المحتوى الرئيسى

طقوس القاع

03/01 18:02

سقط مبارك، كان السقوط مسلمة حتمية واضحة لكل العالم بعد موقعة الجمل، وبينما انتظر المصريون رافعين أحذيتهم في التحرير الإعلان الرسمي، كان الرجل  مشغولا بشيئين؛ أولهما أن يعدل  جملة "التنحي عن رئاسة الجمهورية" لتصبح" التخلي عن رئاسة الجمهورية" أما الأمرالثاني ، فكان إعادة كتابة اسمه في بيان التنحي ليصبح ثلاثيا، ولا يكتفي بالثنائي حسني مبارك، لتجنب العوار الدستوري.

أزمة الرجل الذي اشتعلت البلاد من حوله، هو غرقه في الطقوس، غير مدرك أن حكمه ودستوره ونظامه ومؤسساته لم يعد لهم معنى، والغرق بدأ قبل عقود، استمر البرلمان ديكورا لا يؤدي وظيفته الحقيقية في محاسبة الرئيس وإدارته، بل مجرد بوتقة لتفريغ غرائز القبلية والتنافس العائلي، وتنفيس الغضب بالكلام.

مبارك ومن بعده وقبله أبناء ثقافة المراسم، تلك الحريصة على إنتاج مبنى للبرلمان يمتلئ بأعضائه، أكثر من التفكير في وظيفته، يبدأ رئيس المجلس المنتخب عهده بالثناء على حكمة الرئيس القائد.

ويردد عضو شرشوح ببغائية قسم البرلمان. ليمنح المتابعين شعورا مقصودا بعدم احترامه للقسم.

تلك الثقافة التي تلغي الاعتقال "بلا تهم" لتمنحه اسما جديدا اسمه حبس احتياطي مفتوح، بعد توقيف الناس لتبحث لهم عن تهم.

الأصل في الطقوس الشكلانية هو الاستبداد، وهو ما ينعكس على السياسة والدين والقيم السائدة، يرصد د.علي مبروك في عمله العظيم "في لاهوت الاستبداد والعنف" تأثير سيادة ثقافة الطقوس على الدين، فيقول إن "انعكاس الاستبداد على الدين يحوله إلى مجرد طقس شكلاني أشبه بالأعمال السحرية خال من الروح والأخلاق والرؤية العقلية وسيادة عقل التقليد".

بموجب هذه الرؤية يظهر عمرو خالد بغزوات الحجاب "ورافي بركات"، وتروج طرق دخول الجنة بعشرة آلاف دعاء شهريا، وتنفق الملايين على كتابة أسماء الله الحسنى في الشوارع، ويدعو المتسلفون إلى ضرورة تنقية حديثك اليومي من شكرًا وتحويلها إلى 

حكى لي صديق متخصص في جودة التعليم كيف شارك في اجتماع تمهيدي، لتنظيم مؤتمر عن تطوير التعليم، وخلال المناقشات التي امتدت لساعات، قال أحد الخبراء القدامى، إنني القادر على تنظيم المؤتمر وتحديد محاوره، لأنني فعلت ذلك على مدى عقود".

والرجل الخبير لم يدرك أنه شارك في طقوس للتطوير وكانت النتيجة فشل التعليم، وتجمد التطوير، وإلا ما الداعي لتنظيم مؤتمر جديد.

حفظة الطقوس في السياسة والدين هم نجوم اليوم، عاد عمرو خالد للراديو بوصفاته المختزلة لدخول الجنة بكسولة، ودخل حساسين البرلمان عبر وصفة للأعشاب، ورئيس حكومة لا أتذكر اسمه يجتمع في السابعة صباحا بوزرائه، ومصادر أمنية تقول إن ضحية الدرب الأحمر مات بثلاث رصاصات خطأ.

ثم تراجعت وقالت إنها "لن ترضى بإهانة الناس". وهو طقس إنشائي عاطفي مستحدث.

الطقوس في تعريفها البسيط مجموعة من الإجراءات يؤديها أفراد لقيمتها الرمزية.

في المجتمعات الناضجة تعبر الطقوس عن جوهر، يرتدي مثلا قضاة بريطانيا باروكة بيضاء كتعبير عن الامتنان لتاريخ من العدالة العريقة في بلدانهم.

يحتفظ الكونجرس مثلا بمكاتب الأعضاء القدامى مدون عليها أسماؤهم ليدرك السيناتور الجديد أن مكانه كان مشغولا في يوم بعيد بأسماء عظيمة.

المجتمعات الشكلانية، تحرص على الغرق في الطقوس دون أن تعكس هذه الطقوس جوهرا وقدرة على تحقيق أهداف  للتغيير والنهضة والديمقراطية.

كان من طقوس مدرسي اللغة العربية التي يلقنوننا إياها عند كتابة موضع للتعبير؛ عليكم بآية قرآنية وحديث، وبيت من الشعر، لتكتب موضوعا جيدا.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل