة عالية من التونسيين الذين ثاروا من أجل الحريّة والكرامة، وأطاحوا بنظام بن علي ليمضوا بأنفسهم، وببلادهم نحو مستقبل أفضل، وليس ليعودوا إلى ماض سحيق تلفّه الظّلمات، وتغمره الالام والاحزان. وكان على قادة النهضة أن يُبدّدوا الكثير من الوقت، ويبذلوا جهودا مُضنية سعيا منهم لاصلاح ما أفسده خطأ صاحبهم الذي كان لا يزال على عتبات قصر "القصبة". وعقب مرور أسابيع قليلة على الخطأ الاول، ارتكب الجبالي هفوة اخرى اثارت ردود فعل واسعة، شعبيّة واعلاميّة. فقد تصوّر وهو يدلي بتصريح الى قناة ايطاليّة وعلى يمينه راية النهضة، وليس العلم الوطني التونسيّ. ومن ذلك استخلص التونسيّون أن الجبالي معتزّ بالحركة التي ينتمي إليها اكثر من آعتزازه بوطنه. ومرّة اخرى وجد رئيس الحكومة المؤقتّة نفسه عرضة لتهجّمات عنيفة من تيّارات، ومن احزاب مختلفة. وازداد التونسّيون ازدراء له لماّ اكتشفوا أن الجبالي الذي امضى قرابة العشرة اعوام طالبا في فرنسا لا يحسن نطق جملة واحدة بلغة موليير!!!. وكان من الطبيعي ان يرى التونسيّون في ذلك مهانة لهم هم الذين يعتبرون اللغة الفرنسيّة "غنيمة" من غنائم النضال ضدّ الإستعمار. كما أنهم تعوّدوا على ان تكون نخبهم السياسيّة والمثقّفة مُتقنة للغة العدوّ الذي آحتلّ بلادهم على مدى سبعين عاما. وكان امتعاض التونسيين كبيرا لمّا عاينوا ان الجبالي يتعثّر أيضا في لغته الام، بل ويقلّد اللّهجات المشرقيّة وكأنه يرغب في أن يوحي لهم بانّه يتعيّن عليهم تغيير لهجتهم أيضا لكي يصبحوا عربا أقحاحا. 

وخلال الفترة التي امضاها في قصر"القصبة" كان الجبالي غالبا ما يتصرّف كأمين عام لحركة النهضة، وليس كرئيس للحكومة. وهذا ما يفسّر الحفاوة المبالغ فيها التي خصّ بها زعماء الحركات الاصوليّة مثل الليبي عبد الحكيم بالحاج، واسماعيل هنيّة ،وخالد مشعل الذي تصّور معه خلال مؤتمر النهضة في صيف عام 2011 وهو واضع يده على يده بزهوّ وفخر .مراهق يجد نفسه جنبا الى جنب مع زعيمه الروحي المفتون به منذ أن فتح عينيه على عالم السياسة.

وبتسامح كبير، اشرع ابواب تونس امام الدعاة المتطرّفين القادمين من المشرق. ومن دون مراقبة او حساب، سمح لهم بغسل ادمغة الشباب، وبالحثّ على "جهاد النّكاح"، وبالتحريض على العنف، والفتنة، وصَمَت صَمْت من في قلبه رضى، وامتنان عن اولئك الذين رفعوا اصواتهم عاليا من داخل المساجد للسّخرية من النشيد الوطني التونسي، ومن بعض ألأحزاب المعارضة لحركة النهّضة مثلما فعل المصري محمد غنيم. وقد استغلّ المتطرّفون التونسيّون الخارجون للتوّ من السّجون، أو العائدون من المنافي تواطؤ حكومة الجبالي معهم ليسيطروا على اغلبيّة المساجد محوّلين إياها الى فضاءات لنشر دعواتهم الجهاديّة المتطرّفة، وزرع التنافر والبغضاء في النفوس وفي القلوب.

وفي فترة حكومة الجبالي ارتكبت أولى العمليّات الارهابّية التي ذهب ضحيّتها كلّ من لطفي نقض نصير حزب "نداء تونس" في تطاوين، والمناضل التقدّمي شكري بالعيد. كما تعدّدت اعمال العنف في العديد من مناطق البلاد، وداخل الجامعات، والمدارس. وكانت السفارة الأميركية هدفا لمثل تلك الاعتداءات. ورغم أن الابحاث أثبتت أن التيّارات الاصوليّة المتشدّدة، واللجان التي تدور في فلك النهضة مثل "لجان حماية الثورة" هي المحركة لاعمال العنف، والمشجّعة عليها، فإنّ حكومة الجبالي ظلّت تتصرف وكأن الامر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل