المحتوى الرئيسى

أحمد المليح يكتب: بعيدًا عن خرافة الأمل وفجور اليأس | ساسة بوست

03/02 20:57

منذ 11 دقيقة، 2 مارس,2016

تقول رضوى عاشور في “الصرخة” الأخيرة لها قبل وفاتها: “أرى في رسائل التشاؤم فعلاً غير أخلاقي”[1]، أتذكر مقولتها هذه كلما هممت بالتعليق على طارئٍ جديد هاطلٍ من سحابة البؤس المخيمة فوق رؤوسنا، نعم ربما يكون التشاؤم فعلاً غير أخلاقي، ولكن عندما يستحيل البؤس واقعًا، ربما لن يراعي أحدٌ ما التزامه بالأخلاق من عدمه.

بات الحديث عن أملٍ ما، حديثًا “مقرفًا” فعليًا، وهتكـًا صريحًا للوجدان الجمعي، بات الأمل كما هو اليأس في كتب القصص القصيرة للأطفال، بغيضًا لا يمكن التعايش معه ولا القبول به، ضربًا من الافتراء، كان ينفع قبل سنةٍ أو اثنتين للتندر والضحك هروبًا من سوداوية الواقع لدقائق، أما الآن فحديثك عن أملٍ ما سيقتلع أشواكـًا من أجساد مستمعيك، كانوا تفانوا لإخفائها ولنسيان آلامها.

ليس على جبهة المظلومين فحسب، بل على الجبهات جميعها، حتى الظالمون فقدوا الأمل من إفنائنا، يمكن ملاحظة هذا من ارتفاع الخط البياني لإجرامهم يومًا بعد آخر بشكلٍ يكاد يكون جنونيًا في عدة بلاد، بينما تخطى مرحلة الجنون منذ سنين في سوريا.

ليس الأمل إلا محض كذبة، كان فعالاً للتخدير قبل الثورات، ولكن صلاحيته انتهت، لم يعد صالحًا حتى كمخدر، حتى الأمل على سبيل التهكم بكارثةٍ طبيعية تضرب المنطقة فتعيد الأرض جديدة كيوم ولادتها، نعيش بعدها – أو لا نعيش- من جديد متناسين كل ما سبقها، لا يدعمه افتراضٌ علمي غير ذاك الذي يتحدث عن تكهن علماءٍ روس بصدامٍ قادم بين مجرتنا ومجرة المرأة المسلسلة[2]، وهذا أيضًا لن يحدث حسب افتراضهم قبل 4 مليار سنة، مما يجعل آخر طريقٍ نحو الأمل مسدودًا تمامًا، لا أمل هنا أو هناك هذا مؤكد.

ربما حديثنا عن عبثية اليأس أيضًا سيكون أقرب للواقعية، ماذا بعد أن نيأس؟!

لا شيء مجدي سيحدث يستحق عناء اليأس، سيستمر انحدارنا ولكن بوتيرةٍ أسرع بعدما أثقل اليأس المركبة، يأسنا سيعطيهم متنفسًا ليستريحوا، وليعدوا جثث أصحابنا ويتفاخروا فيما بينهم، سيقول قائلهم: “دع حسرة قلوبهم لتقتلهم، ذلك ألذ لوحشيتنا”، ربما سيكون مريحًا لأيام؛ لأجسادنا المرهقة هزيمتنا أمام اليأس، ولكن راحةً كتلك ستكون طُعمًا لشقاءٍ لا متناهي، لن ترحمنا قلوبنا وأفكارنا، ذكرياتنا وجثث أحلامنا الملقى على الأرصفة، سنقابلهم كل صباح، عندما يصرخ بنا عسكريٌ ما، عندما نُذل لمتابعة ما تبقى من أيامنا البائسة، في المدارس والشوارع والمباني الحكومية، في الأسواق وعلى شاشات التلفاز، ستعذبنا صرخات الذين ماتوا؟! سيعذبنا سؤالٌ واحدٌ بخصوصهم “لماذا ماتوا إذن؟!”.

حتى اللامبالاة لن تجدي، على الجبهة الأخرى، لا يحاربون فكرك بقدر ما يحاربون كونك إنسانًا، سيحاربونك في رغيف الخبز وظل الشمس وسكينة المأوى، ستصرخ كما صرخ من لم يبالِ حين كانوا يلاحقونك في الشوارع، حينما جاروا عليه بجملة من جاروا عليهم “أنا ما دخلني!”.

يمكن الرمز لحالتنا المستعصية هذه، بفريق كرة قدمٍ ينظر بعضهم إلى بعض في استراحة ما بين الشوطين، حيث دخل في شباكهم سبعة أهداف في الشوط الأول فقط، في حين سجل فريقنا هدفًا يتيمًا في الدقائق الأولى ظن من فرحته به وأمله أنه سيختم المباراة لصالحه، وفي غمرة أملنا تلك أتبعونا النكسات السبعة واحدةً تلو أخرى ونحن ذاهلون.

لن نعاود الحديث عن أمل في الرمز أيضًا، لا وجود له، ماذا عن اليأس؟! أو اللامبالاة؟! أعني أننا على أية حال خاسرون وفارق الأهداف كبير، سنقفُ مكتوفي الأيدي، بينما يلعبون كما يشاءون، فليهنئوا بالملعب، ربما كان سيفلح هذا مع فريقٍ مغاير، ولكن من تجربتنا بخصمنا من الشوط الأول، أنه عنيف وهو أيضًا يهوى اللعب بخشونة، حتى إن ظللنا واقفين على أطراف الملعب، سيلحقنا ويضربنا لمجرد وجودنا.

ما العمل؟! هل يمكننا الانسحاب؟! يا ليت هذا بأيدينا، لكُنا لحقنا بأصحابنا ممن استشهدوا على أرض الملعب في الشوط الأول، إذن وإلى أن يأذن الله لأحدنا باللحاق بهم لابد من الدخول إلى الملعب من جديد.

لو هُيئ لي، صياغة قصةٍ ما لموقفٍ مماثلٍ للرمز، ربما كنتُ لأجعل أحد لاعبي الفريق ينهي عبثية النقاش الدائر بينما يفوتهم الوقت اللازم للاستراحة، ليعيد ترتيب النقاط، هندسة اللعب من جديد، كما يريدون هم لأنهم على أرضهم وبين جمهورهم، ومن ثم دعوتهم للسعي والسعي إلى اللانهاية، ليس مكبين على وجوههم بأملٍ واهم، لا لن يتحدث عن أملٍ ما، ولكن بالطبع سيقاتلون هناك على أرض الملعب في سبيل قضيتهم ضد اليأس، سينتصرون؟! سيُهزمون؟! لا شيء مؤكد، كل ما سيفعلونه هو السعي حسب خطةٍ ما، سيقدمون معذرتهم لربهم، لأصحابهم الذين ماتوا، للقادمين من بعدهم، ولأنفسهم، لقد فعلنا ما استطعنا، حتى النفس الأخير.

بين خرافة الأمل وفجور اليأس، هناك دربٌ ضيقٌ ومنحدرٌ على الطرفين، ينبغي لسالكه أن يكون حذرًا دائمًا، نعم هو صعبٌ ولكنه على الأقل مُجد، نستطيع تسميته اصطلاحًا بـ(السعي) هو يستدعي بالتأكيد خارطة طريق، وعزمًا وهمةً لم يبنيا على أساس أملٍ واهم، بل على إيمانٍ بحقنا بالحياة، وواجبنا بإصلاح هذا الكوكب مهما تمرد.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل