المحتوى الرئيسى

"الفتاوى الأخيرة" للدكتور محمد الطالبي

02/27 16:36

دار الكتب التونسية ترفض نشاطا لجمعية القرآنيين بدعوى التكفير

على مدى مسيرته الاكاديمية التي امتدت على ما يزيد على الاربعين عاما، تميّز الدكتور محمد الطالبي، المولود عام 1921، بالرصانة والنزاهة والهدوء والتواضع.

وكان من الجيل الاول الذي اعتمد عليه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في تركيز اسس الدولة الوطنية الحديثة، وفي اصلاح التعليم، ونشر الافكار التنويرية لدى الاجيال الشابة.

وكان الطالبي من الطلبة التونسيين اللامعين في جامعة "السوربون" في باريس خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي.

وعند عودته الى تونس بشهادة دكتوراة ،عين عميدا للجامعة التونسية عام 1955.

وفي عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، اشتهر الدكتور الطالبي بدراساته القيمة عن دولة الأغالبة التي كانت عاصمتها القيروان، وحكمت افريقية(اسم تونس القديم) من سنة 800 الى سنة 909. واهتمت تلك الدولة بالعمران والمعارف والعلوم  وآلآداب.

مقتدية بالخليفة المامون في بغداد،بعثت هذه الدولة للوجود "بيت الحكمة" الذي لعب دورا مهما في جعل القيروان مركزا ثقافيا ومعرفيا وحضاريا مهما للغاية في بلاد المغرب.كما أصدر الدكتور الطالبي العديد من الدراسات المهمة عن الفكر الإجتماعي عند ابن خلدون معتبرا اياه مفكرا لا مؤرخا مثل بقية المؤرخين.

ويعود ذلك الى أنه تعرف على الفلسفة في طور شبابه الاول. وبارشاد من استاذه المغربي الايلي ،أعدّ وهو في سنّ العشرين ملخصا لمؤلف الرازي:”كتاب محصل افكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين".

كما ان ابن خلدون احتك برجال السياسة في عصره،وعاش مغامرات سياسية مثيرة ساعدته على التعرف على خفايا الأمراء والسلاطين واصحاب النفوذ من رجال الدين وغيرهم.

ومن كل هذا استفاد ابن خلدون ليكتب "المقدمة" في قلعة "بني سلامة" بالمغرب الاوسط(الجزائر اليوم)بعد ان ادرك سنّ الرشد، فجاءت الافكار التي دونها في تسلسل تاريخ الامم والشعوب، وفي البداوة والحضارة والعمران وغير ذلك "على محو عجيب" كما يقول هو ،أي أنها تتسم بخصائص واستنتاجات لم يسبق لها مثيل.

واهتم الدكتور الطالبي في بقية مؤلفاته بجوانب فكرية مهمة في الحضارة العربية -الاسلامية مبرهنا على معرفة واسعة بالتاريخ في جميع احواله واطواره.

وفي عهد الرئيس بورقيبة ،تقلد الدكتور الطالبي مناصب ثقافية رفيعة، مظهرا ولاء مطلقا للنظام القائم. لكن في فترة نظام زين العابدين بن علي، وكان قد أحيل على التقاعد الإداري، انخرط في العمل السياسي منتسبا الى ما سمي عام 1995 ب"المجلس الوطني للحريات"، متخذا مواقف معادية للسياسة القائمة، ومدليا بتصريحات اغاضت النظام اكثر من مرة.

وفي سنة 2007، أصدر الطالبي كتابا حمل عنوان:"ليطمئن قلبي" وفيه شنّ هجوما عنيفا على مفكرين عرب أتهمهم با"الانسلاخ عن الاسلام"، متحاشيا استعمال مصطلح الردة.

ومن بين المفكرين الذين نالوا القسط الاكبر من تلك التهجمات، المفكر الجزائري محمد اركون، والجامعي التونسي عبد المجيد الشرفي الذي عرف بالعديد من الدراسات التي ركز فيها على البحث في مسألة العلاقة بين الاسلام والحداثة.

ولم يتردد الدكتور الطالبي في التشكيك في المصداقية العلمية والاكاديمية وفي النزاهة الفكرية لكل من اركون والشرفي، معتبرا أنهما يخدمان مصالح وأهداف"جهات "مشبوهة"، و"اوساط صليبية" بحسب تعبيره.

وأشار أيضا الى أن أفكار امثالهما "تخدم مخططات استعمارية وامبريالية"،"وتلحق بالمسلمين اضرارا جسيمة".

وخلال السنوات الخمس الماضية، لم يعد الدكتور الطالبي يغيب عن المنابر الاعلامية ليتحدث في السياسة والدين، وفي شؤون متصلة بهما.

وبعد بروزها في المشهد السياسي التونسي، وصف حركة النهضة ب"السرطان الذي سيفتك بتونس"إن هي تمكنت من التغلغل في اجهزة الدولة ومؤسساتها، موجها انتقادات لاذعة لزعيمها راشد الغنوشي ، ومتهما اياه بالتحريض على الفتنة والعنف.

كما حذر الطالبي التونسيين من حكم يكون فيه "الاسلام السياسي" مهيمنا، وركيزة اساسية في تسيير شؤون البلاد.

ولاقت تصريحاته المناهضة للنهضة ولزعيمها صدى واسعا لدى النخب التونسية العلمانية والمستنيرة.

لذا راحت تستنجد به في كل ان وفي كل حين للحصول على معاضدته في معركتها من اجل الحداثة والتنوير.ويبدو أن الدكتور الطالبي ارتاح لذلك،فلم يعد يبخل على المنابر الاعلامية بتصريحاته النارية التي تغيض خصومه السياسيين والفكريين.

قد يكون الدكتور الطالبي بالغ في تدخلاته وتصريحاته الاعلامية فما عاد قادرا على ضبط نفسه،ولجم غضبه، فتعددت خصوماته ضد الاخرين.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل