المحتوى الرئيسى

هل تُنهي أزمة السعودية مع لبنان «إمبراطورية آل الحريري»؟ - ساسة بوست

03/03 21:04

منذ 5 دقائق، 3 مارس,2016

بدأت حكاية اللبناني رفيق الحريري، بالمملكة العربية السعودية؛ عادية. مغترب لبناني أراد أن يعمل ويكد من أجل أن يبني نفسه في بلد النفط، لكن بعد أقل من عام من وصول الرجل للسعودية أصبح فجأةً غير عادي! توسع في مشاريعه الاقتصادية والتجارية، حتى جذب نظر الأسرة الحاكمة، ليصبح فيما بعد رجلها السياسي.

هكذا أصبح الحريري الأب سياسيًا ذا نفوذ قوي، أثر في السياسة السعودية وتأثر بها، مُورثًا هذا النفوذ لأسرته حتى بعد اغتياله في 2005. كما أورثهم ثروة مالية ضخمة، جزء منها مُرتبط بمشاريع في السعودية، ما يجعلها مُهددةً على أثر الأزمة الأخيرة بين المملكة ولبنان.

السعودية والحريري «الأب» ثم «الابن»

سرعان ما انتبهت العائلة السعودية الحاكمة إلى اللبناني رفيق الحريري وإنجازاته الاقتصادية على أراضيها، فقد اشترى الرجل في أواخر السبعينيات شركة «أوجيه» الفرنسية، ليدمجها في شركته الصغيرة «سيكونيست»، فتصبح شركة «سعودي أوجيه». واستمر هكذا في توسيع نطاق أعماله، حتى استحوذ على شبكة كبيرة من البنوك والشركات في كلّ من السعودية ولبنان.

حظي الرجل بثقة العائلة السعودية الحاكمة، فتبادلت معه المصالح الاقتصادية بادئ ذي بدء، ومنحته الجنسية السعودية عام 1978، لينطلق في الثمانينيات نحو مزيد من الإنجازات الاقتصادية بتسهيلات حامل تلك الجنسية. كما استغل كونه لبنانيًا ليعمل مبعوثًا شخصيًا للملك فهد بن عبد العزيز آل سعود في لبنان، مُؤديًا دورًا تاريخيًا في إيقاف الحرب الأهلية اللبنانية بدعم سعودي عبر ما عُرف باتفاق الطائف، عام 1989.

وبعد انتهاء الحرب، ساهم الحريري بشكل كبير في إعمار لبنان، لذلك شكل اغتياله عام 2005 محطة فارقة على صعيد السياسة الداخلية اللبنانية القريبة من المملكة العربية السعودية، فرحيل الرجل اللبناني السُنّي أدخل لبنان في أزمة سياسية أضعفت الدور السعودي هناك حتى يومنا هذا، وأخذت أطراف إقليمية ذات مصالح، تسيطر أكثر على لبنان بدعمها لحزب لبناني هنا أو هناك.

بعد اغتيال الحريري الأب، فضّل واحد من أبنائه – كان يدير مشاريع العائلة – الاتجاه للعمل السياسي، إنه سعد الدين الذي تمكن من شغل منصب رئاسة وزراء لبنان خلال الفترة ما بين عامي 2009 و2011، وحل محل والده زعيمًا للسنة في لبنان. وهو الآن يتولى رئاسة تيار المستقبل. ورغم أن إرثه السياسي والمالي من والده هو الذي ساعده على البروز في البداية، إلا أنّ سعدًا أخذ يبني شبكة واسعة من العلاقات عبر العالم, كما أنّه استطاع خلق تحالف مع العديد من الأحزاب والحركات السياسية التي تعارض بقوة الوجود السوري في لبنان، وتعارض سياسة حزب الله وتقاربه مع إيران، تحت اسم «الرابع عشر من آذار». ويرتبط هذا التحالف بطبيعة الحال، بعلاقات وثيقة بالسعودية.

لذلك ارتبط سعد الحريري بصلات وثيقة بالعائلة المالكة السعودية، خاصة أثناء حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، إذ أدركت السعودية أهمية أن يصبح سعد من الشخصيات السياسية السنية في لبنان. وتدعم السعودية الآن تيار «المستقبل» اللبناني، مع القيادات السنية المعارضة لآل الحريري، وأبرزها رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، إلا أن الحريري يعتبر الحليف الأبرز إلى جانب المملكة والذي يعمل من أجل أن “تكون الكلمة موحدة على الصعيد السُني”، ومن أجل جمع القيادات السنية برعاية سعودية، إذ عاد الرجل مؤخرًا إلى بيروت وأعلن أنه سيستقر فيها، وسيسعى إلى “إعادة شدّ العصب الشعبي” لجمهوره بعد تدهور العلاقات بين السعودية ولبنان.

مُكوّن ثروة آل الحريري هو الأب رفيق الحريري، فهذا المحاسب الذي بدأ من الصفر في السعودية، استطاع بعد فترة وجيزة من غربته تكوين ثروة ضخمة. بدأ عام 1970 بتأسيس شركة صغيرة هي «سيكونيست»، وبعد سبع سنوات جازف بمشاركة شركة «أوجيه» الفرنسية مناقصة لتشييد فندق فاخر بمدينة الطائف، وبعد مرور بضع سنوات تمكن الحريري من دمج شركته الصغيرة «سيكونيست» بشركة «أوجيه» التي اشتراها بالكامل عام 1979 وأطلق على الشركة المدمجة الجديدة اسم «سعودي أوجيه»، وذلك بعد عام من حصوله على الجنسية السعودية.

وأخذ نطاق إمبراطورية الحريري يتسع ليشمل شبكة من البنوك والشركات في لبنان والسعودية، إضافة إلى شركات للتأمين والنشر والصناعات الخفيفة وغيرها، حتى أصبح الرجل في مطلع الثمانينيات واحدًا من بين أغنى مائة رجل في العالم، وتوسع الرجل الذي قدم الكثير في مجال العمل الخيري أكثر وأكثر في مختلف المجالات الاقتصادية في العالم، خاصة في مجال العقارات والقطاع المصرفي، امتلك مجموعة البحر المتوسط، وهي مجموعة ضخمة من أبرز ما تضمه «بنك البحر المتوسط» و«البنك اللبناني السعودي»، وامتلك الرجل أسهمًا في بنوك عربية وأوروبية مثل «البنك العربي» و«إندوسويز»، وأخذ يستثمر أمواله في السياحة، فأنشأ فنادق «شيراتون» في المملكة العربية السعودية، واستثمر في مجال الإعلام فأسس شبكة تلفزيون «المستقبل»، ومجلة «المستقبل»، وجريدة «صوت العروبة»، وامتلك نسبة أسهم في دار «النهار»، واشترى «إذاعة الشرق» التي تبث من باريس منذ عام 1981.

بعد اغتيال الحريري الأب وزعت ثروته على الورثة، ويعد من أبرز التقارير التي تناولت أموال آل الحريري، تقرير مجلة «فوربس» العالمية، إذ ذكر تقرير المجلة أن «ثروة سعد حوالي 1.5 مليار دولار في العام 2014، وثروات إخوته بهاء 2.2 مليار دولار، وأيمن 1.2 مليار دولار، وفهد الحريري 1.2 مليار دولار»، أما ثروة شقيقة سعد هند الحريري فكانت في عام 2008 حوالي 1.1 مليار دولار، لكن مصادر لبنانية ذكرت أن هند في عام 2014 باعت أصولًا ورثتها من والدها بقيمة ملياريْ دولار، بينما بلغت ثروة أرملة الحريري نازك، حوالي 1.4 مليار دولار.

وتُجمل «فوربس» أموال آل الحريري في عام 2008، بحوالي 10.6 مليارات دولار، مع الإشارة إلى أن تقدير حجم الثروة الوارد في مجلة “فوربس” لا يعكس حجم الثروة الفعلي، لأنه سقط منه احتساب حجم المساهمات التي تصل إلى ملايين الدولارات لآل الحريري في كبرى الشركات المحلية والعربية والدولية، كما لم يتم احتساب حصة أفراد العائلة في العقارات وعدد من الأصول غير المنظورة.

وتعد البنوك من أبرز أملاك عائلة الحريري، إذ يمتلك آل الحريري أحد أهم المصارف في لبنان والعالم العربي بالكامل، على سبيل المثال يملك ابن رفيق (فهد الحريري) 10% من “بنك عودة”، أما بنك ميد (Bank Med) فيملك فيه كل من سعد وأيمن ما نسبته 42%، بينما تمتلك أرملة الحريري نازك الحريري الحصة نسبتها المتبقية وهي 16% من رأس مال هذا المصرف.

مضت الشهور الأخيرة وأخبار مؤسسات وشركات عائلة الحريري تدلل على وجود أزمة مالية خانقة، فأبرز شركات آل الحريري وهي «سعودي أوجيه» المملوكة لسعد الحريري ولشقيقه أيمن تعاني من أزمة مالية خانقة أعجزتهم عن صرف رواتب 56 ألف موظف منذ بضعة شهور.

العمال الفلبينيون والهنود والنيباليون والباكستانيون، والكوادر الفرنسية في الشركة، هم أكبر المتضررين من الأزمة. فيما يخص الفرنسيين، وصل الأمر لحد مطالبة السفير الفرنسي في السعودية رئيسَ مجلس إدارة شركة سعد الحريري بصرف رواتب الموظفين الفرنسيين أكثر من مرة.

عدة أسباب ذكرت وراء الأزمة، أولها هو عدم تلقي الحريري الدعم المالي من رجليْ السعودية محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، وهو أمر ناتج حسب المحللين عن تراجع أسلوب تعامل حكام الرياض مع الحريري، وامتناعهم عن الاحتفاء به علنًا لأسباب سياسية، فكما يقول المغرّد السعودي الشهير «مجتهد»، أن “بعد زوال ربيبها (سعد الحريري) المكروه من محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، ستحل محلها شركة (المباني) المملوكة للوالي الجديد”، أما الرأي الثاني فيرى أن أزمة الشركة ناجمة عن الوضع العام في السعودية المتضرر بسبب انخفاض أسعار النفط، وهو رأي تبنته العائلة عندما حاولت التأكيد على أن ما تمر به هذه الشركات مجرد أزمة عابرة، «سببها تدهور الأوضاع الإقليمية، والانكماش الاقتصادي الذي سببه انهيار أسعار النفط»، كما أرجع الفساد وسوء تسيير الإدارة كسبب يقف وراء أزمة الشركة، إذ ذكر تقرير أعده موقع إذاعة فرنسا الدولية «إر إف إي» أن العمال الفرنسيين يتهمون سعد الحريري «بسوء التسيير الذي أدى إلى إفلاسها»، أيضًا ذكر هذا السبب في تقرير لصحيفة «لوموند» الفرنسية: “فشركة أوجيه تعاني أيضًا من صعوبات؛ بسبب وجود فساد في داخلها، حيث كثرت الأحاديث في الفترة الماضية عن سوء التصرف، ووقوع عدد من حالات الاختلاس وتدليس الفواتير، وسوء استغلال الميزانية، رغم نفي إدارة الشركة وجود هذه التجاوزات».

وبينما تعيش عائلة الحريري في حالة تدهور مالي، جاءت الأزمة الدبلوماسية بين لبنان والسعودية ضربةً موجعة للعائلة، فقرار الرياض وقف دعمها لحلفائها في بيروت سيضر حسب صحيفة «لوموند» الفرنسية كثيرًا بشركات العائلة، ويعني استمرارًا لتدهور أوضاع شركات ومؤسسات مجموعة الحريري، فحتى وسائل الإعلام المملوكة للعائلة تضررت ولم يحصل الصحفيون على رواتبهم بشكل منتظم منذ بضعة أشهر.

ويذكر تقرير لوموند أن «الأزمة امتد تأثيرها، ليشمل أيضا مصالح عائلة الحريري في لبنان، حيث إنه أثر على تيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري، والذي يعد قاطرة تحالف 14 آذار مقابل تحالف 8 آذار الذي يقوده حزب الله، كما أن مجموعة واسعة من المؤسسات التابعة لعائلة الحريري من قنوات تلفزيونية ومؤسسات خيرية وجمعيات تضررت أيضًا؛ لأنها كانت تتلقى تمويلها من شركة أوجيه السعودية».

وذكرت الصحيفة أن «الأزمة التي تواجهها شركة أوجيه العريقة تعكس أفول نجم عائلة الحريري في السعودية، حيث إن سعد – الذي ورث هذه الإمبراطورية عن والده رفيق الذي اغتيل سنة 2005 – لا يمتلك الكاريزما ولا الشعبية التي كان يتمتع بها والده، الذي كان يحظى بقبول كبير في الرياض».

وضعت مواقف «حزب الله» اللبناني آل الحريري في موقف لا يحسدون عليه مع السعودية، فالحزب دخل في أكثر من ساحة خلاف مع السعودية سواء مواقفه من الأزمة السورية أو اليمنية أو حتى على الساحة اللبنانية الداخلية بتأييده التدخل السوري والإيراني.

لذلك كان على سعد الحريري – كونه السياسي الأبرز في العائلة – الدفاع عن المملكة وتبني مواقفها ضد اتهامات ومواقف الحزب في الساحة اللبنانية، فقد أدرك الحريري خطر موقف السعودية القاضي بالتخلي عن دعم لبنان ومصالح اللبنانيين، لذلك سارع لمناشدة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بعدم التخلي عن لبنان واحتضانه، ولم يكتفِ بتلك المناشدة فخلال مؤتمر خصصه لذلك اقترح الخروج بوثيقة للتضامن مع الإجماع العربي والوفاء للدول العربية، سميت الوثيقة بـ«الوفاء للمملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي»، وأخذ يدعو كافة اللبنانيين للتوقيع على الوثيقة للتأكيد على رفضهم لما أسماه «الحملات المشوهة لصورة لبنان والمسيئة لعلاقاته الأخوية»، واصفًا الأصوات التي قال إنها تهجمت على قادة الخليج بـ«أصوات شاذة ولا تنطق باسم لبنان ولا تمثل اللبنانيين».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل