المحتوى الرئيسى

متحف الآثار المفقودة: الثور المجنح في نينوى - BBC Arabic

02/29 17:09

قبل عام استخدم رجل آلة ثقب كهربائية لتشويه تمثال الثور المجنح عند بوابات مدينة نينوى القديمة بالقرب من الموصل في العراق.

ويأتي هذا التمثال ضمن كنوز أثرية لا تعد دمرت على يد مخربين أو مسلحين أو خلال عمل عسكري في المنطقة خلال السنوات الـ15 الماضية.

ويتكون الثور المجنح من رأس إنسان وأجنحة نسر وجسم ضخم لثور، ليجمع مزيجا من أقوى المخلوقات وأكثرها شراسة في المنطقة. وكان ضخما بطول يصل إلى نحو 4.5 أمتار ووزن يصل إلى 30 طنا.

ووضع التمثال قرب واحدة من البوابات العديدة على طول أسوار مدينة نينوى، ليكون بمثابة روح لحماية المدن والقصور ورمزا لنفوذ الملك الآشوري.

ويقول مارك الطويل وهو خبير آثار أمريكي من أصل عراقي: "إنها مرعبة جدا، هذه الوجوه تبدو مرعبة نوعا ما، الأجنحة والحوافر، وهذا المخلوق المركب الذي يضم حيوانات عديدة هو ضخم جدا وله نظرات مخيفة. إنه يشعرك بقدر من الخوف."

وفي الوقت ذاته ووسط هذه الكتلة من الشعر المجعد ولحيته المتدلية، ترتسم على وجه الثور المجنح ما تبدو أنها ابتسامة صامتة. إنها صارمة، لكنها تحتفي بالآخرين على طريقتها.

صُنع التمثال من لوح واحد من الحجر الجيري قبل نحو 2700 عام خلال عهد الملك الأشوري سنحاريب، الذي كان يحكم إمبراطورية تغطي أجزاء من العراق الحديث وسوريا وتركيا.

ويقول الطويل إن نينوى، عاصمة سنحاريب، "كانت ستصبح مدينة المدن. المدينة الأكبر على الأرجح على وجه الأرض، وخلال هذه الفترة التي وصلت فيها (المدينة) إلى ذروتها في القرن السابع قبل الميلاد، كانت جميع الطرق تؤدي إلى نينوى."

لكن بعد أجيال قليلة من وفاة سنحاريب، جرى اجتياح دولة آشور. وتعرضت نينوى للسلب والنهب، وهبطت قصورها وأسوارها و(تمثال) لاماسو تدريجيا تحت الأرض، لتتحول في النهاية إلى مجموعة من أكوام الغبار والرمال والأتربة.

لم يتغير اسم نينوى، ويعود ذلك بصورة جزئية إلى الإشارة إليها في العهد القديم والقرآن. وكانت نصوص الكتاب المقدس مصدر إلهام للمكتشفين الفرنسيين والبريطانيين في القرن التاسع عشر للبحث عن المدينة الشهيرة.

وحينما ظهرت الثيران المجنحة مرة أخرى، ذُهل السير اوستن هنري لايارد، وهو الخبير الذي قاد عملية التنقيب عن هذه الآثار المدفونة، بعظمتها وطريقة نحتها الرائعة.

وكتب لايارد في عام 1853 قائلا: "أجنحة كبيرة ممتدة ترتفع أعلى ظهورها، ومناطق الصدر والجسم كانت مزينة بشدة بالشعر المجعد."

وقال: "كان وراءها أشكال ضخمة ذات أجنحة بنفس الارتفاع وكانت ذات وجوه كاملة ونقوشها عالية وواضحة. وكان تصميم الأطراف والعضلات ينم عن معرفة بالفن أكثر من أي تمثال آخر رأيته في هذه الفترة. وصمم الساق العاري والقدم بروح ومصداقية جديرة بفنان يوناني."

شحن لايارد ثيران مجنحة من نينوى وغيرها من المدن الآشورية التي اكتشفت فيها الآثار إلى لندن حيث توجد بعضها اليوم في المتحف البريطاني، وهناك أجزاء أخرى من هذه الآثار في باريس ونيويورك وشيكاغو وبغداد.

وبعد تطور الموصل الحديثة ونموها، بدأت هذه المدينة تشهد تعديا على المواقع الآثرية وابتلاعها. وهناك قصة تتحدث عن خبير آثار عراقي استلقى على الأرض أمام جرافة في محاولة يائسة لمنعها من التقدم.

وقال مارك الطويل: "معظم الموقع كان لا يزال يعتبر (أثريا)، لكن بعضها حل مكانها مجموعة من المساكن الحديثة. ولذا يجب أن أقول إن الحكومة العراقية كانت جيدة إلى حد ما، حتى خلال حكم نظام البعث فيما يتعلق بمحاولاتها حماية المواقع الأثرية. لقد أدركت هذه الحكومات أن هذه الأشياء (الآثار) مهمة للهوية الوطنية وللسياحة وأنواع أخرى من الفوائد أيضا."

وأضاف: "لكن وبالتحديد بعد عام 2003، انهار النظام والقانون في العراق، ومنذ ذلك الحين، فإننا نشهد أناسا يبنون على الموقع سواء شئنا أم أبينا دون الالتفات للقواعد المعمول بها."

لكن الضرر الأكبر لهذه الكنوز الأثرية وقع في العامين الأخيرين. حينما ظهر ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية وتغيرت الأجواء في الموصل من خلال تفجير الأضرحة والمآذن والمساجد، وفي هذا الوقت بدأوا (المسلحون) يحولون انتباههم إلى نينوى والثور المجنح ونسفوا وجهه بآلة ثقب كهربائية."

وتقول خبيرة الآثار العراقية البارزة لمياء الجيلاني: "بالفعل اعتبر (هذا التمثال) هو الأبرز من بين الأشياء التي دمرها تنظيم داعش."

وبحسب جيلاني، فإن هذا العمل العنيف يمكن تتبعه إلى قديم الزمن. فحين تعرضت المدن للسلب والنهب، تورطت الجيوش الغازية في أعمال تخريب مقبولة اجتماعيا، وكان هذا يشمل تحطيم صور الملك على النقوش الموجودة على طول أسوار القصر. (وهذا من باب الاعتقاد) بأنه لا يمكنك الإطاحة بالملك بشكل كامل حتى تدمر صوره.

وفي نينوى، لم يقلع مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية عيني الثور المجنح وحسب، بل نسفوا أيضا ضريح النبي يونس.

وهناك صورة لضريح النبي يونس أخذت في الثمانينيات من القرن الماضي وتظهر طريقا مزدحما بحركة المرور يمتد بشكل ملتو بين أكوام الأتربة الطويلة في موقع التنقيب والحفر. وكان من الصعب دائما الفصل بين الحياة اليومية للناس والآثار القديمة.

وكان هذا الأمر حقيقيا أيضا قبل ثلاثة آلاف عام. ما تتذكره لمياء الجيلاني بولع شديد لم يكن عيني الثور المجنح أو جدائل لحيته، لكن شيئا من السهل عدم ملاحظته.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل