المحتوى الرئيسى

أبنية تراثية وحارات في قلب بغداد مهدّدة بالانهيار

02/27 15:01

ابنية تراثية منهارة او آيلة للسقوط في قلب بغداد

بناء آثري مهمل في قلب بغداد

أوستن: انتهت مهمتي في العراق وسأدخل الموصل ضيفًا

الدولة العراقية تواجه خطر الإفلاس العام المقبل

العراق يفتح ملف السجناء الجزائريين

العراق: سد الموصل يهدّد الملايين بالقتل والتشريد

عجز أممي عن تلبية احتياجات نازحي العراق

مجلس الدفاع العراقي يُقر الخدمة العسكرية الالزامية

يعاني الكثير من الأزقة والحارات البغدادية القديمة والابنية التراثية من الاهمال الكبير، وهي حاليا في وضع يرثى له كونها آيلة للسقوط، وقد هجرها أغلب سكانها وباتت مأوى للعصابات وأوكارا للرذيلة.

بغداد: تشهد أزقة بغداد القديمة التي تتميز بمعمارها البغدادي الجميل وشناشيلها  أسوأ احوالها خاصة انها تتعرض الى الاندثار بفعل الزمن حيث تهدم اغلبها وبات الباقي على وشك الانهيار من دون ان تلتفت اليها الجهات المسؤولة التي طالما تبرر ذلك بأن البيوت تعود الى مواطنين ولا يمكن اتخاذ أي إجراء، فهذه المحلات في النهار تبدو مخيفة ولا يمكن لشخص بمفرده أن يدخلها، أما في الليل فهي مسكونة بالرعب تماما وكل شيء فيها مخيف حيث الظلام يتسيدها والتوجس يسيطر على من يحاول السير لامتار في ازقتها الضيقة الرطبة غير السوية التي تكثر النفايات في ارجائها بل ان المهدم منها (الخرائب) تحول إلى  مكب للنفايات.

وينطبق هذا الوصف على العديد الحارات التي تسمى في العراق المحلات في جانبي الكرخ والرصافة لا سيما التي تقع على جانبي شارع الرشيد من شماله (باب المعظم) الى جنوبه (الباب الشرقي) التي تعيش أسوأ أحوالها، فهذه الحارات تغيرت جغرافيتها ولم تعد صالحة للسكن بفعل الظروف الجوية فضلا عن كونها مهدمة وفي وضع مزرٍ كما ان اتكاء بعضها على بعض ادى الى ارتفاع نسبة الرطوبة فيها وتساقط اجزاء من البناء خاصة من الطوابق العليا كما ان بعض المناطق تحول الى محال تجارية تغلق ابوابها الساعة الثانية بعد الظهر فتمتلئ بالظلام.

وقد وجدنا في بعض الاماكن عوائل تعيش في امكنة سيئة للغاية لكنهم كما يقولون مضطرون لانهم فقراء كما في منطقة العمارات القريبة من ساحة حافظ القاضي او منطقة المربعة، الى ذلك تعاني مناطق الشيخ عمر والشيخ عبد القادر والصدرية والبتاويين وشارع ابو نواس وعلاوي الحلة والصالحية وغيرها التي تمثل قلب بغداد النابض وواجهتها السياحية من الكثير من السلبيات لعدم الاهتمام بها خاصة ان بعضها ما زال يعيش على ما كان يعيش السابقون.

"إيلاف" تجولت على مدى أيام في العديد من المناطق وتعرفت على الكثير من تفاصيل الحياة فيها واوضاعها الحالية فكانت هذه الحصيلة.

يعاني اغلب ابنية شارع ابو نؤاس على شواطئ دجلة من سوء احوالها حيث تشوهت واعتراها القدم وتهدم الكثير منها حتى باتت تمثل تلوثا بصريا واضحا، وأصبحت مجرد هياكل فارغة فالناظر الى الابنية سيجد انها اما مهدمة او مهملة وغير مستخدمة او ألقى عليها الزمن تبعاته فتغيرت ملامحها وضاعت الوانها الحقيقية فاكتسبت الوانا باهتة حتى وان حاول البعض إضفاء ألوان جديدة، حتى الفنادق ليست جذابة وغير قادرة على ان تستقطب سائحين كثيرين لانها ما زالت تحمل المواصفات القديمة والواجهات التي ارهقها الزمن وان كانت تقف قبالة حدائق خضر على شاطئ دجلة، ابنية متعبة وتزداد مع الايام تعبا وتكاد تنهار اذا ما مرت عليها سنوات أخرى.

هناك التقيت مصادفة عبد السلام محمد فجر، مهندس معماري، فقال: الطراز البغدادي هو الاجمل والاكثر سحرا وبهجة لكن للاسف زال الاهتمام به والدليل ان بغداد القديمة انتهت وليس هنالك من مسؤول انتبه ليحافظ عليها وعلى جمالها وبهائها ،فكلها تعرضت للتدمير والهدم فضاع التراث وبدأت المدينة تخسر ميراثها الإبداعي الثري.

واضاف: الكثير من معالم المدينة البغدادية اندرس ولم تعد الشناشيل الجميلة حاضرة وتمت الاستعاضة بالكيبوند لتغليف الابنية المتضررة وهو اسوأ ما تم انتاجه لان بغداد العظيمة لا تتميز بهذه المبتكرات القبيحة.

وتابع: شارع ابو نؤاس مثل غيره صار مستلبا لتاريخه العريق ولأن الاهمال يطاله لأسباب غير معروفة فهو يقبع تحت ظل الخراب المتواصل ، سمعنا الكثير من الكلام لاعادته الى الوجود، ولكن لا صحة لذلك وهكذا يمكن القول ان شارع ابو نؤاس لم يعد ضمن قائمة اهتمام الدولة.

تعد منطقة البتاويين المنطقة الاخطر بين مثيلاتها الآيلة للسقوط، على الرغم من انها تقع وسط بغداد، فأغلب بيوتها التي يعود تاريخها الى سنوات بعيدة والتي تتميز بطرازها البغدادي، مهدمة او على وشط السقوط او مكبات للنفايات، فيما تحول البعض منها الى سكن عشوائي للذين يبحثون عن سكن داخل هذه المنطقة لكونها قريبة مما يمارسون من اعمال كالتسول او البيع على الرصيف، وهناك من يقول ان بعض الغجر سكنوها من دون ان يمنعهم احد او يسائلهم فصارت تلك البيوت ملاذا للمشردين وللسكارى ومروجي الحبوب المخدرة.

يقول ابو كريم، يعمل في البتاويين: اتمنى اولا إن تبعث رسالة الى الحكومة تسألها فيها هل زار احد منها هذه المنطقة المهمة في وسط العاصمة؟ اعتقد ان الجواب سيكون محرجا لهم وانا اطلب  رئيس الوزراء حيدر العبادي ان يأتي لاسأله هل سبق له ان مر في هذه المنطقة وهل يعرف ما يجري فيها وهي في وسط بغداد؟

واضاف: "للاسف ان البتاويين تهدم اغلب بيوتها التي هي من اجمل البيوت البغدادية المبنية بالطابوق وشناشيلها الجميلة ولا احد يهتم بها بل انها سنة بعد سنة تزداد سوءًا ولا نعرف من يدخلها من عصابات وارهابيين فهي تمسي في الليل عالما مخيفا مظلما وبصراحة انا اخاف مجرد ان افكر في ان أمر في احدى طرقاتها.

هذه المحلة او الحارة التي تقع على شارع الرشيد في مكان مميز جدا والتي كانت من اروع المحلات على مر الازمنة تحولت الى محال تجارية وورش صناعية فيما 150 بيتا من بيوتها تعرضت للسقوط ولم يبق من ساكنيها الا اقل من 60 بيتا وهذه البيوت يعيش فيها سكانها الذين اضطرتهم الظروف المعيشية الصعبة على البقاء. 

ومن المؤسف ان يشاهد المار فيها ذلك الجمال يذوي وتلك البيوت تتصاعد منها الرطوبة فيما مجرى الماء في وسط دروبها الصغيرة ما زال يمتد باحثا عن فوهة مجاري فيما الروائح الغريبة تملأ المكان.

يقول سعد عد الكريم، من أهالي المربعة: تغيرت المحلة تماما عما كانت عليه في الثمانينات مثلا، فهي الآن (تعبانة) وأهلها الأصليون غادروها وتركوها تتهدم، وليس هنالك احد من الحكومة جاء ليتفقدها ليعرف ما لها وما عليها، فكل شيء فيها سيئ ويرثى له وكأن المحلة تعيش في القرون الوسطى على الرغم من انني قرأت انها كانت في زمن العصر العباسي تسمى محلة الاكابر  وعاش فيها المسلمون والمسيحيون معا.

 واضاف: "لو نظرت الى البيوت وتصميمها وشناشيلها وخشبها وشبابيكها الملونة لأعجبك منظرها فهي لا مثيل لها في بغداد ولكنها مهملة". وتابع: "لا اعرف لماذا لا تنتبه الحكومة الى هذه المحلة لتهديمها وبنائها من جديد ما دامت غير مهتمة بها، اقلها توفر وحدات سكنية للناس وتبني محلات حديثة خاصة ان المحلة في شارع الرشيد".

هذه المحلات التي تقع في الكرخ وعلى نهر دجلة هي الاخرى آيلة للسقوط بل اغلب البيوت فيها انتهت تماما او شبه منتهية  فيما السفارة البريطانية سابقا تحتل مساحة واسعة ولا احد يعرف المغزى من وجودها وقد انتقلت الى المنطقة الخضراء وهي الان في هذا المكان عاطلة عن العمل، خاصة انها تقع بين نهر دجلة وشارع حيفا بعماراته الحديثة.

الكثير من البيوت هناك سقطت سقوف طوابقها العليا التي من خشب بعد ان اكلتها الارضة وقست عليها الازمنة فيما ظهر الكثير من الابنية متورمة مندفعة الى الزقاق وهناك بيوت سقطت وتحولت الى خرائب تتجمع فيها النفايات تفوح منها روائح عطنة تسيل الدموع، بل ان البعض من سكان البيوت يطلق عليها (مقابر)، فتستغرب كيف يعيش الناس هناك وسط هذه الاجواء التي لا تتوفر فيها ابسط المقومات ،والمنظر كله يقع على شاطئ نهر دجلة لكنه قبيح ومقزز.

ويشكو اهل هذه الحارات اوالمحلات من وجود الافاعي والجرذان خاصة ان مساحة بعض البيوت صغيرة جدا ودروبها بعرض متر ونصف، فضلا عن التصدعات الواضحة في العديد من البيوت.

يقول ابو عمار، 65 عاما، من أهالي باب السيف: "ظلت هذه المحلات متروكة بعد ان انشئ شارع حيفا مطلع الثمانينات، ظلت على نفس الهيئة والزمن يلعب بها وحتى لو كانت من حديد فإنها لم تصمد فكيف بها وهي من خشب وطابوق وقريبة من النهر الذي طالما كان يفيض فيؤثر على البيوت وهذه حال هذه المحلات منذ زمن".

 واضاف: "لا اعرف سر اهمال الحكومات المتعاقبة لهذه الامكنة التي لم يزرها مسؤول حكومي ابدا لكي يعرف كيف يعيش اهلها على الرغم من ان موقعها على النهر ومن الممكن ان تكون فنادق وقصورًا ومتنزهات وكافيتريات وأماكن ترفيه، انا استغرب انها مهملة وهي في قلب بغداد".

وتابع: "مع من نحكي، لقد تعبنا مثلما تعب البلد، يشكون من عدم وجود سكن للناس ويتركون اجمل المناطق مهملة، وكان عليهم اعادة بنائها من جديد بشكل يليق ولكن من يسأل ومن يهتم !".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل