المحتوى الرئيسى

ورش «تدوير الزبالة» تبحث عن التراخيص والأهالى: الحكومة عايزة «رشاوى»

03/05 11:28

بمجرد الصعود إلى تلك المنطقة الجبلية المرتفعة، يمكنك من خلال حاسة الشم، الاستدلال على وجهتك، فوسط تلال ضخمة من قصاصات الورق الكبيرة وبقايا «كراتين» مهلهلة، يقف «عبدالله. ع» يبلغ من العمر 37 سنة، فى منطقة منشية ناصر، يراقب بعينين زائغتين 6 عمال يجمعون الأوراق ويكبسونها، بينما يأتى «الونش» لحملها ورصها على جانب الورشة التى تصل مساحتها لنحو 800 متر يقسمها شارع يؤدى بك إلى أعلى «المنشية»، كان ارتباكه شديداً حينما علم أننا نريد دخول ورشته لتصوير المعدات بداخلها، اعتقد فى بداية الأمر أننا مبعوثون من مكتب العمل أو جهة رقابية تفحص الورش المخالفة لتقديم تقرير حولها، لكنه اطمأن بعد أن رأى بطاقات الهوية خاصتنا، ليبدأ فى سرد معاناته مع مكتب العمل ورجال الحى، الذين يترددون عليه بين الحين والآخر لتحرير المحاضر والحصول على غرامات فورية، ومخالفات على كل ما يخص عمله، قائلاً: «لسه جايلى مخالفة من يومين 4 آلاف جنيه من مكتب العمل علشان مش عامل تأمين للعمال اللى شغالين عندى، وأنا أصلاً مش عارف آخد رخصة من الحكومة علشان الورشة بتاعتى، بياخدوا منى ضرائب سنوية ومش باخد رخصة أشتغل بيها وتحمينى من المخالفات».

«نعيم»: ليلى إسكندر خططت لنقل 100 ورشة إلى «الروبيكى» والمشروع توقف برحيلها.. والدولة تدفن مواد قابلة للتدوير.. و«الحى» بيفتح لنا الدرج

ويتابع: «أنا اتولدت هنا وأبويا وأجدادى اتولدوا هنا، ونعمل فى هذه المهنة منذ سنوات، ولم نتمكن من جعل شغلنا بشكل رسمى، ندفع مخالفات على حاجة احنا طالبين إنها تبقى صحيحة ورسمية، هو أنا غاوى مشكلات يعنى؟»، وأشار إلى أن الورشة إذا أغلقتها الحكومة سيتقاعد عن العمل هو و8 أشقاؤه، و6 عمال، وأنهم سيكونون عالة على المجتمع، وإلى أن ورشته بالمخزن لن توفر وظيفة للعمال وأشقائه فقط، بل لجامعى القمامة «السريحة» الذين يترددون عليه لبيع ما جمعوه طوال اليوم، مطالباً بتخفيف الأعباء ومساندتهم فى العمل رسمياً بتصاريح وأوراق معترف بها.

ويضيف عدد من الأهالى الذين يمتلكون ورشاً أسفل منازلهم أو بجوارها، رفضوا الإفصاح عن أسمائهم، خوفاً من تعقب رجال الحى، إن الحكومة تفرض مخالفات وغرامات لعدم امتلاكهم تراخيص الورش والمصانع الصغيرة، فى الوقت الذى هم يبحثون فيه عن ترخيص وتقنين أوضاعهم، إلا أن الحكومة نفسها تتعسف فى إصدار مثل هذه التصاريح، وأضافوا: «هناك مشروعات ومطالبات بفرض العمل فى هذه المهنة وأن تحدد الحكومة العقوبات على المخالفين إلا أنها لم تستجب لطلباتنا، وأوقفت المشروع الذى كان سينفذ فى عهد الدكتورة ليلى إسكندر وزيرة البيئة السابقة»، وأشاروا إلى أن العمل فى القمامة يفيد الدولة قبل إفادتهم شخصياً لتوفير العملة الصعبة لشراء المواد الخام من الخارج، كما أنها تقضى على البطالة وقالوا: «احنا هنا ما عندناش بطالة وبنبعت شغل لمصانع كبيرة زى حديد عز وكمان بنطلع حاجات تصنع العربيات» ويشير عزت نعيم، مؤسس ومدير جمعية روح الشباب لخدمة البيئة، وأحد أهالى المنطقة، إلى أنه تحدث كثيراً مع الحكومة وتفاوض من أجل حقوق العاملين فى المهنة إلا أن الدولة تتجاهل أى مبادرات من الأهالى للنهوض بهذه الصناعة وتوسيعها، وأوضح أن الجمعية تأسست عام 2004 لخدمة الأهالى ودعم الاستفادة من هذه الثروات المنسية وتعليم أبناء العاملين فى المهنة وتثقيفهم، وأنه أسس مدرسة لتعليم الأطفال القراءة والكتابة وإعادة التدوير، وأشار إلى أن هذه الصناعة تحتاج إلى اعتراف الحكومة بالفئة التى تعمل فيها والاستفادة من ثرواتها، وتابع: «البرازيل باتت من أكبر 20 اقتصاداً فى العالم، لأنهم أول ما فكروا فكروا فى الحاجة اللى محدش واخد باله منها، وكانت الزبالة، أول نهضة البرازيل من 10 سنين كانت على الزبالة»، منتقداً أداء الحكومة التقليدى فى تعطيل أى محاولات للنهوض بهذا المجال الدسم.

ويضيف «نعيم» أن كل ما تحتاجه الصناعة هنا والعاملون بها هو اعتراف رسمى من الحكومة بهذه الفئة وتسهيلات إدارية للعمل فى النور وليس فى الخفاء، قائلاً: «ذهبت لأحصل على رخص لـ750 ورشة، علشان نبقى شغالين بما يرضى الله ويبقى لينا صلاحيات ناخد شغل ونشغل ناس أكتر ونستفيد أكتر من القمامة، لقيت ميت ألف قرار يمنعك وميت ألف واحد فتح لك الدرج، ومعلهش ما تزعلش منى، الفساد عائق رئيسى أمام أى تنمية»، مشيراً إلى أنه وجد الرد أنهم يعيشون فى كتلة سكنية وأنه لا يمكن تقنين أوضاعكم، وحينما تولت الدكتورة ليلى إسكندر وزارة البيئة تم تخصيص 37 فداناً فى الروبيكى بمدينة بدر لنقل 100 ورشة بلاستيك، فلجأوا إلى جمعيته «روح الشباب للتنمية»، لجمع أوراق واستيفاء الإجراءت اللازمة، قائلاً: «لفينا على الناس وعملنا ملفات وقلنا كل واحد عنده إيه، نوع المكن وعايز إيه أرض، وإيه لإنتاجه، رأسماله قد إيه، والمكنة بتاعته بتنتج إيه، وعدد العمال، ومستعد يدفع مقدم قد إيه، وقسط قد إيه، وكل حاجة، وقدمنا الملفات راح حصل تعديل وزارى والأرض وقفت بعد ما الهيئة الهندسية والاستشاريين ما حطوا الخطة وقسموا الأرض بناء على ملفاتنا اللى قدمناها».

ويشير مؤسس جمعية روح الشباب إلى أنه تابع الملف مع وزير البيئة الحالى، الدكتور خالد فهمى، إلا أنه لم يحصل على رد من مساعدته فى هذا الشأن الدكتورة مها البشير، وقال: «توجهت للدكتورة مها البشير مساعدة الوزير، وأرسلت المقترح على الإيميل، لكنها لم ترد، ولا حياة لمن تنادى، وهناك 100 مصنع صغير عايزين يشتغلوا والدولة اللى رافضة، فاحنا عايزين اعتراف رسمى مش عايزين فلوس، الزبالة هاتجيبلنا وتجيب للدولة فلوس بس هما يحسوا ويفهموا»، وأضاف أن عمل الهيئة الهندسية توقف بعدما وضعوا الخطط بناء على الملفات التى قدمت، وإن الحال هذا أعاد فساد المحليات وتلقى الرشاوى، قائلاً: «الناس مش مقننة ونفسها تتقنن لأنهم طول ما هما مش مقننين عرضة للرشاوى، جنبنا هنا حى مدينة ناصر، فيه موظفين الإدارة المحلية يطلقون على المنطقة الكويت، لأنهم يأتون ويسألون عن الرخصة، ويهددون بعمل مخالفة بـ10 آلاف جنيه، فيضطر صاحب الورشة لدفع 1000 جنيه، الموظف يحصل على 8 آلاف جنيه، إذا زار 7 أو 8 ورش يومياً»، ويضيف «نعيم» أن الزبالين يقدمون منتجات لحوالى 200 مصنع يحصل منها على منتجات لإعادة تصنيعها، منها مصانع شهيرة، قائلاً: «مصانع كتيرة بتاخد مننا شغل زى مصنع إلف ويونيفرس ورق، والعبور للكروتون وخالد مكارم، ومصانع البلاستيك، حتى حديد عز بييجى ياخدوا من هنا، بيدخلوا مع خام الحديد علشان يعمل من التسليح، وعلب الكانز تذهب لمصنع عز»، وأشار إلى أنه يتم تصدير مواد إعادة التدوير إلى الصين، وهى مادة «البى تى» زجاجات المياه المعدنية، وهو بلاستيك عالى الكثافة سعر الطن بـ5 آلاف جنيه، يصنعون منه الدفاية أو الجواكت الرياضية أو خيوط نسيج، وأشار إلى أن الحكومة أخطأت فى تعاقداتها مع الشركات الأجنبية التى تحصل فلوسها على إيصالات الكهرباء وهى لا تجمع القمامة من المنازل كما يفعل الزبالون المصريون، كما أنها تمنع الزبالين من إعادة تدوير القمامة وتحدد لهم أن نسبة إعادة التدوير تكون 20% من القمامة التى تجمع، فى حين أننا نعيد تدوير 80% من القمامة، وحينما نريد أن ندخل للحصول على مناقصات بدوائر، توجهنا الحكومة إلى التعاقد مع الشركات الأجنبية الفاشلة التى تستغلنا، كما أن العقد يقول إنه لو مر مشرف النظافة على كوم قمامة يبلغ الشركة لإزالتها على أن تقوم الشركة بإزالتها خلال 14 يوماً من تاريخ البلاغ، معلقاً: «خلال 14 يوم يبقى الكوم 14 كوم، ده هزار يا بيه بيعاملوا الشركات الأجنبية معاملة كويسة ويهاجمونا احنا ويحرمونا من الشغل».

وحول مقالب الزبالة الكبيرة، يوضح «نعيم» أنه لا تتم الاستفادة منها ويتم دفن كميات كبيرة دون إعادة تدويرها، كما أن المقالب بها فساد لأن الحكومة توجه الزبالين لإلقاء مخلفاتهم فى مقلب شق الثعبان، متابعاً: «يضطر الزبال يراضى اللى واقف على المقلب بـ50 أو 60 جنيه علشان يخش يرمى، لأن مراقب المقلب يقوله فين تصريحك، والزبال مش معاه تصريح»، وأشار إلى أن من يمتلكون تصاريح حصلوا عليها فى ثمانينات القرن الماضى، حينما كان الزبالون لهم الحق فى التعاقد مع الحى فى جمع القمامة من المنازل، ولكن بعد حضور الشركات الأجنبية واحتكارها أوقفت التصاريح لكل العاملين بالمهنة، وأضاف أن منشية ناصر ليس بها بطالة لأن القمامة كنز يجب استثماره وتنميته والاستفادة منه، وأن الدول فى الخارج تشجع الابتكارات فى أى مجال، وأنه حصل على جائزة من أمريكا قيمتها 34 ألف دولار خلال أحد المؤتمرات لطرحه دراسة مصورة عما يجرى فى منطقة الزبالين فى مصر من إعادة تدوير وخطته بنقلهم من الاقتصاد غير الرسمى إلى الاقتصاد الرسمى، وأن هذا المشروع سيؤثر بالإيجاب على اقتصاد البلد، وتحصيل الضرائب فى خزانتها»، منتقداً جرى الحكومة خلف المستثمرين فى حين لديها فئات تتمنى هذا التعاون الوطنى، والاستفادة من المخلفات التى تدفن والتى يمكن إعادة تدوير 50% منها، وأن الزبالين يخافون الظهور فى الإعلام خشية ملاحقة موظفى الحى.

ويقول عادل فايز، أحد الأهالى ويمتلك ورشة لتكسير وكبس البلاستيك، إن الأهلى يرغبون فى حصولهم على تصاريح، لكن العوائق التى تفرضها الحكومة تجعلهم يخافون من هذا الإجراء، لأن هناك قانون تنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة، قانون 98 لسنة 1998 ينص على أن تقنين الأوضاع يحتاج إثبات وجود النشاط قبل صدور القانون

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل