المحتوى الرئيسى

المستقبل بيننا (12): لا تسبوا الدين ولا الـﭽين!

02/27 22:06

فى أوائل ستينات القرن العشرين، كنت شاباً سعيداً متطلعاً إلى مستقبل أفضل لنا ولكل البشر. كانت هنالك ظروف موضوعية تبرر هذا التفاؤل، مشروع قومى أحببته، وزعامات تاريخية قادت العالم الثالث وأعطته ثقلاً سياسياً بمبادئ عدم الانحياز والحياد الإيجابى، وكتلة شرقية مؤيدة بصرف النظر عن الاختلاف الأيديولوجى معها. حتى أمريكا كانت قيادة «كنيدى» لها تدعو إلى التفاؤل. لا تحكوا لى عن تغير ذلك كله، فقد عشته، وودعت عبره شبابى، وإن لم أودع تفاؤلى بالمستقبل. لكننى أحكى ما سبق بسبب حدث بسيط غمرنى بالفرحة، وهو دخول أول طالب أسود إلى إحدى الجامعات الأمريكية، التى كانت تحظر ذلك. ذكرت هذه الواقعة لطلابى، فصفقوا وقوفاً. المهم أن أحدهم ذكرنى بعد سنوات طويلة أننى قلت لهم إن من أهم دروس المساواة بين البشر ألا يهين بعضنا البعض عقائدياً أو عرقياً. ويبدو أننى قلتها بصيغة أدبية أعجبته، فقد ذكرها بعد زمان طويل: «لا تسبوا الدين ولا الـﭽين».

ما زلت أؤمن تماماً بهذه العبارة، وأعدها أحد المفاتيح الرئيسية للمستقبل الأفضل للعالم كله. ولسنا فى حاجة إلى أن نبرهن على أن «أعداء المستقبل»، كما أفضل أن أسميهم، يديرون هذه الخلافات العقائدية / الطائفية والعرقية / العنصرية، بل ويزكونها ويقدمون المال والسلاح والتدريب والتخطيط لأطرافها. ولأن «أنصار المستقبل» يدركون أن هنالك من الأوضاع ما هو غير قابل للاستمرار، فإننى أقرر وأكرر معهم أهمية المراهنة على «الإدانة التاريخية» لعبثية ولا عقلانية، بل ولا علمية، الصراعات الطائفية والعرقية. ويدركون تماماً أنها غطاء لأطماع وأهداف سياسية واقتصادية، وحسابات ماضوية خاطئة، وتوافق بات مكشوفاً مع «من يعنيهم الأمر» (هذا ما أكدناه سابقاً عند الحديث عن محاور الشر).

فمع عصر العلم وثورة الاتصالات والمعلومات، وصحوة الجماهير والشعوب المتطلعة إلى عولمة بديلة، أصفها «بعولمة العولمة»، ستلحق هذه الصراعات عاجلاً أو آجلاً لسابقاتها التى أدانها التاريخ، كالنازية والفاشية والنظام العنصرى فى جنوب أفريقيا، والدور قادم لا محالة على الطائفية فى منطقتنا.

واسمحوا لى أن أركز فى المساحة المتبقية من المقال على «لا علمية» هذه الصراعات؛ لأن ما يدينه التاريخ ويرفضه العلم لا مستقبل له، وإن تصور البعض غير ذلك. تصف اليونيسكو، التى تجمع كل الدول فى عضويتها، الطيف الواسع من الثقافات المختلفة بـ«التنوع البشرى الخلاق»، ولأن لكل ثقافة معتقداتها، التى تحترمها دينياً وترفض إهانتها، فمن حقها ذلك ما دامت لا تتجاوز مع غيرها. هذا التنوع يمثل حقيقة راسخة، يمكن أن نديرها لصالح ثراء «المشهد العالمى»، أو لصالح الصراع بين أطرافه. أى الأمرين يتسم بالعقلانية، من المنظور المستقبلى؟ لا شك أن الإجابة أوضح من أن نذكرها. ومن هنا تجىء الدعوة إلى النهى عن «سب الدين»، بالمفهوم المعرفى الواسع للعبارة.

أما حكاية «سب الـﭽين»، فهى من أكثر الأمور لا علمية فى التاريخ العاصف للبشرية. لقد قامت على أساسها صراعات التمييز العرقى / العنصرى والنظر بدونية إلى كثير من شعوب الأرض. تعذبنا بخرافات الجنس الآرى، وتميز الرجل الأبيض، والتخلف «الفطرى» لغيرهما. مرة أخرى يجىء العلم ليقرر مفهوم أن «العرق» النقى المتفوق مفهوم ثقافى غير علمى، وتتبنى اليونيسكو ذلك. ثم يؤكد «مشروع الجنيوم البشرى» لا علمية التمييز بين البشر على أساس وراثى إلا إذا تعمدنا إساءة استخدامه، كلنا لآدم وآدم من تراب، حقيقة دينية وعلمية تمنعنا من «التنابذ بالـﭽينات»!!!

لقد أنهيت الفقرة السابقة بعبارة ذات مرجعية إسلامية، أفخر بالانتماء إليها، الذى يعلمنا احترام غيرها. كم أنا فخور بأن مؤذن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان أسود البشرة، وأن النبى يعد صاحبه «الفارسى» من آل البيت، ويعلمنا أن العربية هى اللسان لا العرق، ولا نفرق بين عربى أو أعجمى إلا بالتقوى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل